بلينكن.. والواقعية السياسية

بقلم: الدكتور ناجي شرّاب*

لو شيانج خبير الشؤون الأمريكية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية يصف أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، بأنه «ليس من النوع الكارزمي، ولا الاستفزازي، لكنه من النوع البراغماتي». ويصف بلينكن نفسه بأنه «عازف غيتار هاو»، وهو الوزير رقم 71 الذي يتولى أهم وزارة خارجية في العالم، ويدير دبلوماسية أكبر دوله في العالم.

ويرى البعض أنه قد يكون الأقوى كوزير خارجية لقربه من الرئيس جو بايدن مما سيسمح له ببلورة السياسة الخارجية الأمريكية حسب رؤيته وتصوراته. لذلك فمنصب وزير الخارجية لا يقل في أهميته ومكانته عن مكانة الرئيس نفسه، فكل العيون تتجه نحو تصريحاته التي تحدد معالم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العديد من القضايا الكونية.

من هنا اختيار بلينكن لهذا المنصب؛ إذ إنه يأتي بعد أهم وأخطر مرحله مرت بها السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة ترامب، وبعد تولي بومبيو الذي ترك عبئاً داخل وزارة الخارجية الأمريكية، قد يصعب على بلينكن مواجهته في فترة زمنية قصيرة.

وبلينكن يبلغ من العمر 58 عاماً لأبوين يهوديين، وجده الأكبر مئير بلينكن المولود في كييف إبان الإمبراطورية الروسية، وتلقى تعليماً دينياً نموذجياً، وعمل بالفن وله أغنيتان، ومارس الفن في فرقة للجاز لذلك وصف نفسه بعازف كغيتار هاو، وهو ابن العولمة الأمريكية.

تلقى تعليمه في أرقى الجامعات الأمريكية وحاصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا، ويجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وهذه تعطيه مؤهلات كبيرة. وعمل في السلك الدبلوماسي في إدارة الرئيس كلينتون كمدير للشؤون الأوروبية والكندية، وعين مديراً للموظفين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، ومن عام 2009 إلى 2013 كنائب مساعد للرئيس أوباما، وتولى منصب نائب مستشار الأمن القومى من 2013 إلى 2015.

وشارك في الفريق الانتقالي للرئيس أوباما، وفي حملة الرئيس بايدن. هذه العوامل لا شك تقف وراء رؤيته للسياسة الخارجية الأمريكية وللدور الأمريكي. وقد تبلورت هذه الرؤية في أكثر من لقاء صحفي له، وفي شهادته أمام مجلس الشيوخ.

التحديات كثيرة التي تواجه بلينكن وليست متعلقه فقط بالرؤية السياسية؛ بل بإعادة هيكلة وزارة الخارجية بعد تركة ثقيلة ورثها عن وزير الخارجية السابق بومبيو الذي أدت إلى هجرة أكثر من مئة دبلوماسي أمريكي، وكما قال أحد المسؤولين في الخارجية: «نحن سعداء بوصول بلينكن للخارجية»، والكل مسرور لأنهم يملكون وجهاً مختلفاً عن صورة بومبيو.

إنه مؤيد للتعاون متعدد الأطراف في إطار المنظمات الدولية وتعزيز الديمقراطية في العالم. وقد انتقد انعزالية ترامب ومنهاجه الأحادي. وقد بلور رؤيته في شهادته أمام مجلس الشيوخ بقوله: «عندما لا تشارك الولايات المتحدة يحدث أن تحاول بعض البلدان الأخرى أخذ مكاننا والقيادة بطريقة لا تخدم مصالحنا وقيمنا». وأضاف: «إن الولايات المتحدة ستضطر إلى إعادة التحالفات لمعالجة الركود»، ويقول إن مهمته «استعادة دور أمريكا العالمي، وذلك يتم من خلال التعاون مع حلفائها، واستعادة الثقة».. وفي رؤيته لكيفية التعامل مع العديد من الملفات وأبرزها النووي الإيراني تعهد بالعودة للاتفاق إذا وفت إيران بالتزاماتها، لكنه حذر من أن ذلك لن يحدث بسرعة، وهو مع اتفاق أطول زمنياً ومشاركة أوسع.

أما رؤيته للتعامل مع الصين فتجمع بين التشدد والمرونة وخصوصاً في العلاقات التجارية والتعاون في مجال الأوبئة. أما رؤيته لروسيا فيرى فيها خصماً وشريكاً. فهو يدعم العقوبات لسياسة روسيا الأوكرانية ويطالبها بالتعاون في الملف النووي الإيراني. وأن أي مواجهة سياسية ستكون محفوفة بالمخاطر. أما بالنسبة لرؤيته للشرق الأوسط، فتأتي إسرائيل على قمة اهتمامه وأن «أمنها أولوية»، ولا رجوع عن قرارات ترامب بالنسبة للقدس، ويدعم حل الدولتين، ودعا كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى عدم اتخاذ خطوات أحادية تعيق هذا الحل، وسيكون أكثر انفتاحاً في استعادة العلاقات مع الفلسطينيين بإعادة المساعدات وفتح مكتب المنظمة. يدعم العلاقات الأمنية مع السعودية باعتبارها حليفاً وشريكاً استراتيجياً كما جاء في مكالمته الهاتفية مع وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، كما يدعم الحل السياسي في اليمن.

ويبقى في النهاية كيف يمكن إقناع العالم بالدور الأمريكي في عالم لحقته الكثير من تغيرات القوة الإقليمية والدولية، فإدارته تأتي في ظل بيئة سياسية أكثر تعقيداً داخلياً وخارجياً؟

*استاذ علوم سياسية – غزة

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …