ملاحظات مؤسسة الحق بشأن مسودة مشروع قرار بقانون إنشاء الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين

انضمت دولة فلسطين إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب في 28 كانون الأول/ديسمبر 2017 وهو لا يُجيز للدول إبداء أية تحفظات عليه، وسبق وأن انضمت إلى اتفاقية مناهضة التعذيب في الأول من نيسان/أبريل 2014 بدون تحفظات، بما يتطلب تعريف وتجريم التعذيب وفرض عقوبات جنائية رادعة تتناسب وطبيعته الخطيرة، وتحقيقات فعّالة، ومحاسبة جادة، وإنصاف للضحايا، وإصلاح في نظام العدالة الجنائية.

أصبح لِزاماً على دولة فلسطين، تشكيل الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة؛ في الضفة الغربية وقطاع غزة، خلال سنة من تاريخ نفاذ البروتوكول على الأرض الفلسطينية؛ الذي نفذ فعلياً في اليوم الثلاثين من تاريخ الانضمام. يمتاز هذا البروتوكول، عن غيره من البروتوكولات الدولية، بأنه، تنفيذي بكل معنى الكلمة، وفريد من نوعه، في مجال الوقاية والحماية من أشكال التعذيب وسوء المعاملة كافة داخل مراكز الاحتجاز كافة.

يقوم هذا البروتوكول، على تصميم وتنفيذ نظام زيارات مُنتظمة وفجائية فعّالة تستهدف مراكز الاحتجاز؛ سواء أكانت تلك المراكز شرعية، أم غير شرعية، وسواء أجرى الاحتجاز بصورة مشروعة (أمر قضائي) أم غير مشروعة، وتتم الزيارات من خلال خبراء دوليين يمثلون اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة لمنع التعذيب وسوء المعاملة (SPT)، ونظرائهم الخبراء المحليين الذي يمثلون الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة (NPM) يعملون على إيقاع، مُتناغم ومُتناسق، وعلى نحو غير مقيّد، في النهار أو الليل، ودون تواجد الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون خلال الزيارات، إنه نظام عالمي بامتياز، فعّال، في الوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة.

يسعى هذا “النظام” لتعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم بشكل رسمي أو فعلي (de facto) من أشكال التعذيب وسوء المعاملة كافة، على الإقليم الذي يخضع لولاية الدولة، من خلال برنامج مُفصّل للزيارات، يرمي للحصول على تحليل مُفصّل لنظام الاحتجاز، وتحديد الأسباب، التي تؤدي، أو قد تؤدي، مستقبلاً، إلى وقوع التعذيب أو سوء المعاملة، بما يشمل ظروف الاحتجاز دون مستوى المعايير الدولية المطلوبة، والدخول في حوار بنّاء مع السلطات المعنية وتقديم توصيات بشأن كيفية تولي أو معالجة تلك الأسباب على المستويات التطبيقية والمعيارية، وتقديم إقتراحات تتعلق بتشريعات قائمة أو مشاريع قوانين، لتحقيق الوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة، على قاعدة الحظر الشامل، ومحاسبة مرتكبيه، والإنصاف الفعّال للضحايا، والإصلاح الجنائي.

تلعب الاستقلالية، الإدارية والمالية، والشخصية والمؤسساتية، والخبرة والدراية المتخصصة والمتنوعة، دوراً حاسماً، في نجاح، أو فشل، الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة، في تحقيق أهدافها وغاياتها الواردة في البروتوكول، أياً كان شكلها الهيكلي، وتكتسب أهمية خاصة في الحالة الفلسطينية، في ظل الانقسام الداخلي وتبعاته، وفقدان الثقة المتبادل، وبذلك، تغدو الاستقلالية التامة والاحترافية في الأداء ذات قيمة عالية، للثقة بخبراء الآلية الوقائية الوطنية، وتمكينهم من تصميم وتنفيذ زيارات منتظمة وفجائية فعّالة تطال مراكز الاحتجاز في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء، والدخول في حوارات بنّاءة مع السلطات المعنية، بنتيجة الزيارات بهدف تحسين أوضاع وظروف المحتجزين في الضفة والقطاع، وتقديم تقارير سنوية ودورية بنتيجة الزيارات للجهات المعنية، ونشرها، بشفافية ومصداقية ومهنية، تعزيزاً للرقابة المجتمعية على الأداء.

يتمتع خبراء اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة، وخبراء الآلية الوقائية الوطنية، لمنع التعذيب وسوء المعاملة، بامتيازات وحصانات الأمم المتحدة، بموجب البروتوكول الاختياري والمعايير الدولية، وتشمل الحصانة المبلغين عن جرائم التعذيب وسوء المعاملة؛ سواءً أكانوا المحتجزين أنفسهم، أم الموظفين الرسميين المكلفين بإنفاذ القانون، أم غيرهم، وسواء أكانت المعلومات التي قدموها للآلية الوقائية الوطنية صحيحة أم خاطئة، لأن تقييمها ومتابعتها، يعود لخبراء الآلية الوقائية الوطنية، على أن لا تُقدم المعلومات بهدف التضليل المتعمد، ولكي يشعر الجميع بالراحة والثقة بالآلية الوقائية الوطنية، فإن البيانات الشخصية لا تُنشر من قبل الآلية، والحصانة التي تتمتع بها، والاستقلالية والمصداقية والخبرة التي يتوجب أن يتمتع أعضاؤها بها، هي الضامن.

وفقاً للمبادىء التوجيهية الدولية، فإن الآلية الوقائية الوطنية المستقلة تُنظم على المستوى الدستوري أو بقانون، يتوجب إجراء مشاورات وطنية واسعة النطاق ضماناً لشفافية واستقلالية وفعالية الآلية وبرنامج نظام زيارات مراكز الاحتجاز (الدورية والفجائية) المستدام، بحيث يشارك في المشاورات كافة العاملين في هذا المجال متعدد المهام والاختصاصات؛ بما يشمل الجهات الرسمية، والأحزاب السياسية؛ موالاة ومعارضة، ومؤسسات المجتمع المدني، والخبراء والمختصصين في المجال، والمؤسسات التي تعمل على زيارة مراكز الاحتجاز، والجهات المعنية كافة، في الضفة وغزة، وصولاً إلى “توافق وطني” على قانون للآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وسوء المعاملة في فلسطين، منسجم، مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والمعايير الدولية ذات الصلة.

تحتاج مسودة القرار بقانون لسنة 2019 بشأن الآلية الوقائية الوطنية لمنع التعذيب في فلسطين، التي جرت عليها مشاورات مؤخراً في الضفة الغربية، إلى توسيع دائرة المشاورات بشأنها، وأن تشمل قطاع غزة، وما زالت تحتاج إلى تعديلات جوهرية؛ لانسجامها بالكامل مع البروتوكول الاختياري والمعايير الدولية والممارسات الفضلى.

المجلس التشريعي، ينبغي، أن يلعب دوراً على مستوى إنشاء وتحديد الآلية الوقائية الوطنية، وينبغي التفريق بين غياب المجلس التشريعي وتغييبه في النصوص القانونية. هذه الورقة، تضمنت ملاحظات جوهرية على مسودة المشروع، ودور المجلس التشريعي، بالتزامن، مع ضرورة إصدار مرسوم الدعوة للانتخابات الرئاسية والتشريعية، للخروج من الأزمة التي يُعاني منها النظام السياسي الفلسطيني وحالة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة حرة وشفافة لتمكين المواطنين الفلسطينيين من حقهم الدستوري والقانوني في اختيار ممثليهم بحرية، واحترام نتائج الانتخابات، والحفاظ على استمراريتها وانتظامها، احتراماً لسمو القانون الأساسي وإرادة المشرّع الدستوري.

إنْ نَجَح، مشروع الآلية الوقائية الوطنية، في اجتياز اختبار الاستقلالية، إدارياً ومالياً، وعلى مستوى أعضائها، على الصعيد الشخصي والمؤسساتي، ووضع الأسس والمعايير الواضحة والمحددة في مجال نوعية الخبرة والدراية والتخصصية المطلوبة، في كل عضو من أعضاء الآلية، واختيارهم بشفافية على هذا الأساس، ومراعاة الأبعاد الجنسانية، والتوزيع الجغرافي العادل، والحصانة المطلوبة بموجب البروتوكول ضماناً لاستقلالية خبراء الآلية الوقائية الوطنية وفعالية الأداء، وتمكينها من ممارسة مهامها وصلاحياتها كاملة، في الضفة والقطاع، فإن خبراء الآلية الوقائية الوطنية (NPM) ونظرائهم خبراء اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة (SPT) سيتمكنون من بناء وتنفيذ نظام فعّال ومتناسق لزيارات مراكز الاحتجاز في الضفة والقطاع، للوقاية والحماية من التعذيب وسوء المعاملة، وسيكون “خبراء الآلية الفلسطينيين” الأمل الكبير، للضحايا، وذويهم، والناس، في مناهضة التعذيب وسوء المعاملة، والإنصاف الفعّال، واحترام الكرامة داخل مراكز الاحتجاز، وسيبنون إرثاً محل فخر واعتزاز.

إنْ فَشَل، مشروع الآلية الوقائية الوطنية، في اجتياز اختبار الاستقلالية، والحرفية في الأداء، وما ذُكر، وجرى تفريغ متطلبات البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والمعايير الدولية والممارسات الفضلى من نصوص المشروع، فإن الآلية الوقائية الوطنية ستتحول إلى جسم إضافي (عبء إضافي) على حساب معاناة ضحايا التعذيب وسوء المعاملة، وذويهم، وتتلاشى ثقة الناس بهم. وانطلاقة الآلية ستحدد مصيرها ومستقبلها.

ينبغي على دولة فلسطين أن تُعلن عن الآلية الوقائية الوطنية إعلاناً رسمياً باعتبارها كذلك على الصعيد الوطني، وأن تُخطِر اللجنة الفرعية في الأمم المتحدة فوراً بالهيئة التي عُينت لتكون الآلية الوقائية الوطنية.

سيواجه، خبراء الآلية الوقائية الوطنية، العديد من الأسئلة، في عملهم المهني، قد تكون إجاباتها في نصوص البروتوكول الاختياري والمعايير الدولية، وقد لا تكون، بجميع الأحوال، عليهم أن يتأملوا هذا البروتوكول التنفيذي الفريد من نوعه، بعمق، ويبحثوا عن الإجابات من وحيه، وعالمية حقوق الإنسان التي لا تتجزأ، وخبرتهم المهنية.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا

أعلن مدير مستشفى أريحا الحكومي، اليوم الثلاثاء، عن استشهاد الشاب شادي عيسى جلايطة (44 عاما)، …