كيف سنكافىء أهلنا بغزة؟

بقلم:الدكتور سعيد صبري*

بعد 11 يوما من القصف الدامي على قطاع غزة الحبيب، واستشهاد ما يقارب 243 شهيدا ومئات الجرحى ،وتشريد 120 ألف شخص وتدمير ما يزيد عن 500 بناية او شقة من شماله الى جنوبه، بالإضافة الى 15 مصنعاَ حيوياَ ولم تسلم البنية التحتية ايضاَ .
فكيف سنكافىءأهلنا بغزة “العز والكرامة” ، بعد ان حملت عنا هذا العبء الكبير ، هل سنعيد تجربة حرب 2014 حيث تم حصر الأضرار بقطاع غزة نتيجة للقصف الاسرائيلي ب 500 مليون دولار ولم يصل الى القطاع إلا 7% من الدعم لإعادة بناء القطاع، هل سنسمع ارقاماَ مالية والتي ستمضي مع الزمن كما يمضي التنديد والانتقاد الإعلامي والخطابات الرنانة من على منابر المؤسسات الدولية والعربية والتي لم تستطع ان تنقذ طفل فلسطيني من القتل او الإبادة لعائلات فلسطينية بالكامل.
إن اجندة حرب 2021 على قطاع غزة تحمل في طياتها وبوضوح هدفين رئيسين:-
الأول: تدمير الإقتصاد الهش ، واستنزاف غزة اقتصاديا لأطول فترة ممكنة بعملية إعادة الإعمار للقطاع في ظل التحديات على الأرض . والذي سيؤدي الى عدم استقرار بالحياة اليومية للمواطن وسيخلق عبء سياسي واجتماعي إضافي، بعد ان قاموا بتدمير البنية التحتية .
والثاني: فقد عمق العدوان على غزة التداعيات الإقتصادية والإجتماعية وبعد 16 عاماَ من الحصار الإقتصادي الذي ما زال مستمرا على قطاع غزة ، وعلى الرغم استمرار هذه التداعيات السلبية في ظل الحصار وكورونا، فضلا عن تعرض قطاع غزة خلال 16 عاماَ الى ثلاثة حروب مما زاد المعاناة للمواطنين وزادت الهوة الإقتصادية والإجتماعية ممثلة بزيادة معدلات الفقر والبطالة .
فقد اظهرت آخر بيانات صادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني أن معدل البطالة لدى الشباب قد وصل الى 49% ، كما تشير بعض التوقعات الإحصائية الغير رسمية الصادرة بعد انتهاء الحرب فقد تصل نسبة البطالة الى أعلى مستوى لها قرابة 70% ، كما انة من المتوقع ان يزيد نسبة الفقر الى نسبة 85% . فهل هنالك اي افق إقتصادي للإنقاذ اهلنا بقطاع غزة من التداعيات الإقتصادية والإجتماعية ، ام سننتظر المتبرعين والمتصدقين من انحاء العالم ؟
غزة تضيء فيها الكهرباء فقط 6 ساعات يوميا ، الا يستحق المواطن الغزاوي ان يعيش كباقي مواطني العالم “بعزوكرامة” ، الا تستحق منتجاتنا الزراعية من غزة ان تُصدر الى انحاء العالم بحُرية، الا يستحق للمُصنع الغزي ان يستورد مواد خام وماكنات صناعية بحُرية، الا يحق لصيادي غزة ان يصطادوا سمك غزة ويتمتعوا ببحرها وخيراتها ، الا يستحق المواطن بغزة ان يسافر الى كافة انحاء العالم وان لا يكون مدموغا انه من غزة ؟ إن الإنسان هو الأكثر أهمية، والاعتناء به يأتي في المقام الأول، فمن أجل الإنسان تتم عملية إعادة الإعمار. نحن أمام تحديات كبيرة فقد خلفت الحرب مأساة انسانية اضافت لمأساة السابقة، فما بين أسرة فقدت عائلها، أو بعض أفرادها، أو مصاب لديه إعاقة مستديمة تعوقه عن الكسب والحركة، أو نازح فقد كل ما يملك وعليه أن يبدأ حياته من الصفر ، وبين حصار إقتصادي مستمر هذا ما يجب إدراجة على أجندة خطة إعادة الإعمار.
إعادة إعمار غزة:-
لكي لا نكرر أخطاء الماضى القريب، ويبدو ان سناريو قصة الأمس تعود أدراجها، تشكيل لجان ، دعوة جامعة الدول العربية ، قرارات حبر على ورق، خلافات من سيدير أموال إعادة إعمار قطاع غزة ؟ ومن ثم تذهب أدارج الدمار مع مهب الريح ويبقى المواطن الغزي يعاني الامرين من دمار وتشريد وفقدان وحسرة وفقر ، فما هو المطلوب الآن :-
اولا: الهدف السامي: توحيد الجهود نحو وطن واحد ، وتجميع كل الجهود لبلورة قيادة وطنية موحدة ، وإعادة تشكيل حكومة وفاق وطني .
ثانيا:- نحن الآن بأوج اهتمامات العالم ، يجب العمل وبشكل حثيث على استقطاب إهتمام العالم بالحصول على دعم مالي، لإعادة بناء غزة الحديثة ، والتى يجب ان يتم انشاء بها صناعات فلسطينية حديثة تعيد لغزة وزنها التاريخي بالاقتصاد.
ثالثا:- العمل وبشكل حثيث على حصر الدمار الذي خلفة الإحتلال سريعا، ، من تدمير للطرق والمباني السكنية والورش والمصانع، وتحضير ملف دقيق وموحد .
على السلطة الفلسطينية ممثلة بالحكومة وبالتنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص ان تبدأ بوضع خطة إعادة إعمار غزة والتي بجب ان تنقسم الى ما يلي:-
الأمد القصير :-
اولاَ:- رعاية الأسر التي تضررت وبشكل مباشر من الحرب وفقدت منازلها، العمل على توفير البديل المؤقت الذي يضمن لهم الأمن والأمان.
ثانيا:- الرعاية الصحية وتوفير كافة انواع الدعم الصحي لمستشفيات القطاع ، للقيام بواجبهم تجاة الجرحى والمصابين .
ثالثا:- العمل مع اصحاب المصانع المتضررة، على توفير وسائل من معدات وماكنات بديلة وتسهيل دخولها للقطاع، او توفير مواد خام وتسهيل دخولها للقطاع.
الأمد المتوسط:-
أولا: العمل على تعزيز الصناعة بالقطاع، ومنح قطاع الصناعة بغزة إعفاءات ضريبية وجمركية تسمح للقطاع الصناعي بإعادة بنائة مستوعبا أعداد البطالة المتفاقمة وتقليل نسبة الفقر الذي يعاني منه اهلنا بغزة.
ثانيا: تعزيز دور شركات المقاولات والبناء بالقطاع ، وإعطاءهم تسهيلات وحق الأولوية ليشاركوا بدور اكثر فاعلية بإعادة إعمار غزة.
ثالثا: العمل وبشكل حثيث لدى المؤسسات الدولية على الاستثمار في البنية التحتية، وتحديداَ بقطاع المياة والكهرباء لكي ينعموا بأدنى حق انساني بهذا العالم.
الأمد البعيد:-
اولا:- حرية الحركة للمواطنين بغزة والتنقل بين الضفة الغربية بسهولة ، وخارج الوطن من غير معيقات.
ثانيا:- حرية تنقل البضائع بين شطري الوطن من والى القطاع، وتصدير المنتجات الزراعية لأنحاء العالم.
ثالثا:- مؤتمر للاستثمار في قطاع غزة، الدعوة لمؤتمر استثماري يتم استقطاب مستثمرين محليين وعالميين للاستثمار بالقطاع الصناعي والزراعي ومبادرات الشبابية التكنولوجية.
ويبقى مهمتنا كمواطنين فلسطينين العمل على تعزيز المنتج الفلسطيني، واستخدامة كبديل عن المنتجات الاسرئيلية، ليس بالشعارات الرنانة ، ولكن بالعمل ، وعلى المنتجين الفلسطينين ان يقوموا بزيادة طاقتهم الإنتاجية للتجاوب مع احتياجات المواطنين بما فيها المحافظة على معايير الجودة. كما يجب ان تقوم وزارة الإقتصاد الوطني بدعم المنتجات الوطنية وذلك بتوفير الوسائل لتذليل الصعوبات الضريبية منها وادخال المواد الخام، وتشجيع إقامة المصانع بتقليل اجراءات البروقراطية السائدة بمؤسساتنا العامة.
فلنعيد بسمة الحياة لأهلنا بغزة هاشم، ولنجعل التحدي فرصة نحو توحيد الصفوف، وبناء وطن واحد،كي يعيش المواطنون بسلام وسكينة.
*مستشار اقتصادي دولي- وشريك اقليمي لصندوق دعم المبادرات الناشئة – فاستر كابتل –دبي

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …