فعالية الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لوقف الضم والاستيطان وهدم المنازل

بقلم: المحامي علي أبو هلال*

في مبادرة لوقف سياسة دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، العدوانية والمخالفة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، دعا أعضاء في الكونغرس الأميركي، الأسبوع الماضي إدارة الرئيس جو بايدن، لإدانة سياسة هدم المنازل التي تنتهجها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس، وطالبوا وزارة الخارجية الأميركية ببدء تحقيق في إمكانية استخدام إسرائيل لمعدات أميركية في عمليات الهدم، وتقرير ما إذا تم استخدام هذه المعدات بصورة مخالفة لقانون “مراقبة تصدير الأسلحة”، أو أية اتفاقيات أميركية إسرائيلية، بشأن المستخدم النهائي.

وأعرب أعضاء الكونغرس عن قلقهم من تخلي إسرائيل من التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة بشأن توفير إجراءات السلامة الصحية للمواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وذكّروا برسائل سابقة بعثوها إلى وزارة الخارجية الاميركية للاحتجاج على دعم إدارة ترمب لنية إسرائيل ضم أراض فلسطينية بشكل احادي الجانب، معربين عن ارتياحهم لوقوف إدارة الرئيس بايدن ضد أية عمليات ضم إسرائيلية أحادية الجانب. ودعا أعضاء الكونغرس في رسالتهم، إدارة الرئيس بايدن، لإلغاء خطة ترمب “السلام من اجل الازدهار” بشكل رسمي، والتي تعطي إسرائيل الضوء الاخضر لضم 30% من مساحة الضفة الغربية خارج إطار المفاوضات، وأكدوا على ضرورة إزالة هذه الخطة عن الطاولة وإيصال رسالة واضحة للفلسطينيين والإسرائيليين بأنها لن تكون الأساس لأية خطة مستقبلية مدعومة أميركيا. ووقع على الرسالة: رشيدة طليب، أندريه كارسون، مارك بوكان، بول جرولفا، هينري هانك جونسون، بيتي ماكولن، جيمس ماكجوفرين، ماري نيومان، اليكساندرا اوكاسيو كورتيز، الهان عمر، تشيلي بينغري، ايانا بريسلي.

ويأتي هذا التحرك استمرارا لجهود سابقة لأعضاء الكونغرس الأمريكي في هذا الاتجاه، حيث أرسل 199 عضواً ديمقراطياً في شهر تموز الماضي رسالة لكل من نتنياهو وغانتس ووزير الخارجية الإسرائيلي أشكنازي طالبوا فيها بوقف الضم، لأنه يضر بمصلحة إسرائيل، وسيبدد حل الدولتين. كما سبق ذلك قيام 76 عضوا من الحزب الديموقراطي في الكونغرس الأمريكي، بإرسال رسالة إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يطالبوه فيها بإلغاء عمليات هدم المنازل في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، وخاصة قرية سوسيا في تلال الخليل الجنوبية، وقد وقع الرسالة عدد كبير من أعضاء الكونغرس يفوق عدد الأعضاء الذين وقعوا طلبات مماثلة في الماضي.

وفي شهر شباط الماضي طالبت 6 منظمات يهودية أمريكية إدارة الرئيس جو بايدن، بالتراجع عن قرار الإدارة السابقة بوسم منتجات المستوطنات على أنها “صنعت في إسرائيل”. وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد سمحت نهاية العام الماضي، بوسم بضائع المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها (صُنعت في إسرائيل)”. وفي حينه، وجه الفلسطينيون انتقادات حادة للقرار، واعتبروه ضوءا أخضر لضم إسرائيل المنطقة “ج” التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.

مبادرة أعضاء الكونغرس الأخيرة تأتي في ظل ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن في حملته الانتخابية الرئاسية، إن “على إسرائيل التوقف عن توسيع المستوطنات في الضفة الغربيّة، ووقف الحديث عن الضمّ والسعي للنهوض بحل الدولتين”، مؤكدا أنه “أوضح موقفه هذا أمام الإسرائيليين”. وأضاف: “إن الضم اليوم ليس على الطاولة موضحًا أنه سيعارض الضم إذا فاز بالرئاسة، وسيجدد الحوار مع الفلسطينيين، ويعيد الدعم المادي مع الأخذ بالحسبان القانون الأميركي، وسيفتتح مجددا قنصلية بلاده شرقي القدس”. وجدد بايدن تأكيده على أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لضمان حق الفلسطينيين بدولتهم من جهة، ولأمن “إسرائيل” على المستوى البعيد من جهة أخرى، مشيرًا إلى أن خصمه في الانتخابات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب، زعزع قضية تقرير المصير للفلسطينيين، ويعمل على تقويض الأمل بحل الدولتين.

كما جدد الرئيس بادين هذه المواقف بعد فوزه بالانتخابات وتوليه رسميا رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يجعله ملزما أمام ناخبيه وكرئيس للولايات المتحدة بتنفيذ هذه المواقف.

ووفقاً للسياسات الأمريكية الجديدة ستستأنف الولايات المتحدة مساعداتها للفلسطينيين وستعيد فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والقنصلية في القدس، كما ستعارض إدارة بايدن ضم الأراضي وبناء المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين من قِبل إسرائيل، كما أن الولايات المتحدة ملتزمة بحل الدولتين الذي يتم التوصل إليه من خلال التفاوض.

إن التزام الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن بهذه السياسة يتطلب منها التراجع عن عدد من الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب والتي قوضت العلاقات الأمريكية الفلسطينية. وان كان من الصعب على الولايات المتحدة إعادة سفارتها إلى تل أبيب كما هو واضح حتى الآن، إلا أنه يجب على واشنطن أن تدعم حلاً يمكّن كلا الطرفين من إقامة عاصمتيهما في القدس وأن وضع القدس هو قضية يجب حلها من خلال المفاوضات.

وعلى الولايات المتحدة أيضاً تجديد العلاقات مع الشعب الفلسطيني وحكومته وإظهار التزامها بعلاقات مستقلة مع الفلسطينيين، وعكس سياسة جعل التواصل الدبلوماسي مع الفلسطينيين جزءاً من العلاقات الأمريكية مع إسرائيل. وهذا يعني إعادة فتح البعثة الأمريكية للفلسطينيين في القدس والعودة إلى سلطة القنصل العام لرئيس البعثة على الضفة الغربية والعلاقات مع السلطة الفلسطينية. ويجب أن تسمح الولايات المتحدة أيضاً بإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، على الرغم من أن هذا سيتطلب العمل مع الكونجرس لتنفيذه.

وعلى الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات فورية لمعالجة الأزمة الإنسانية والتحديات الاقتصادية التي تواجه الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. وينبغي أن يدفع جزء من هذا الجهد الولايات المتحدة إلى إعادة تشغيل برامج المساعدة الاقتصادية للشعب الفلسطيني وتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، حيث توقف كلاهما في السنوات الأربع الماضية. ويجب التركيز بشكل خاص على غزة، حيث لا يزال مليونا شخص تحت الحصار الاسرائيلي، وقد أدى الحصار الناجم عن ذلك إلى خنق التنمية الاقتصادية والبشرية. ويجب أن تركز الإجراءات المبكرة على تحسين حرية التنقل للفلسطينيين، والتي هي شريان الحياة لأي اقتصاد، مع الاستثمار أيضاً في الوصول إلى المياه النظيفة والكهرباء، والتي لا تزال نادرة بشكل غير مقبول.

وعلى إدارة الرئيس جو بادين أن تتخذ خطوات ملموسة ضد عمليات الضم الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني وهدم المنازل، ورفض صفقة القرن، وذلك استجابة لمطالب أعضاء الكونغرس، وغيرها من المنظمات الأمريكية، إذا كانت راغبة في تحقيق استراتيجيتها الجديدة التي أعلنت عنها بعد فوز جو بايدين، وأكثر من ذلك عليها ممارسة الضغط الملموس على حكومة الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فهذا هم الامتحان الحقيقي والمحك العملي لتحقيق هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وعكس ذلك تظل المواقف الأمريكية الرسمية مجرد مواقف نظرية ودعاويه، لن تمنع حكومة الاحتلال من مواصلة سعيها لتنفيذ مخططاتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، بل أن سكوت الإدارة الأمريكية عن هذه المخططات سيوفر الغطاء لحكومة الاحتلال بالمضي قدما في انتهاكاتها للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ما سيبدد أي إمكانية حقيقية لانتقال الاستراتيجية الأمريكية من موقع اعلان المواقف، إلى ممارسة الضغط الفعلي والملموس على حكومة الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات، وهذا يتطلب من القيادة الرسمية الفلسطينية عدم المراهنة على قيام دور امريكي نزيه وفاعل لتحقيق تسوية عادلة ومنصفة للشعب الفلسطيني، تضمن تحقيق حقوقه الوطنية المشروعة، وعليها أن تبقي خيارات المقاومة وغيرها مفتوحة، لمواجهة الاحتلال ومخططاته العدوانية، فهذا هو السبيل لتطوير الموقف الأمريكي للضغط على حكومة الاحتلال للاستجابة لحقوقنا الوطنية المشروعة.

*محاضر جامعي في القانون الدولي.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …