هل قلتَ «ثورة»؟

بقلم: محمد علي فرحات
بين الاستنتاجات المتوقعة من مآلات «الربيع العربي» إعادة النظر في مفهوم «الثورة»، ذلك الذي تبنّاه ثوار «الربيع»، من ليبراليين ووطنيين وقوميين وماركسيين وإسلاميين. اجتمع هؤلاء، على رغم تناقضاتهم، ليغيّروا أنظمة سياسية ويخلعوا من سمّوهم ديكتاتوريين، من دون تصوُّر لنظام بديل أو لتعديلات في النظام القائم. هكذا أُتيح لـ «الإخوان» اختطاف الثورة المصرية لكنهم فقدوا سلطتهم سريعاً لمصلحة الجيش.

وفي تونس عاد النظام بعد الانتخابات من دون رأسه زين العابدين بن علي، مع مؤثرات سلبية هي إسلام سياسي في المعارضة («النهضة») وسلفية جهادية مسلّحة تغزو الدولة والشعب محاولة «فتح تونس» لتقيم فيها حكم ترجمتها للشريعة. وفي ليبيا حصدت الثورة على شخص القذافي ونظامه (إن كان له نظام) هشيم الفوضى والمنغّصات الدائمة للإسلام السياسي بأطيافه المختلفة، فتعذّر أي توافق على نظام بديل، وحتى على هدنة تحفظ أمن المواطنين وخبزهم.

ولدى السوريين أوسع النقاشات عن الثورة، من دون التشكيك في صلاحيتها كوسيلة للتغيير والخلاص من النظام العسكري. والحال أن الثورة المتداولة في سورية هي إرث تحرري عالمي بدأ يتآكل في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وصار فاقداً الصلاحية في القرن الحادي والعشرين. صحيح أن الثورة كانت تتأثر، وربما تخضع لقوى دولية كبرى تدعمها أو تعرقلها، وكان قادة الثورات يعالجون المشكلة بما يتوافق مع أهدافهم الرئيسية على الأقل، لكن الثورات الحالية، بما هي رفض وتمرد وكسر لسطوة النظام العام، أدت إلى تراخٍ في قبضة الثوار الأمنية فضلاً عن التراخي الفكري لمصلحة قوى تقليدية وقوى دولية مؤثّرة في ساحة الثورة.

هذا الكلام ليس رثاء للثورة السورية المغدورة من أعدائها ومن قادتها الفكريين، بقدر ما هو دعوة لاجتراح وسيلة جديدة للمعارضة السورية، ربما تؤسس إلى معنى جديد أو مسار جديد للثورة، وهذا يتطلب نقاشاً عميقاً ومطوّلاً بالاستناد إلى التجارب الحية، وفي هذا فائدة للشعب السوري ولشعوب كثيرة مبتلاة بالديكتاتورية والفساد.

نتكلم على معارضة سورية استطاع الإسلام السياسي المتعسكر في سورية أن يقضي عليها، فلم يبق منها في الداخل سوى رموز مضيئة، لكنها شاحبة، في الجنوب السوري ومحيط مدينة حلب. أما خارج سورية، فالمسرح العربي والدولي يضج بشخصيات سورية معبّأة بمشاعر ثورية تنتمي إلى زمن مضى وانقضى. هذا الوضع يتوضح شيئاً فشيئاً من سيل الأخبار الموثوقة التي يتلقاها متابعو القضية السورية، بحيث تغيب شعارات الثورة الأولى وأحلام الثوار لمصلحة إسلام سياسي تختلف أطيافه على درجة التطرف لا على مبدأ دولة سورية الإسلامية.

ما يحدث الآن هو انصراف الإسلام السياسي المسلّح للقضاء على النظام بعدما قضى على المعارضة، وهو بذلك سائر إلى وراثة الأرض السورية بما عليها ومَنْ عليها من ثروات وبشر موعودين بالنهب والعبودية.

مسار مأسوي لن يفشله سوى توافق كبار العرب والإقليم والعالم على كيان سوري سياسي جديد يحفظ مصالح الكبار ويترك الفُتات لمواطنيه، المغدورين من ثورتهم بعدما غدرهم النظام. ecco contact center.

عن admin

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …