البروفيسور آفي شليم: شارون ارتكب جرائم حرب ولم اعثر خلال 40 سنة على دليل يثبت انه كان رجل سلام

نشرت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية اليوم الاثنين مقالاً للبروفيسور آفي شليم استاذ تاريخ الشرق الاوسط الحديث في جامعة اكسفورد، وهو اسرائيلي من اصل عراقي له مؤلفات كثيرة عن شؤون المنطقة، تحت عنوان “رجل سلام؟ ارييل شارون كان بطل الحلول العنيفة”. ويرى البروفيسور شليم، وهو من مواليد بغداد، ان تركة شارون هي تمكين بعض اسوأ العناصر في المسرح السياسي الاسرائيلي الذي يصفه بـ”المختل وظيفياً”. وهنا نص المقال الذي نشرت معه الصحيفة رسماً لصقر رمزاً لتشدد شارون:

“ارييل شارون الذي مات السبت بعد ثماني سنوات على دخوله في غيبوبة كان احدى الشخصيات الاكثر ايقونية واثارة للجدل في اسرائيل. وقد تمحورت حياته العملية الطويلة المتنوعة كجندي وسياسي الى حد كبير حول قضية واحدة: الصراع بين اسرائيل وجيرانها العرب. وكان، كجندي، مشاركاً باكثر الصور حدة في هذا الصراع المرير. وكسياسي، صار معروفاً باسم “البلدوزر” بالنظر الى احتقاره لمنتقديه ولتصميمه القاسي على انجاز عمل الاشياء. كان شارون شخصية معطوبة لدرجة عميقة، شهيراً بوحشيته، وريائه وفساده. وبالرغم من هذه العيوب، فانه يحتل مكانة خاصة في اسفار تاريخ اسرائيل.

كان شارون وطنياً يهودياً متحمساً، ومتشدداً منذ نعومة اظفاره وصقراً يمينياً ضارياً. وقد اظهر ايضاً تفضيلاً مستمراً للقوة على الدبلوماسية في التعامل مع العرب. وقد عكس قول كلاوسفيتز المأثور بمعاملته الدبلوماسية كامتداد للحرب بوسائل اخرى.

وقد اوجز العنوان الذي اختاره لسيرة حياته شخصيته بكلمة واحدة معبرة – محارب. وكان شارون مثل كوريولانوس في رواية شيكسبير التراجيدية آلة حرب بصورة اساسية. وقد ندد به منتقدوه كممارس لـ”صهيونية البندقية”، وكتشويه للفكرة الصهيونية عن اليهودي القوي، المنصف وغير الهياب. وبالنسبة الى الفلسطينيين كان شارون الوجه البارد، القاسي والعسكري للاحتلال الصهيوني.

في 1953 ارتكب الميجور شارون اولى جرائم حربه: مجزرة راح ضحيتها 69 مدنياً في قرية قبية الاردنية (على الحدود بين اسرائيل وما تبقى من فلسطين وصار معروفا باسم الضفة الغربية تحت الحكم الاردني) وفي 1982، بصفته وزيراً للدفاع، قاد غزو اسرائيل للبنان في حرب خداع اخفقت في تحقيق اي من اهدافها الجيوبوليتيكية المتسمة بالمبالغة الحمقاء. واستنتجت لجنة تحقيق ان شارون مسؤول عن عدم منع المذبحة من جانب حزب الكتائب المسيحي ضد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت. وقد نُقِشَ ذلك الحكم على جبهته كعلامة قابيل (قاتل اخيه هابيل في اول جريمة قتل في تاريخ الانسانية، حسب التراث اليهودي). ولكن من كان يمكن ان يتنبأ بان الرجل الذي اعلن عنه انه لا يصلح لأن يكون وزيراً للدفاع سيعود رئيساً للوزراء؟

خلال حملة الانتخابات في 2001 حاول شارون اعادة اختراع نفسه كرجل سلام. وقد شجع مديرو دعايته فكرة ان التقدم في العمر يرافقه تحول شخصي من جندي متعطش للدماء الى ساع حقيقي الى السلام. واشتهر عن الرئيس (الاميركي) جورج دبليو بوش وصفه لشارون بانه “رجل سلام”. ان الصراع العربي-الاسرائيلي ظل في الـ40 سنة الماضية مجال بحثي الرئيسي، ولم اعثر خلال ذلك على دليل بمثقال ذرة يدعم وجهة النظر هذه. كان شارون رجل حرب مائة في المائة، وكارهاً للعرب، وداعياً متحمساً لنظرية الصراع الدائم. وبناء على ذلك فقد بقي شارون في اعقاب صعوده الى سدة السلطة ما كان عليه دائماً – اي بطل الحلول العنيفة.

كان شغل شارون الشاغل خلال رئاسته للحكومة هو “الحرب على الارهاب” ضد المنظمات الفلسطينية المتشددة. ولم تعقد محادثات سلام مع السلطة الفلسطينية بين 2001 و2006، واعتبر شارون ذلك امراً يُفْتَخَر به. وكان يعتقد بان المفاوضات تعني بالضرورة تقديم تنازلات، وبالتالي فقد تجنبها وكأنها الطاعون.

لهذا السبب رفض ايضاً كل الخطط الدولية الرامية الى حل على اساس دولتين. وكانت احداها مبادرة السلام العربية في 2002 التي عرضت على اسرائيل السلام واقامة علاقات عادية مع الدول الـ22 الاعضاء في الجامعة العربية مقابل الموافقة على دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، مع عاصمة في القدس الشرقية. وكانت هناك خطة اخرى هي خارطة الطريق التي قدمتها الرباعية الدولية في 2003 وتصورت قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل بحلول نهاية 2005.

كان شارون اعظم منفذي السياسات من جانب واحد. وكان هدفه النهائي ان يعيد ترسيم حدود اسرائيل من جانب واحد ويضم مساحات واسعة من الاراضي المحتلة. وكانت المرحلة الاولى تقضي ببناء ما يسمى الحاجز الأمني في الضفة الغربية والذي يسميه الفلسطينيون جدار الفصل العنصري. وفد نددت محكمة العدل الدولية بالجدار باعتباره غير قانوني. ويبلغ طوله ثلاثة اضعاف حدود ما قبل 1967، والغرض الاولي منه ليس الأمن وانما سرقة الاراضي. ويمكن ان تصنع السياجات الجيدة جيراناً جيدين، ولكن ليس عندما تقام في حديقة الجار.

وكانت المرحلة الثانية هي الانسحاب من جانب واحد من غزة في آب (اغسطس) 2005. وتضمن ذلك خلع 8,000 يهودي من جذورهم وهدم مستوطنات كثيرة – وهو ما كان تحولاً صاعقاً في موقف رجل كان يسمى عراب المستوطنين. وجرى تصوير الانسحاب من غزة على اساس انه مساهمة في خارطة الطريق التي قدمتها الرباعية، لكنه لم يكن كذلك في حقيقة الامر. ذلك ان خارطة الطريق دعت الى مفاوضات. وقد رفض شارون ان يتفاوض. وكانت خطوته الاحادية الجانب مصممة لتجميد العملية السياسية، ليمنع بذلك اقامة دولة فلسطينية وليحافظ على الوضع الجيوبوليتيكي القائم في الضفة الغربية.

ان المصطلح القانوني “عدم الاكتراث الفاسد” يشير الى اي سلوك جائر، ومتصلب، ومتهور جداً، ومفتقر الى الحس بالمسؤولية الاخلاقية، ومفتقر الى احترام ارواح الآخرين، وبالتالي يستحق اللوم لدرجة تبرر تحميله المسؤولية الجنائية. وقد جسد شارون هذا النوع من عدم الاكتراث في مقاربته للفلسطينيين.

وحوالي نهاية حياته النشيطة فر من “ليكود” ليشكل حزب الوسط “كاديما”، لكن “كاديما” لم يبق بعد افول نجمه. واليوم ليس للحزب سوى مقعدين في الكنيست المكون من 120 عضواً. لذا فان محاولة شارون في الدقيقة الاخيرة لتحقيق اصطفاف جديد في الحياة السياسية الاسرائيلية انتهت بالفشل.

ان تركته الباقية هي تمكينه وتشجيعه لبعض من اكثر العناصر عنصريةً، وكُرهاً للآخرين، وحباً للتوسع والتصلب في النظام السياسي الاسرائيلي المختل وظيفياً”.

online drugs store from india.

عن admin

شاهد أيضاً

المستشارة القضائية بـ”إسرائيل”: يجب البدء بتجنيد الحريديم

نقلت صحيفة هآرتس عن رسالة بعثت بها المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف ميارا إلى …