قراءة في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة!

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

بعد أربع جولات انتخابية على مدى سنتين استنزفت المال والنفس والاجتماع والصحة بالإضافة للكورونا ومشتقاتها، وعلى مداه الزمني عجزت فيه الأحزاب الإسرائيلية عن تشكيل حكومة توافقية ولو في حدها الأدنى، تبدو في الأفق هذه الأيام، بوادر تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بأغلبية بسيطة وهشة بدعم عربي جزئي، من دون الليكود والأحزاب الدينية جمعاء، والأهم بدون بنيامين نتنياهو الذي يواجه تهما جنائية أمام المحكمة المركزية.
يثير هذا التشكيل المرتقب لحكومة التغيير حنق وسخط وكراهية وتجريح الليكود والأحزاب الدينية بعامة ونتنياهو بخاصة. ودأب من حين هو وحزبه والأحزاب الدينية على التعرض لهذه الحكومة ووسمها باليسار المفرط زورا وبهتانا، وتوجيه تهم التفريط وخيانة القيم اليمينية والدينية لحزب ” يمينا ” ورئيسه ” نفتالي بينيت ” وألأصوات التي حصل عليها، والذي غدا في غفلة من الزمن رئيس الوزراء المكلف بستة مقاعد برلمانية.
يتآلف خليط من الأحزاب الإسرائيلية المتباينة والمتناقضة فكرا وعقيدة لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، منها اليميني أكثر من الليكود نفسه مثل حزب “يمينا”، وحزب ” أمل جديد ” الذي يرأسه ساعر المنشق عن الليكود، و”إسرائيل بيتنا” بزعامة ليبرمان ، ومنها الذي لا فكر له ووصف بالوسط مثل ” يوجد مستقبل ” الذي يراسه ” لبيد “، ” وأزرق أبيض ” بزعامة ” جانتس “، وحزب العمل وترأسه ميخائيلي ، وهناك حزب يساري صهيوني واحد هو ” ميرتس” بزعامة نيتسان هوروفيتش ، وأخيرا هناك القائمة الموحدة التي تمثل التيار الإسلامي الجنوبي برئاسة منصور عباس.
ويصر الليكود ونتنياهو على وصف هذا الخليط الذي هدفه الوحيد إسقاط نتنياهو بحكومة اليسار والدمار.
ما يجري في نظام التمثيل النسبي الإسرائيلي أمر في غاية الغرابة، وهو أن حزبا بحجم خمسة بالمائة من المقاعد الانتخابية يرأس ويشكل حكومة ائتلافية ، ويتعدى قوائم اكثر منه مقاعدا بكثير. حزب يرأسه شخص متدين يضع قبعة دينية على رأسه يرأس حكومة لأول مرة، شخص رأس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، شخص من أصول أمريكية هاجر إلى فلسطين، ومتزوج من امرأة غير متدينة، شخص تجند للوحدة المختارة في الجيش الإسرائيلي، شخص أهوج وتهور كاد أن يدفع ثمنا باهظا في السلوك العسكري اثناء المعارك مع حزب الله في لبنان، شخص يتباهى بقتله العرب المقاومين، شخص ورث دور المفدال بطريقة أو بأخرى، شخص خدم كمدير لمكتب نتنياهو، ولسانه طويل بعض الشيء يعدها جرأة، شخص يزعم أنه يجمع بين العقيدة الدينية التوراتية والحقوق الفردية المدنية، حزب لو ذهب لانتخابات خامسة قادمة لما عبر نسبة الحسم في تقدير المراقبين.. هذا الشخص سيرأس الحكومة الإسرائيلية لأول عامين قادمين إنقاذا لماء وجهه وتنفيذا لحلم طالما تمناه. ورغم ذلك، فلا تنتظروا منه شيئا مفيدا بل سلوكا سيئا متشددا يرفض الحق الفلسطيني.
هذا التشكيل الوزاري الجديد المرتقب سيأتي بوزارة يمينية أكثر من الحالية، فليبرمان وساعر وبينيت أكثر يمينية من نتنياهو نفسه أو هم على الأقل من شاكلته، وجميعهم خدموا معه بدون استثناء سواء على شكل وزراء أو عاملين في مكتبه.
وبذلك لن يتخلوا عن سياسة نتنياهو التي تشربوها ورضعوا حليبها، إن لم يتشددوا فيها، حتى ينفوا تهمة ألصقت بهم، بأنهم معتدلون أو يساريون حسبما يصفهم نتنياهو او يحلو لجماعته نعتهم بهذا الوصف. وبالتالي لن تستطيع الحكومة الجديدة وهي غير راغبة قطعا أن تتخذ قرارات جادة وحاسمة في مواضيع السياسة والإقتصاد والصراع، وسيقتصر دورها على إدارة الصراع وهنا ستلتقي مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الوزارة الجديدة لن تعيش طويلا، فهي حكومة هشة تعبث بها الريح الإئتلافي وتقذفها الأمواج البرلمانية المتلاطمة، وأي تصويت على موقف أو تصرف ما في البرلمان الإسرائيلي ( الكنيست) ربما يسقطها ويفقدها الثقة البرلمانية. بل إن التحركات والضغوطات السياسية والدينية والإجتماعية والشارعية ستلعب دورها المتزايد وقد تسقطها. ولعل ما جرى في داخل حزب بينيت من انشقاقات وترددات يؤكد هذه المقولة. لذلك ستكون هذه الحكومة على كف عفريت متعلقة بصوت هنا أو هناك، بغياب او حضور نائب برلماني لمدة أربعة أعوام وهذا أمر صعب الحصول عليه. والأرجح أن يحدث خلل ما مقصود أو غير مقصود أو انسحاب من حزب، أو انضمام لحزب، بحيث يسحب الثقة من هذه الوزارة الجديدة. فالثقة البرلمانية لهذه الحكومة مهزوزة وستبقى واقفة على رجليها تنتظر ساعة زوالها وخاضعة للإبتزاز.
تقوم هذه الحكومة بدور هام في إقصاء بنيامين نتنياهو عن سدة الحكم الذي جلس فيه اثنتي عشرة سنة متواصلة، وتركه ليلقى مصيره الأسود في دهاليز السجون بعد أن تقول المحكمة كلمتها في التهم الموجهة إليه. ولا جدل في أن هذا العزل لنتنياهو فيه نهاية مريرة له ولدوره السياسي ، ودرس لكذبه ومناوراته ، ومن هنا حملته الشديدة ضد تشكيل الوزارة وضد رئيسها المنتظر ” بينيت ” التي وصفها البعض بأنها تحريضية وتذكر بمقتل إسحق رابين في عام 1995.
ولعل تحذير وتنبيه رئيس الشاباك الإسرائيلي لخطورة الوضع الإجتماعي السائد في إسرائيل ، ومن آثاره السلبية والممزقة، والتي قد تنعكس سلبا على المجتمع الإسرائيلي برمته، ولا يستبعد أن تودي إلى حرب أهلية بين طوائف يوجد بينها الكثير من الحساسية والتوتر. فها هم اليهود الأشكناز الذين جاءوا من أوروبا يحكمون اليهود السفارديم الذين جاؤوا من الشرق. وها هم المغاربة اليهود لهم تقاليدهم وأكلهم وبوصلتهم الإجتماعية، وكذلك اليهود الروس وانعزالهم وتقاليدهم ولغتهم وثقافتهم. وقس عل ذلك كل المنازعات بين الطوائف اليهودية التي أتت من العراق وليبيا ومصر واليمن وتونس والهند والحبشة وغيرها من الدول. والأخطر ذلك النزاع المستمر بين المتدينين والعلمانيين والصهيونيين وغير الصهاينة والذي قد ينقلب إلى صراع دموي عنيف إذا اشتعل عوده.
من الطبيعي مناقشة أثر تشكيل حكومة يمينية على الوسط العربي في ظل عدم نشر الإتفاقات الأئتلافية بين الأحزاب، فما هو مصير قانون كيمنيتس وهل سيلغى، وما هو مصير العنف في الوسط العربي وهل سيعالج بطريقة فعالة، وما هو مصير الحقوق العقارية لفلسطينيي الداخل، وهل ستتوقف القوانين العنصرية التمييزية بحق المواطنين الفلسطينيين في الداخل وفي القدس. وما هو مصير التنظيم في القرى العربية والتجمعات السكانية الفلسطينية والتمييز العنصري ضدهم في كثير من المحافل المدنية.
حكومة إسرئيلية جديدة يجمعها هدف مركزي يتمثل بإقصاء بنيامين نتنياهو عن الحكم ومرتبطة بالمقاعد العربية النيابية، وبعده ستعود الخلافات والسياسات المذهبية والتكتيكية والمصلحية للظهور على السطح من جديد، فهي كحكومة انتقالية هشة مؤقتة، سرعان ما ستدعو لانتخابات جديدة بعد أن تقر مجموعة قوانين تكفل عدم رجوع نهج نتنياهو للحكم مرة أخرى، فحيثما تكون الجهالة نعيما، من الحماقة أن تكون حكيما!

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …