معاناة المواطن الفلسطيني وتحديات الرؤية الرسمية

بقلم: الدكتور سعيد صبري*

أين الرؤية الفلسطينية الوطنية في بناء اقتصاد فلسطيني؟

سؤال يراود الجميع في ظل المعارك اليومية لكل مواطن فلسطيني لتلبية احتياجاته الآنية من مأكل ومشرب وتعليم وسداد أقساط البنوك من شيكات وقروض، بينما نقوم بتصدير العمالة الفلسطينية يوميا لسوق العمل الاسرائيلي، الذي يشكل الرافد الأساسي للاقتصاد الوطني الفلسطيني، حيث بلغ عدد العمال الذين يعملون في إسرائيل حوال 128000 عامل منهم ما يزيد على 65000 في قطاع البناء والباقي يتوزعون على قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات وما يزيد على 30000 عامل فلسطيني في المستوطنات بالمناطق الصناعية وغور الاردن .

ان المهمة الرئيسية المطلوبة من أصحاب القرار – الحكومة الفلسطينية- تكمن في كيفية تمكين الاقتصاد الفلسطيني من توفير وسائل وادوات مالية وتسويقية ، والابتعاد عن الاعانات الاجتماعية كحلول لتمكين الاقتصاد الوطني.

ان اعادة المشهد الفلسطيني من استراتيجية التمكين الفلسطيني الى الإعالة الاجتماعية للاقتصاد سيؤدي الى تدمير البنية الاقتصادية وهذا ما نشهده الآن . يجب البدء في مرحلة تحول فكري وايديولوجي بالتوقف عن البحث المستمر والدائم عن مصادر مانحين عالميين لاعانة الشعب الفلسطيني والانتقال نحو المستثمرين لتمكين الاقتصاد الفلسطيني وخلق فرص عمل وانشاء وطن رائد يتمثل في الشفافية والمساءلة والانتاج والعمل.

ان جائحة كورونا التي عصفت بوطننا واقتصادنا أثبتت ان الاقتصاد الفلسطيني هش والقطاع الخاص الفلسطيني الاكثر تضررا من الجائحة الصحية والاقتصادية حيث تضرر بشكل مباشر في ظل انعدام رؤية وطنية على كافة المستويات، سواء المالية منها او الاقتصادية والريادية التي أثرت وتؤثر في الانتقال نحو اقتصاد واعد وطني مبني على معايير التغيير نحو الأفضل ودفعت الى اقتصاد منهار يتجه نحو الدمار.

اجتماعات، بيانات، تصريحات هذا يمثل المشهد الفلسطيني، وتنفيذ على الارض تنقصه رؤية وطنية، ولا ينقصه المال والتمويل. ان التشريعات والسياسات المتبعة حاليا من قبل الحكومة بحاجة الى اعادة صياغة واعداد تحديث يتناسب مع المرحلة الحالية الجديدة. فبين مطالبات من قبل ممثلين للقطاع الخاص سلطة النقد الفلسطيني باعادة صياغة لاجراءاتها ، تخرج سلطة النقد بحلول تكاد ان تكون خارجة عن السياق العام ولا تتجاوب مع أدنى احتياج لأي مواطن فلسطيني. اجراءات تستخدم بها لغويات بحاجة الى محلل اقتصادي لفهمها. لقد تم تقليص القيمة المحصلة على الشيكات المرتجعة من 60 شيكلا الى 20 شيكلا ، فهل المشكلة بالقيمة أم بمبدأ التحصيل؟

ومن الاجراءات الجديدة لسلطة النقد منح فرصة للحصول على قرض جديد يتم من خلاله تسديد قيمة الدفعات المستحقه للقروض السابقه! وهذا يعني تحميل المواطن عبء قرض جديد.

ان الإجراءات الجديدة سلطة النقد لم تحاك الحد الأدنى من احتياجات المواطن المالية ولم تستجب لنداءات الاستغاثة من القطاع الخاص الفلسطيني وهذا لا يساعد في رفد القطاع الخاص المنكوب بل يسعى لإضافة التزامات جديدة على المواطن الفلسطيني هو بغنى عنها. فكيف ستعمل حركة دوران القطاع الاقتصادي المنكوب؟

الشباب الفلسطيني الذين نتغنى بهم ماذا أعددنا لهم؟ الرياديون الفلسطينون الذين يملكون مبادرات تكنولوجية مميزة أين الحاضنة الوطنية لهؤلاء الشباب؟

سياسيات، قوانين، بيئة استثمارية، بنية تحتية ضعيفة غير متغيرة ، ليس سببها الاحتلال فحسب ولكن عدم وجود رؤية تغييرية وطنية. ومن الواضح ان بقاء الدخل المتدنى للفرد يعتبر مؤشرا واضحا لضعف الرؤية الاقتصادية، وعليه يجب العمل على رفع الناتج المحلي الإجمالي لكي ينمو بنفس معدل النمو السكاني، لكن الذي يحصل أن النمو السكاني يتزايد والناتج المحلي يتراجع، وهذا يعني استمرار التدهور في مستوى المعيشة.

مطلوب رفع نصيب الفرد من الناتج المحلى الاجمالي ليصل الى مستوى أعلى مما هو عليه الآن حيث تشير الاحصائيات الى 3500 دولار في فلسطين وبينما يصل في دول مجاورة عربية الى 8800 دولار بينما يصل في اسرائيل الى 45000 دولار.

اقتراحات علاجية للمشكلة تتمثل في ما يلي:

– الاعتماد على الذات : يجب العمل على بناء منظومة اقتصادية وطنية “مستقلة” تعتمد على مصادر وطنية داخلية وليس انتظار المانحين والدول الاخرى ، وهذا يتم من خلال خلق خطة وطنية مستدامة، تبدأ بتعزيز الاقتصاد الفلسطيني وخلق فرص عمل جديدة للشباب.

– ” الانفتاح نحو العالم” وذلك بالبدء باستحداث تسهيلات واجراءات جديدة تخدم سلسلة التوريدات -” الموردون الفلسطينون” – وذلك لخدمة التجارة الخارجية، وايضا تسهيلات واجراءات ميسرة للمشاريع الصغيرة من اجراءات تسجيل الى اجراءات عملية تخدم دوران الاقتصاد والعمل على تعزيز العناقيد الاقتصادية والزراعية بما فيها العمل على فتح اسواق عالمية للمنتجات الصناعية والزراعية الفلسطينية .

– تمويل الرياديين والافكار الجديدة: تبدأ السلسة من سلطة النقد الفلسطينية بالعمل على تغيير في منهجية التفكير التقليدي والاتجاه نحو تشجيع الاستثمار ضمن الاقتراحات التالية:

اولا: تخفيض نسبة الفوائد للودائع الموجودة لدي البنوك المحلية والعربية العاملة بفلسطين ، مما يجعل المستثمر الفلسطيني أكثر رغبة بالاستثمار عن إبقاء الاموال في البنوك المحلية والاعتماد على الفوائد المحصلة سنويا، والتي تعتبر نسبة مرتفعة عن العائد على الاستثمارات الاخرى.

ثانيا: تخفيض نسبة الفوائد على القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة لتصبح 1% فقط لا غير .

ثالثا: تمويل المدخلات الزراعية والصناعية والتجارية بقروض مسهلة وبسقف تمويلي يتناسب مع طبيعة المنشأة الاقتصادية، بالاضافة الى إعطاء قروض للمصدرين .

رابعا: وقف القروض الشخصية واستثناء القروض الطبية “العلاجية” وأقساط التعليم، والرياديين ممن لديهم أفكار ريادية تخدم القطاع الصناعي والزراعة بفلسطين .

خامسا: العمل على التوقف الفوري عن عمولة الشيكات المرتجعة، مع المحافظة على التصنيف ضمن سياسة التصنيفات للشيكات المرتجعة.

سادسا: إعطاء خدمة تفضيلية للشباب “ذكورا واناثا” من خريجين وخريجات الجامعات للحصول على قروض ميسرة قد تصل الى 30 الف شيكل لكل فرد وذلك للقيام بنشاط تجاري على شرط إثبات القيام بتسجيل منشأة تجارية او خدماتية او صناعية.

البنيه التحتية التكنولوجية :

” فلسطين تكنولوجية “، يتجه العالم نحو الحلول التكنولوجية في كافة مناحى الاقتصاد ـ ويسخر العالم كل إمكانياته لنقل متطلبات الحياة من الحياة “التقليدية” الى الحياة “الرقمية”. ان الايدي والعقول العاملة لإحداث التغيير متوفرة وبكثرة في فلسطين، والمطلوب العمل على تطوير البنية التحتية وإنشاء سياسيات حكومية “وليس مبادرات” واضحة تشجع الابتكار والابداع بما يخدم الاقتصاد ، والعمل من خلال وزارتي الاقتصاد والخارجية على استحداث نافذة سياسات تشجع المستثمرين الفلسطينيين بالخارج ومن الداخل الفلسطيني بالاستثمار في فلسطين، والعمل على تطوير قاعدة الاحتضان الوطني للتميز ، تصدير المنتجات الفلسطينية تحت اسم وشعار ورقم فلسطيني –لخلق هوية فلسطينية مستقلة-

نحن نستطيع بناء اقتصادنا، فلنخلق بيئة وطنية اقتصادية حرة ، ولنجعل الوطن ارضا خضراء خصبة ، لكي تنبت فيها شجرة مثمرة معطاءة.

*مستشار اقتصادي دولى – وشريك إقليمي وممثل لصندوق المبادرات- فاستر كابتل – بدبي

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …