الزمن الترامبي.. 94 كتابًا في ستة أشهر

بقلم: سمير مرقس

لفت نظري عند مراجعتي للحصاد الفكري لسنة الغلق الفيروسية (2020) هذا الكم الهائل من الكتب التي تناولت الزمن ال ترامب ي، خاصة في الشهور الستة التي سبقت إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة الشهر الماضي. وهي ظاهرة غير مسبوقة لم يحظ بها أي رئيس أمريكي سابق…استطعت أن أحصل على 94 كتابا من هذه الإصدارات بالفعل…فما دلالة هذه الظاهرة؟

بداية نشير إلى أن ظاهرة كتب الرؤساء سواء التي يكتبونها بأنفسهم أو بمساعدة أحد من جهة، أو التي تكتب عنهم من جهة أخرى، هي ظاهرة معتادة في الولايات المتحدة تاريخيا. وتعتبر من التقاليد الحميدة التي تتسم بها الحياة السياسية الأمريكية. ذلك لأنها تمثل توثيقا مهما لكل ما يجري من أحداث ووقائع، ويتخذ من قرارات وإجراءات داخل وخارج الولايات المتحدة …ما يتيح تقييم حصاد الفترات الرئاسية المتعاقبة الأكاديمية والصحافة والمؤسسات الرسمية الأمريكية المتنوعة. وهكذا تتشكل ذاكرة الولايات المتحدة وتظل حاضرة دوما يمكن استدعاؤها عند الحاجة أو إذا ما تطلب إعادة دراسة أى موضوع أو ملف مما تضمنتها هذه الإصدارات لأي سبب من الأسباب.

وجرى العرف أن تصدر مجموعة من الكتب التعريفية حول الرئيس إبان فترة السباق الرئاسي. ومع نهاية الفترة الرئاسية يبدأ بإيقاع تدريجي صدور كتب تتناول أهم القضايا والإشكاليات التي أثيرت خلال الفترة الرئاسية…تقل الإصدارات إذا ما تم ترشح الرئيس لفترة رئاسة ثانية ثم يعاود إيقاع النشر في التزايد مرة أخرى بنهايتها…وإذا ما طبقنا ما سبق على باراك أوباما كمثال ــ باعتباره الرئيس السابق على ترامب ــ سوف نجد أن مجمل ما صدر عنه يقارب الـ 300 إصدار على مدى عشرة أعوام. بدأت بعدد قليل من الكتب بقلم أوباما…ثم توالت الكتب بنفس التتابع الذي أشرنا إليه…إضافة إلى 14 كتابا عن زوجته ميشيل أوباما.

أما في حالة ترامب فسوف نجد أن انتخابه قد استنفر النخبة الأمريكية من: مفكرين، وكتاب، ومثقفين، وصحفيين، وأكاديميين، وسياسيين، وفنانين،…،إلخ، بشكل ملحوظ كان من نتاجه في الفترة من 2017 إلى 2020 أكثر من 150 كتابًا وهي 10 كتب في 2017، 20 كتابا في 2018، 28 كتابا في 2018، 94 كتابا في 2020 أكثر من نصفها صدر في الشهور الثلاثة التي سبقت السباق الرئاسي الذي جرى الشهر الماضي.

(نشير إلى أن هذا الحصر هو جهد قمنا به وربما تكون هناك إصدارات أخرى فاتتنا لكن ستكون قليلة جدا ولن تخل بالفكرة التي نحاول أن نطرحها)… تعكس القراءة السريعة للأرقام اهتماما ب ترامب يفوق أوباما… إلا أن القراءة المتأنية لعناوين الكتب والموضوعات التي تناولتها تشير إلى مسألة غاية في الأهمية تميز بين الرجلين/الإدارتين… فما هي؟

معظم الكتب التي تناولت الرئيس أوباما وفترتيه الرئاسيتين تعاطت مع إشكاليات وقضايا تتعلق بعشرة جوانب هي:

أولا: عقيدة السياسة الخارجية التي تم اتباعها خلال الفترة من 2008 إلى 2016 وتحولاتها عبر القارات وما واجهها من تحديات كوكبية.

ثانيًا: أزمة النظام الاقتصادي العالمي وطبيعته وكيفية معالجته وتطوير مؤسساته إتمام مصالحات تاريخية.

ثالثًا: مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية الأسوأ ودراسة ملابساتها ومحاولة التأسيس لواقع اقتصادي جديد فيما بات يُعرف في أدبيات هذه الفترة بالصفقة الجديدة الجديدة ــ وكيفية تمويلها ــ أسوة بما جرى في ثلاثينيات القرن الماضي وقت أزمة الكساد الكبير، أخذا في الاعتبار المستجدات التي طرأت على المنظومة العالمية.

رابعًا: العمل على وضع إصلاحات حقيقية لنظامي التعليم والصحة، خاصة للطبقات والشرائح الوسطى والدنيا. فيما عُرف بالدواء المر الذي تأخر تعاطيه لعقود.

خامسًا: دراسة وجوه القوة الأوبامية مقارنة بعناصر القوة لدى الرؤساء الأمريكيين الكبار.

سادسًا: تحليل مضمون الخطاب الديمقراطي ومدى تطوره من كينيدي إلى أوباما.

سابعًا: فتح نقاش جاد حول كيفية رأب الصدع العرقي والطبقي في الولايات المتحدة .

ثامنا: تقييم العملية الديمقراطية ودور المجتمع المدني وأداء المؤسسات الرسمية والعلاقة بينها في فترة رئاستي أوباما.

تاسعًا: إعادة الاعتبار للاهتمام الفكري والأكاديمي بالطبقة الوسطى الأمريكية.

عاشرًا: دراسة كيفية عمل إدارة أوباما من خلال العمل الجماعي بحسب ما تكرر في أكثر من كتاب…بالطبع لا تسمح المساحة بعرض عناوين الكتب إلا أنها كتب جديرة بالقراءة والبحث. هذا لا يعني أنه لم توجد كتب تنقد رئاسة أوباما إلا أنها كانت تلتزم بالموضوعية والتعاطي مع الإشكالية لا الشخص، ونشير هنا إلى الصحفي الأشهر بوب وودوارد في كيف تناول أوباما في كتابه: حروب أوباما مقارنة بتناوله ل ترامب في كتابيه: خوف ــ 2018 وغضب ــ 2020.

على النقيض تماما، وهو ما لفت نظر ــ ليس فقط كاتب هذه السطور ــ عدد كبير ممن يقومون بمراجعة إصدارات العام بأن الإصدارات التي تناولت ترامب قد ركزت على 7 جوانب هي: أولًا: شخصية الرجل ذهنيا ونفسيا وسلوكيا. ثانيًا: مدى ما أحدثه من ارتباك في عمل المؤسسات الأمريكية العتيدة والتداعيات التي ترتبت على ذلك. ثالثًا: حدة الخصومة بينه وبين الإعلام. رابعًا: الجانب الخفي في حياته المهنية والرئاسية وما تضمنته من أسرار فجة. خامسًا: تخصيص دراسات خاصة لسجالات التويتر التي أعطاها اهتمامًا بالغًا. سادسًا: رصد ما أطلق عليه ــ مؤخرًا ــ محاولات التفكيك المؤسسي. سابعًا: التشوش الذي لحق بعقيدة السياسة الخارجية لإدارته وتداعيات ذلك على أمريكا على المدى القصير والمتوسط والطويل…

وظنيأن الإصدارات لن تتوقف… فأثناء كتابة المقال صدر مجلد يتجاوز الـ400 صفحة يضم 15 دراسة تنتقد سياسات الزمن الترامبي.

عن “بوابة الاهرام”

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …