انتفاضات عباس.. وتنازلاته لإنهاء الانقسام

نبيل عمرو

ما من طريق سلكه الرئيس محمود عباس خلال ولايته إلا وأفضى إلى جدار مسدود.
والرئيس عباس، الذي يعتبر بحق أكثر الفلسطينيين رغبة في إحراز تسوية سياسية دائمة مع الإسرائيليين، وبذل من أجل ذلك الكثير، وأقدم على مجازفات لامه عليها أنصاره قبل خصومه، بما في ذلك العودة إلى المفاوضات بناءً على رهان على جدية الوزير كيري، وقدرات الإدارة الأميركية.
الرئيس عباس الذي فعل ذلك كله، وجد نفسه وجهوده ورهاناته أمام حائط إسمنتي سميك بناه نتنياهو، وارتطمت به أول ما ارتطمت، رأس الوزير كيري الذي اكتشف بعد 9 أشهر أن الرأس الطري وحده لا يخترق جدار الإسمنت، فأعلن اعتذارا هو أقرب إلى التوبة من أي شيء آخر.
وأمام ذلك لم يجد عباس مفرًا من التمرد على الصيغ التقليدية، في محاولات الوصول إلى تسوية، ليذهب إلى صيغة أخرى هي تقليدية، ولكن مختلفة، حيث الذهاب إلى مجلس الأمن، وفي جعبته مطلب عادل وفيتو أميركي قاطع، أن مجرد اليأس من جهود التسوية التي أخفقت، والذهاب شاكيا للمؤسسات الدولية هو واحد من انتفاضات عباس الراهنة.
وفي بيته الفلسطيني، حيث الانقسام الذي كرس سلطتين متناحرتين، وكل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى في كل شيء، بما في ذلك إعلان الحرب أو الذهاب إلى السياسة، في بيته الفلسطيني هذا، حيث وقع الانقسام في عهده، صار ملزما أخلاقيا ووطنيا بالعمل من أجل إنهائه.
بدت الأمور كل سنة أكثر استعصاء من السنة التي سبقتها، فكان أن ارتفع جدار أكثر صلابة حال بين الرجل وإنهاء الانقسام.
كان الرئيس عباس قدم مبادرات وتنازلات لعله ينهي الانقسام، ووصل به الأمر إلى حد تسخير السلطة بكل إمكانياتها، من أجل خدمة حماس في معركتها الشرسة الأخيرة، وفتح لحماس أبوابا كانت مغلقة دونها، وأهمها الباب المصري، وارتضى بدور الوسيط بين حماس والآخرين، فإذا به رغم كل ما فعل يواجه صدودا وجحودا أفقده صوابه، وكان ذلك أشد وضوحا من خلال المحضر الذي نشر على نطاق واسع والذي تضمن الأحاديث الصريحة والساخطة التي أجراها مع مشعل في رحاب أمير دولة قطر.
لم يستغرب أحد انتفاضة عباس على حماس، فالرجل المفترض أن يكون مخرجا لحماس من حصارها ظهر بعد كل ما فعل كما لو أنه مجرد واجهة، مقبولة مصريا وإسرائيليا ودوليا، وليس له من دور في مقبل الأيام سوى أن يكون على شاكلة وفد القاهرة، بينما الفعل الحقيقي بالجملة وبالتفصيل يكون لحماس على أرض غزة وربما الضفة.
إذن، نحن حيال انتفاضتين على صيغتين، أدرك عباس عقم نتائجهما، إذا كانت انتفاضة الذهاب إلى المؤسسات الدولية بديلا عن رهان المفاوضات الفاشلة، فإن لها ميزة عملية، وهي تفادي جمود القضية واصطناع ورقة ضغط لعلها تنفع من أجل مفاوضات أفضل، أما انتفاضة النمطية في التعامل مع حماس، فهي تبدو بالنسبة لعباس وفتح مصيرية في أمر الوضع الداخلي الفلسطيني، فإذا ما تساهل عباس وقبل دور «المحلل» في شأن غزة، فإن ذلك سيهدد حتما فاعلية السلطة الوطنية في غزة والضفة معا، لهذا طرح الرجل بصوت عالٍ رؤيته لدور السلطة الوطنية في غزة أولا.
ملخص ما يطرحه عباس هو إما سلطة فعالة بالجملة وبالتفصيل، وإما أن تواصل حماس قيادتها للوضع في غزة وتتحمل مسؤولياتها كسلطة استأثرت بالحكم هناك سنوات طويلة.
إلى أين ستفضي انتفاضات عباس في أمر الحراك السياسي الدولي، وكذلك في أمر العلاقة مع حماس وهي أساس الوضع الداخلي الفلسطيني، فهذا ما لا يعرفه أحد حتى الآن، بمعنى أن الأقدار ساقت للفلسطينيين وقضيتهم وضعا مفتوحا على كل الاحتمالات، وخصوصا الاحتمالات المرهقة منها. canadian pharmacy 24h basket.

عن admin

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …