الفلسطينيون في 2021.. عام تصويب المسار وإزالة الغموض

بقلم: العميد أحمد عيسى*

دخل الفلسطينيون العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين وهم لا يزالون منقسمين وغير موحدين، علاوة على أن النظام العربي الرسمي الذي لطالما اعتبره الفلسطينيون عمقهم الاستراتيجي أصبح أكثر قرباً من إسرائيل وأكثر بعداً عنهم وعن نصرة قضيتهم، كما أن القوة الأعظم في العالم (أمريكا الجمهورية والديمقراطية)، التي راهن الفلسطينيون على أن تنصفهم هذه المرة وهي تعيد بناء النظام الدولي من جديد، أصبحت أكثر انحيازاً نحو حسم صناعة إسرائيل في المنطقة أكثر من انحيازها لحق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

وفوق ذلك كله يدخل الفلسطينيون العام الجديد والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية (الضم الصامت) يصل إلى نقطة غير مسبوقة خلال العقود الثلاثة الماضية، وكذلك الحال في مصادرة الأرض والممتلكات وهدم البيوت والمنشآت الخاصة، عدا حالات القتل والاعتقال.

وعلى الرغم من كل ذلك، يبدأ الفلسطينيون العام الجديد 2021، ولا يزال أُفقهم الاستراتيجي غامضاً وغير واضح، وفقاً لمجادلة (الخالدي وآغا) في كتابهما (إطار عام لعقيدة أمن قومي فلسطيني) المنشور العام 2006، إذ لم تتحول السلطة الفلسطينية التي تأسست إثر اتفاقات أوسلو قبل ثلاثة عقود إلى دولة مستقلة كاملة السيادة على الجزء من فلسطين الانتدابية الذي احتلته إسرائيل العام 1967 وحسب، بل أصبحت سلطة بلا سلطة طبقاً لقول المرحوم الدكتور صائب عريقات، وفي الوقت نفسه لا يمكن اعتبارها حركة تحرر وطني بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهي منخرطة في مواجهات دامية مع الاحتلال الإسرائيلي تارة، وملتزمة بقواعد التفاوض معها تارةً أُخرى دون أن يبدو في الأفق أن الدولة المنشودة أصبحت في متناول اليد.

وحول الدولة المستقلة أو تثبيت الهوية الوطنية، كان الفلسطينيون قد انخرطوا من خلال منظمة التحرير الفلسطينية في مسيرة التسوية السياسية للصراع، التي كان أول استحقاقاتها تحوُّل المنظمة العام 1988 من حركة تحرر وطني إلى حركة بناء الدولة وتجسيد الهوية الوطنية، مراهنين في ذلك وفقاً لقول الشاعر محمود درويش في نص وثيقة الاستقلال الوطني على أن العالم المعاصر لن يستثنيهم هذه المرة من المصير العام وهو يصوغ نظام قيمه الجديدة، كما استثناهم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1948 وصنع إسرائيل في المنطقة على حساب حقوقهم وممتلكاتهم في فلسطين.

أما حول البقاء في مربع التحرر الوطني، فقد رأى المفكر الفلسطيني الراحل حسين أبو النمل أن انطلاقة حركة حماس العام 1987، وتمسكها بهدف تحرير فلسطين من النهر إلى البحر من خلال الكفاح المسلح، دليل على أن الشعب الفلسطيني قادر على تجديد نفسه وبعث حركته التحررية من جديد، إلا أنه عاد وأكد قبل وفاته أنّ “حماس” قد فقدت حقها بالتميز عن الآخرين برفعها شعار تحرير فلسطين بعد انخراطها بالسلطة الفلسطينية العام 2006 وإعلانها القدرة على التوليف بين السلطة والثورة، الأمر الذي انتهى إلى غلبة السلطة على الثورة، ما وضع كل المكونات السياسية الفلسطينية أمام الأسئلة التالية: من نحن؟ هل نحن التحرير أم التسوية؟ هل نحن سلطة أم ثورة؟

ومع ولوج الفلسطينيين العقد الثالث من القرن الجاري، يبدو أن الإجابة عن الأسئلة المثارة في الفقرة السابقة قد تُركت للأجيال القادمة، الأمر الذي يزيد من ثقل حملهم، ويجعل أُفقهم الاستراتيجي أكثر غموضاً، لا سيما أنّ الجيل الحالي لم ينجح في معالجة الملفات التي حملها العام المنصرم 2020، إذ لم يتمكن من إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة والشراكة التي غابت عن المشهد الفلسطيني منذ ثلاثة عشر عاماً متواصلة، كما أنه لم يتمكن من استصدار ما يلزم من قرارات، سواء من جامعة الدول العربية، أم من منظمة العالم الإسلامي، تمنع تطبيع إسرائيل علاقاتها وتحالفها مع أربع دول عربية، أو تشترط قيام الدولة الفلسطينية المستقلة مقابل التطبيع، ما أضعف من وضع الفلسطينيين الاستراتيجي مقابل تعزيز وضع إسرائيل، علاوةً على عدم نجاح الدبلوماسية الفلسطينية في دفع المجتمع الدولي لوقف مخطط الاستيطان أو الضم الصامت للمناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وشرقيّ القدس.

صحيح أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن تتبنى مقاربة مختلفة عن مقاربة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط، لا سيما في معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ أعلنت تمسكها بالحل التفاوضي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يُفضي الى حل الدولتين، وترفض الاستيطان والضم، الأمر الذي قد يُسفر عن تجدد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين إذا نجحت إدارة بايدن بالتغلُّب على العقبات التي أنتجتها إدارة ترامب أمام تنفيذ مقاربة الإدارة الجديدة. وعلى الرغم من ذلك، يخطئ الفلسطينيون أيما خطأ إذا اكتفوا بالمراهنة على الإدارة الجديدة، ولم يخصصوا جزءاً من جهدهم ومواردهم لمعالجة الملفات التي لم يتمكنوا من معالجتها في العام المنصرم، لا سيما الملفات المتفرعة عن الأسئلة المشار إليها سابقاً، خاصةً أنّ إدارة بايدن لن تكون قادرة على فرض رؤيتها على المجتمع الإسرائيلي الذي ينزاح أكثر نحو اليمين الذي بات يؤمن أن الظروف التي يعيشها الفلسطينيون والعرب تسمح له بحسم صناعة وجوده في المنطقة، وإكمال ما لم تتمكن الحركة الصهيونية من إكماله العام 1948.

وحول الملفات التي يتوجب معالجتها في العام الجاري، فالشعب الفلسطيني يدرك أن هناك جملة من الملفات إلى جانب الملفات المشار إليها سابقاً، يتوجب الشروع بمعالجتها فوراً، مثل مواجهة جائحة كورونا ومعالجة تداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية، علاوةً على ملفات البطالة والفقر ومكافحة الفساد والرشوة والمحسوبية والادعاء، فضلاً عن ملف الانتخابات، أي تجديد شرعية النظام، لا سيما السلطة التشريعية، لا لسن التشريعات والقوانين وحسب، وإنما أيضاً لمراقبة عمل السلطة التنفيذية البعيد عن المراقبة منذ أكثر من عقد.

وفي الختام، قد يلاحظ القارئ أن الموضوعية تستدعي الإشارة إلى نقاط القوة التي يملكها الشعب الفلسطيني بالتوازي مع توضيح نقاط الضعف، الأمر الذي لم تتطرق إليه هذه المقالة، واكتفت بإلقاء الضوء على نقاط الضعف، إذ لا يمكن إزالة الغموض عن الأُفق الاستراتيجي للفلسطينيين دون معالجة نقاط الضعف التي يواجهها، لا سيما أن كثيراً من المقالات والأوراق السابقة قد تطرقت إلى نقاط القوة.

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …