الفرصة الأخيرة… فرصة مراجعة الذات

بقلم: الدكتور سعيد صبري*

ها نحن وقد بدأ شهر رمضان الفضيل ، الشهر الذي يميزه عن غيرة من أشهر السنة بفرائضه وتنوع الفرص، ومن أهمها فرصة مراجعة الذات ، الشهر الفضيل الذي تعلو فيه مشاعر الفضيلة والإنسانية وحب الخير وعبادة الله. يستكين الإنسان نحوالتفكير الهادئ الحكيم على المستوى الشخصي والوطني على حد سواء.

ففي ضوء الأوضاع الاقتصادية التي لا يتوقف المسؤولون من خلال خطابهم الرسمي عن وصفه بأصعب الأوصاف وادقها وطنيا، وتحديدا في المحافظات الجنوبية من فلسطين والقدس المحتلة والتي تعتبر الأكثر تهميشا وضعفا في المدن والقرى والمخيمات ، للأسف تذهب انعكاسات الواقع الاقتصادي نحو المزيد من التهميش والإضعاف لفئات واسعة من المجتمعات المحلية وتعميق الفروقات الاجتماعية التي تواجه هذه الظروف بدون قدرات وادوات حقيقية داعمة ومساندة على التكيف والصمود.

السؤال الذي بات من الضرورة الإجابة عليه اليوم : كيف يمكن أن نفكر بتطوير مفهومنا للاستقرار في ضوء التحديات والتحولات الاستراتيجية (المحلية والإقليمية والدولية) والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية ، وتحديدا فيما يتعلق بالاستقرار المحلي؟ إن استقرار اي نظام سياسي واقتصادي يعتمد على عوامل رئيسية منها : القدرة والقبول على ممارسة النقد والتصحيح الذاتي، وبناء مستوى مناعة ذاتية في مواجهة الأمراض والعلل، والقدرة على التجدد وممارستها،

فنحن بأمس الحاجة اليوم إلى أدوات تكيف جديدة تأخذ بعين الاعتبار كل هذه التحولات وتستند الى ممارسة الاستدامة والإنتاج قبل أي اعتبار آخر، ومع ازدحام الأجندات الوطنية الفلسطينية، وتسارع الأحداث والتنبؤات الإقتصادية منها يبقى التحدى الأكبر هو “الغد” وما هي استعدادتنا لغدٍ على كافة المستويات ، وسأسلط الضوء في مقالي اليوم على إضائتين الأولى : الصناعة والبطالة والثانية : الاستثمار والبنوك الفلسطينية.

فبعد ان كانت فلسطين من أعلى سلم الدول من حيث تصدير انتاجها الصناعي والزراعي واستيعاب العمالة العربية قبل النكبة، اصبحت فلسطين الصناعة والزراعة بعد النكبة مستهلكة لما ينتجة الغرب والدول المحيطة والاقليمية ، واصبحنا من اوائل الدول بتصدير أشيائنا الى تلك الدول باحثين عن رزق لهم. وننتظر الدول المانحة العربية والغربية برصد أموال لانقاذ الإقتصاد الفلسطيني من الإنهيار ، ونقوم برسم ميزانيتنا على اسس المتوقع تحصيلة من تلك المساعدات الدولية لتخفيف نسبة البطالة والاستيعاب المؤقت للشباب في وظائف

المدن الصناعية والمسؤولية الفسطينية:-

وربما من ابرز المبادرات الإقتصادية التى بادرت بها بعض الدول مشكورة لانشائها تعزيزاً للاستدامة الإقتصادية هو اقامة مدن صناعية في اريحا بتمويل من الحكومة اليابانية ، وجنين بتمويل من الحكومةوالقطاع الخاص التركي، ومدينة غزة الصناعية بتمويل من حكومات متعددة ( الامريكية، والاوروبية واخرى). كما نأمل ان يتم انشاء منطقة صناعية في ترقوميا/الخليل بتمويل من جهات دولية اخرى ويأتي انشاء تلك المدن الصناعية في إطار الرؤية للدول الممولة بإعادة الحياة الصناعية لفلسطين، مثمنا الدور الذي يقومون به،

ويبقى التساؤلات الأكثر أهميةً في هذا السياق:-

هل المدن الصناعية بفلسطين قادرة على جذب استثمارات محلية ودولية للمشاركة في خلق فرص عمل والحد من البطالة المتفاقمة. وهل يعاني المستثمرين بالمناطق الصناعية من العديد من المعوقات التشريعات والقوانين والمعوقات التمويلية واللوجستية والامنية وتكاليف الاستثمار ؟

وما هي دوافعنا وراء انشاء مناطق صناعية؟ وهل وراء الدافع انشاء المناطق الصناعية سياسي ام تنموي، وهل هناك دوافع ترويجية لفلسطين ومنتجاتها ؟ ام الدافع تجميع الصناعات وترابط السلسلة العنقودية للقطاعات الانتاجية والتى ستخدم القطاع المستهدف؟ ليس واضحا الدافع وراء انشاء المناطق الصناعية بين اجندة ورقية وواقع يختلف كليا.

من الواضح اننا ينقصنا في هذا الواقع الاستراتيجي رؤية وطنية واضحة تقابل الإهتمام والتمويل من تلك الدول التى رصدت ملايين الدولارات للإقامة مناطق صناعية تعيد إلاعتبار للصناعة الفلسطينية في المحافل الدولية وتعيد أمجاد المنتج الفلسطيني صاحب العراقة نحو الصدارة في الأسواق العالمية، ولا انتقص حق احد في عدم وضوح الأجندة الفلسطينية التى ما زالت مبهمة في هذا الأطار، فتعزيز القطاع الزراعي في منطقة الأغوار الفلسطينية وربطها بالمنطقة الصناعية وفتح طرق تصدير من خلال المعبر الحدودي مع الاردن مسؤولية حكومية لطالما المستثمر او الصناعي الفلسطيني يتطلع عليها ، ونشير هنا الى تزايد المخاطر والمشاكل القائمة المتزايدة في تدهور اوضاع العشرات بل المئات من العائلات التى تعتمد اعتمادا رئيسياً على قطاعات كالزراعة في منطقة الأغوار وامتدادها في باقى محافظات والتى تشهد تراجع حاد بالدخل وتزايد المعيقات بما فيها القطاع الصناعي الغذائي في المنطقة الصناعية. ماذا يعيقنا ان نقوم باصدار برنامج تحفيزي باعفاء المدخلات الصناعية بتلك المناطق الصناعية من الضرائب ، واعفاءهم من الرسوم الجمركية او إعادتها للمصانع.

إن صغر حجم السوق المحلية وعجزها عن استيعاب الإنتاج المحلي مع تدهور الوضع المعيشي والمالي للمستهلكين، حيث أضر ذلك بكثير من الصناعات خاصة نتيجة إغلاق منافذ التسويق الداخلية ( بين المدن الفلسطينية أو بين الضفة والقطاع) والخارجية من قبل إسرائيل

حيث أن جزءا كبيرا من الصناعات تعمل بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية وكنتيجة للإغلاقات المتكررة من قبل الحكومة الفلسطينية في طار محاربة فايرس كورونا والتى اضرت بسلسة التوريدات .

الشباب :- من منطلق المسؤولية الوطنية يجب في هذا السياق العمل على خلق عناصر جذب للشباب بتلك المناطق الصناعية وذلك بتهيئة المناخ الصناعي لاستيعاب الشباب وذلك ب:

اولا:- اقامة مراكز ومعاهد تدريب وتاهيل مهني

ثانيا:- تشجيع وتحفيز المصانع في المناطق الصناعية على انشاء وتطوير مراكز تدريب مهني خاصة بهم داخل المصانع لتلبية احتياجاتهم الصناعية والتطويرية وذلك عن طريق المنح او الحوافز الضريبية.

ثالثا:- انشاء مراكز خدمات استشارية صناعية ومركز بحوث ودراسات صناعية وتسويقية لجذب المستثمرين.

رابعا:- العمل من قبل الحكومة على البدء بنظام خاص لتأمينات اجتماعية و ونظام ضمان للعاملين في المناطق الصناعية.

ثانيا:- القطاع المصرفي الفلسطيني:-

رسالتي الثانية موجهه للقطاع المصرفي الفلسطيني ، الذي يعتبر العماد الرئيسي للقطاع الاقتصادي الفلسطيني ، والذي يعتبر عصب الطبقة الوسطى والأقدر على دعم وتعزيز وتقييم حاجات الاقتصاد الفلسطيني، وفي هذا السياق فالدعوة الى توحيد الجهود المصرفية نحو انشاء صندوق استثماري موحد من قبل البنوك تشرف علية سلطة النقد الفلسطينية ، ويقوم الصندوق بالعمل على تعزيز الاستثمارات الوطنية الاستراتيجية بدلا من استثمار الأموال والودائع بالبنوك في محافظ اجنبية خارج الوطن، المطلوب في هذه المرحلة من النظام المصرفي الفلسطينيي ان يتحول الى جهاز استثماري وينخرط بالعمل وانشاء المشاريع التى تعتبر استراتيجية وتستوعب عمالة عالية والمشاركة في تقليل نسبة البطالة وليس الإكتفاء من قبل البنوك بلعب دور المقرض ، وبتقديري ان الدور المقترح بالبنوك بصفته الاستثمارية الجديدة سيعود باثر ايجابي على قطاعات مهمة واستراتيجيه كالسياحة والزراعة والصناعة ،ان ما يميز البنوك/ باللعب كمستثمر في القطاع الإقتصادي أن قرارها اقتصادي تجاري يتخذ بكفاءة عالية مبنى على أسس اقتصادية شفافة وليست على اسس خاصة او غير ذلك، بالاضافة الى الدور الفاعل والواعي التى تقوم به سلطة النقد الفلسطينية والتى يدعم هذا التحول والنقلة الاستراتيجية من خلال التشريعات والقوانين الفاعلة.

اتمنى ان نشهد شهر هادىء ، شهر فضيل يحيطة المودة والمحبة بين اطراف ونفوس الناس ، شهر يتم انجاز المميز ، ويتم المحافظة على النسيج الإجتماعي الوطني ، والتفكير بعمق نحو انشاء وتطوير وبناء وطن ينعم بالخير على اهله .

*مستشار اقتصادي دولي- وشريك اقليمي لصندوق دعم المبادرات الناشئة – فاستر كابتل – دبي

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …