لا عزاء للشعب اللبناني..

بقلم: سهيل كيوان

تضاعفت آلام الشعب اللبناني، فوق آلامه المزمنة التي عانى ويعاني منها.

وإذا كانت الانتفاضة الأخيرة للبنانيين، قد انطلقت في تشرين الأول الماضي بسبب الفقر والبطالة وهبوط القيمة الشرائية لليرة وعمولة شركات الاتصالات المرتفعة، فإن المستقبل يحمل ما هو أشد وطأة على الناس من الفقر والعوَز، إنه اليأس.

رئيس الجمهورية، الجنرال ميشال عون، طالب الدول التي أعلنت عن استعدادها للدعم، بالإسراع في توصيل المعونات، ولكن ماذا تفيد المساعدات الأجنبية بالنسبة لشعب مسحوق من داخله؟ ألم تكن قبل هذا مساعدات وإعانات من مختلف الداعمين لهذه الجهة الموالية أو تلك؟ من السعودية والإمارات وإيران وفرنسا وأميركا وقطر والكويت ومن كل العالم؟ فماذا وصل من هذه المعونات إلى الشعب اللبناني؟ وكيف صُرفت وكيف انعكست على مستوى معيشة الناس؟

قيل الكثير في بيروت، من شعرٍ ونثرٍ، أشهره قصائد محمود درويش ونزار قباني، الأول رأى فيها “نجمتنا الأخيرة”، والثاني رأى أننا نقتلها غيرةً من جمالها، وطلب أن تسامحنا، ولكن في الحقيقة أن بيروت متعفّنة من داخلها، ولا تختلف في جوهرها عن العواصم العربية الأخرى وأنظمتها الفاسدة، إلا أن فسادها أخطر، ويتطلب علاجًا أكثر صعوبة، لأنه مركّبٌ بصورة طائفية، فمحاربة الفساد صارت أكثر صعوبة بسبب التشابك بين الانتماء الطائفي والسلطة، ومعادلة “اسكت عنّي كي أسكت عنك”، ولا تحارب مصالحي كي لا أحارب مصالحك، وأنا وأنت معًا في نفس المركب، فنتصدى لمن يعارضنا.

بيروت التي رأى فيها المثقفون العرب في زمن ما، مصدرًا للأمل والثقافة والانفتاح والثورة، ما لبثت أن انقلبت أو انقلب الممسكون بخناقها، ليضعوها في صف واحد مع مدن الفساد والقمع، حتى صارت مثل غيرها وتفوّقت بسبب تركيبتها الطائفية.

المصيبة الكبرى ليست في أعداد الضحايا، ولا في أعداد المشرّدين، فقد وقع ضحايا في بيروت أكثر من هذا بكثير، ودول كثيرة تعرضت لمثل هذه الكوارث، سواء من الطبيعة أو الحروب، ولكن الشعوب تتحد وتزداد قوة وتلتحم مع قيادتها، عندما تدرك صدق القيادة، حتى وإن ضَعُفت أو أخطأت في تقديراتها.

المصيبة هي في نظام يطالب بمحاسبة المسؤولين، وكأنه ليس مسؤولا عن أمن الناس وسلامتهم، وكأن تخزين هذه الكميات من مادة قاتلة في مكان مأهول، هو أمر مشروع ومسلّم به، طبعا لأنه تابع لإحدى الجهات الحاكمة أو لأكثر من جهة.

لا شك أن هذا الحادث سوف يُستغل للتحريض، وخصوصًا ضد حزب الله من قبل إسرائيل التي تسعى لدق الأسافين بين كل خصومها، ولكن حزب الله نفسه أسهم في تنفير حاضنته الشعبية، بعدما أصبح جزءا من السلطة وفسادها وتقاسُم كعكتها، وبعدما أطلق شبّانه ليسهم بشكل حاسم في قمع انتفاضة اللبنانيين الأخيرة، مستكملا بهذا إسهامه في قمع ثورة الشعب السوري إلى جانب النظام، لتكتمل صورته الرجعية المرتبطة بقوى القمع والسلطة.

سيحاول النظام العثور على كبش فداء، مثل موظف مهمل أو حدث غير متوقع، مثل تماس كهربائي، بل وقد يعثروا على ما يثبت بأن وراء الحادث يد عميل لجهة خارجية، ولكن مَن هو المسؤول عن منح عميل ما فرصة وقدرة على إحداث كل هذا الدمار سوى الإهمال والفوضى التي تعتبر أكبر العملاء والأعداء.

سوف يخاطب المسؤولون روح المسؤولية كما فعل رئيس الحكومة، حسّان دياب، الذي طالب وسائل الإعلام بأن توحِّد لا أن تفرّق، وقال إنه وقت الوحدة والعمل! لكن الشعب يعرف أن الإهمال والجشع والاستهتار بأرواح الناس، يبدأ من رأس الهرم، وليس من القاعدة التي قدّمت في تاريخها الكثير لأجل لبنان أفضل، لكنه بات بأيدٍ غير أمينة على أبنائه، من يطالب بالوحدة وقت الشدائد، كان عليه أن يُجري تغييرات جذرية في النهج كله، وأن يستجيب لانتفاضة الشعب الأخيرة، لا أن يقمعه.

ما حدث، سوف يمنح الانتفاضة الشعبية اللبنانية زخمًا جديدًا، ولكنها انتفاضة يأس، وفقدان أمل من قدرة هذه السلطة على التغيير وإصلاح نفسها.

لا عزاء للشعب اللبناني، إلا بتغيير جذري في أسلوب الحكم في لبنان، وهذا أيضا لن يحدث، ما لم ينجح التغيير في المحيط العربي كله، وتتحول المنطقة كلها إلى أنظمة ديمقراطية حقيقية، تبعث الأمن والأمان لكل المواطنين، وتتيح للجميع المساواة في الحقوق والواجبات والفُرص، في كل مجالات الحياة، ويكون قرار الشعوب بيدها، وليس بأيدي الطغم الفاشية الحاكمة.

عن “عرب ٤٨”

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …