درس ياباني آخَر في الحُكم والمنافسة

بقلم: محمد خروب

في وقت تعصف فيه الأزمات بعالمنا المُسمى «حتى الآن».. عربياً، وفي وقت تتصدّع فيه أحزابنا على مختلف ايديولوجياتها ومرجعياتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية, إن كان ثمّة فيها من يُعنى باهتمامات كهذه أو يعرف عنها شيئاً, بقدر اهتمامه بمصالحه الشخصية ومكانته الاجتماعية, وقدرته على «التسلّل» إلى صفوف النخب السياسية والاجتماعية, وخصوصاً المالية وتلك العاملة بنشاط في «البزنس» بمختلف تلاوينه وانشغالاته، ناهيك عمَّا يحفل به مشهدنا العربي السياسي.. حملت إلينا الأنباء القادمة من شرق آسيا «خبراً» يتحدث عن انتخاب يوشيهيدي سوغا رئيساً لوزراء اليابان, خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل وليس المُقال شينزو آبي.



صعد «سوغا» وفق أسس وقواعد ديمقراطية أصيلة, لا يرعبها صوت عالٍ أو مرجع محصّن, بل«آليات» يحترمها الجميع ويحتكم إليها, مهما اشتدت المُنافسة أو انقسم الحزب الحاكم إلى معسكرين أو أكثر, لا تلبث الأمورالعودة إلى «عاديتها», فيما الشعب هو الحكَم وصاحب القرار.



شينزو آبي، استقال طواعية وقال للشعب الياباني:«إنه يعتذر من «صميم قلبه» للمواطنين لِـ”عجزه” عن أداء مهام منصبه».. ولم ينسَ الرجل تذكير الجميع بأنه «ليس من شأنه تحديد مَنْ سيخلِفه».. وفي مؤتمر صحفي لإعلان «تنحّيه» الطوعي عن موقعه قال: لا يمكنني أن أكون رئيساً للوزراء، إذا لم أستطع اتخاذ أفضل القرارات للشعب..لهذا – أضاف آبي: قرَّرت التنحّي عن منصبي».



صحيح أن مؤشر نيكي (البورصة اليابانية) هبط سريعاً بعد قرار آبي, الذي سجَّل لنفسه كأطول رئيس وزراء في تاريخ بلاده بقاء متواصلاً في الحكم (منذ العام 2012), إلا أنه صحيح أيضا أن الرجل لم يضطّر للتنحي تحت ضغط الشارع أو بسبب الفشل في أداء وظيفته, أو على وقع شبهة فساد وفاحت روائحها في أروقة المحاكم ووسائل الإعلام, بل «مرَض» التهاب القولون المُزمن المُبتلى.

ورغم أنه لم يتبق سوى عام على إنتهاء ولايته (أيلول 2021), إلا أنه فضّل الخروج مفسحاً المجال لشخصية أخرى, يُقرِّر الحزب الحاكم مَن هي تاركاً للبرلمان منحها الثقة او حجبها عنها.. وقد تمّ هذا ووصل إلى نهايته (الديمقراطية) بسلاسة وهدوء, وليس بديموقراطية مُدّعاة أو عبر لعبة تحايل على الطريقة العربية.



تتقدم الآن شخصية لم تأتِ من النُخبة السياسية المعروفة التي حكَمتْ اليابان طوال عقود’الرئيس الجديد ابن مزارع «فراولة» صعد تدريجياً في صفوف الحزب «الليبرالي الديمقراطي», إلى أن أصبح كبير أمناء مجلس الوزراء.



إنه يوشيهيدي سوغا، الذي سيعرفه العالم بدءاً من اليوم، فيما سيذهب شينزو آبي إلى منزله مُطمئناً لا تلاحقه الشائعات ولا يتهرّب من مسؤولية قرارات اتخذها وخصوصاً أنه لا يدّعي لنفسه بطولات زائفة, بعد أن حظي بدعم شعبي (هو وحزبه) وبقي كل هذه المدة.



بالتأكيد أصاب وأخطأ, لكنه لم يأتِ على ظهر دبابة أو جاء به وأجلسوه على المقعد الأول, وتولّوا بعد ذلك توفير الحماية الشخصية له, قبل ان «يركلوه» لاحقاً، سواء لانتهاء دوره ام لأنه بات عبئا عليهم
!

عن “الرأي” الأردنية

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …