هل نجحت إسرائيل في فصل الشعب الفلسطيني الأصلاني في الداخل ٤٨ عن هويته القومية والوطنية؟

بقلم: الأسير وجدي عزمي جودة

انتكس الشعب الفلسطيني في الجليل والساحل والمثلث والنقب، والشعب الفلسطيني بشكل عام، من الضربة القاتلة التي تعرض لها جراء اتفاق أوسلو الذي أثر في وحدة الشعب الفلسطيني خلال العقود الثلاثة الماضية، وترك آثارا سلبية لا يزال الشعب الفلسطيني بشكل عام يعاني جرائها حتى الآن، حيث أن أبرز إكراهات اتفاق أوسلو انه شق وحدة الشعب الفلسطيني وشكل انقساما سياسيا وجغرافيا في المشروع الوطني الفلسطيني، هو الأخطر في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، الأمر الذي قاد إلى غياب وتغييب الشعب الفلسطيني الأصلاني في الجليل والساحل والمثلث والنقب عن الحركة الوطنية الفلسطينية، وبرنامجها النضالي والوطني بفعل الضعف والغياب شبه الكامل للأخيرة.
لا يخفى على أحد أن إسرائيل وجدت في اتفاق أوسلو بيئة تستطيع من خلالها إنتاج خطاب يهدف إلى خلق هوية فرعية في الشعب الفلسطيني في أراضي 1948، وفصلهم وإبراز اختلافهم عن باقي أبناء الشعب الفلسطيني كما حاولت وتحاول اليوم فصل غزة عن الضفة، والقدس عن الضفة والوطن المحتل عن الشتات.
مارست إسرائيل كافة الوسائل والأدوات الاستعمارية الاستيطانية من أبرزها “كي الوعي”، بهدف إحداث خلخلة في البنى الوطنية والسياسية والاجتماعية والنفسية والثقافية، بهدف طمس وإلغاء هويته شخصية الفلسطيني، ودفعه للتنازل عن هويته الوطنية والقومية وإخراجه من دائرة الانتماء الجمعي للشعب الفلسطيني بهدف “أسرلته” رسميا ومن الدرجة الثالثة ، ولكن بمنطق الكولونيالية الاستيطانية ودفعه إلى تبني رموز وعلم ولغة ورواية “إسرائيل”.
بالمقابل قوبل هذا الفعل المنظم والممنهج بغياب شبه كامل للحركة الوطنية الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الأمر الذي أضعف حالة ترابط النضال الفلسطيني الموحد، بالتالي تنازلت قيادة المنظمة والسلطة عن جزء مهم من طاقة وقدرات الشعب الفلسطيني الأصلاني في الجليل والساحل والمثلث والنقب، وتركتهم لوحدهم يواجهون المؤسسة الأمنية والعسكرية الاستعمارية الاستيطانية، إذ لم تعد توليهم القيادة التقليدية للمنظمة والسلطة وحتى الفصائل أي اهتمام في برامجها ومواقفها السياسية والوطنية وبالتالي اقتصر دورها على الدعوات وإلقاء الخطب والمواعظ بضرورة وحدة الأحزاب العربية عشية كل انتخابات إسرائيلية.
أيار: “قبلة الحياة للنضال الفلسطيني الموحد”
بقدر ما مضت وتمضي إسرائيل في عدوانها الاستعماري الصهيوني محاولة تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني وخلق هويات فرعية لجغرافياته، ارتباطا بأمكنة تشتته القسري في الوطن وخارجه، إلا أن “هبة القدس وسيفها” التي وصلت ذروتها إلى الإضراب التاريخي في 18 أيار 2021، قد أظهرت وحدة وتلاحم الشعب الفلسطيني والرغبة المدفونة لدى الشباب في إعادة الزخم الجماهيري والفعل النضالي المشتبك للشارع الفلسطيني وسيظل أيار 2021 يوما تاريخيا محفورا في الذاكرة الجمعية الفلسطينية ومؤشرا على أن الشعب الفلسطيني في الجليل والساحل والمثلث والنقب ما زال يختزن الطاقات والحيوية النضالية والروح الكفاحية، بإرادته وقامته الصلبة في ظل التوحد خلف شعار جامع وأنه متشبث بأرض وطنه التاريخي لان الأرض تبقى العنصر المركزي للهوية الجمعية الفلسطينية، بالتالي حافظ ويحافظ على مكونات هويته الوطنية وانتمائه القومي كجزء أصيل من الشعب الفلسطيني الموحد.
بالتالي فشلت إسرائيل في خلق هوية فرعية للشعب الفلسطيني في الجليل والساحل والمثلث والنقب، ولم تستطع احتوائهم “وأسرلتهم” بمنطقها الاستيطاني – الاستعماري كمجموعة خاضعة أو ثانوية مسيطر عليها، وليس ذلك فحسب، وإنما شكلوا ويشكلون العائق الأساسي أمام “يهودية الدولة” وإظهار “دولة الاحتلال” أنها دولة أبرتهايد لا سيما في أعقاب نشر تقارير صادرة عن مؤسسة بتسيلم الإسرائيلية ومجلس حقوق الإنسان وهيئة مراقبة حقوق الإنسان، وخمسة عشر جمعية ونقابة أمريكية تصف فيها إسرائيل أنها دولة أبرتهايد “تمييز عنصري”.
ما هو المطلوب الآن؟!
انتهت جولة من جولات المواجهة مع الاحتلال الصهيوني وتبقى المعركة الأهم قائمة، وهي حقيقة الخلاص من الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال وهي تبقى المعركة الأساس في إطار التناقض الرئيسي بين الشعب والاحتلال وهو تناقض سيبقى يفعل فعله موضوعيا لكنه يبقى بحاجة إلى إنضاج العامل الذاتي الفلسطيني بإجراء انتخابات شاملة للرئاسة وللمجلسين التشريعي والوطني” لاستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، والتوافق على برنامج سياسي –كفاحي، يستجيب لتطلعات وأهداف الشعب الفلسطيني الجمعية في الوطن المحتل والشتات.
إن الشعب الفلسطيني مازال ينتظر الأطر القيادية الوطنية المنتخبة (التمثيلية والتقريرية) والبرنامج الوطني الجامع الذي يعبر عن تطلعاته وأهدافه الوطنية الجمعية، وأن تستعيد الحركة الوطنية الفلسطينية دورها الحقيقي والجاد في القيادة وتعبئة قوى الشعب وأن تعيد لذلك الحضور المميز في البرنامج والخطاب النضالي موقعه بين أبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والساحل والمثلث والنقب الذين كعادتهم أعادوا تعميق العلاقة العضوية مع أبناء الشعب الفلسطيني في القدس وغزة وكل مكان في العالم.
ثمة أمر لا بد من الإشارة إليه أن قيادة المنظمة والسلطة قد وقعت كعادتها في مربع المفاجأة جراء تصاعد الأحداث والمواجهات في أيار 2021، واتضح عجزها التقليدي من جديد في التقاط اللحظة التاريخية والتي طال انتظارها لاستنهاض النضال الشامل بكافة أشكاله، الأمر الذي اظهر ويظهر عزلة وعجز اللجنة التنفيذية للمنظمة إثر “هبة القدس وسيفها”، وافتقارها الأولي للبرنامج والرؤية وإرادة التقرير في القضايا الوطنية.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …