اقتصاد المقاصة وآفاق المستقبل

بقلم: الدكتور سعيد صبري*

يعيش الاقتصاد الفلسطيني الهش بمستنقع من العوائق،التحديات والصعوبات التى تحول دون تقدمه، فنشهد تصاعدا بنسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني، التى وصلت لحوالي 33% او 500 الف شخص من القوى العاملة ، وتراجع بالناتج المحلي الاجمالي الى 14% مقارنة بالعام الماضي. ومن المتوقع ان يتكبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر في العام الحالي 2020 لتصل الى 2.5 مليار دولار .

فبينما شهد الاقتصاد الفلسطيني انخفاضا وتراجعا حادا في الناتج المحلي الاجمالي كان اعلاها قطاع الانشاءات التى وصلت الى 21% حسب الاحصاءات الفلسطينية الرسمية وباقي القطاعات الاخرى شهدت ايضا تراجعا تراوح بين 5%- 19% .

وتعتمد السلطة الفلسطينية على الدخل الشهري الذي يتم تحصيله من قبل الاحتلال حسب الاتفاقات السابقة الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي منذ عام 1995 والمعروفة “ياتفاقية باريس” ،والتى خلفت تبعية اقتصادية ونقدية وسوق عمالة، والذي خلق سيطرة تامة على مناحي الحياة التجارية والاقتصادية للفلسطينيين : والمعروفة ب”المقاصة” والذي تستند على اربعة عناصر رئيسة:

– من ضرائب الدخل من العاملين الفلسطينيين في اسرائيل.

– من ضريبة الدخل المحصل من الفلسطينيين العاملين في المستوطنات.

– ضرائب الاستيراد (الجمارك) والرسوم الأخرى على البضائع التي يكون مقصدها مناطق السلطة الفلسطينية .

– ضريبة القيمة المضافة المدفوعة من منظمات ومؤسسات فلسطينية غير ربحية، والمسجلة لدى السلطة الفلسطينية، على صفقات في إسرائيل

– كما تحصل إسرائيل تكاليف إدارية تقتطعها من عملية المقاصة تصل إلى 10% حتى 15%

المقاصه، تمثل ما نسبته 70% من دخل السلطة الفلسطيني السنوى والتى تصل الى 2.4 مليار دولار ، اي بواقع 200 مليون دولار شهري ، وتمثل المقاصة ما نسيته 55% من مجموع النفقات الحكومية، كما تمثل المقاصة العماد الرئيس للاقتصاد الفلسطيني بتلبية رواتب العاملين بالقطاع العام وسداد التزامات السلطة الدورية ، وتعتبر المقاصة السيف الضاغط السياسي من قبل الاحتلال على السلطة الفلسطينية وعلى المواطن الفلسطيني , فكافة البروتوكولات التجارية الموقعة مع الدول العربية والدول الاسلامية والمجاورة فشلت في زيادة نسبة التصدير من المنتجات للاسواق الخارجية، نتيجة لسيطرة الجانب الاخر على المعابر التجارية، اذ شكل متوسط الصادرات الفلسطينية الى اسرائيل نحو 59% من حجم التجارة الخارجية، مقابل 41% الى باقي دول العالم ما قبل جائحة كورونا 2019 فماذا قد قدمت الحكومات المتعاقبة كبدائل للمواطن الفلسطيني لكي تمكنه من العيش الكريم ؟

جائحه كورونا أتت ليكتمل المشهد الاقتصادي من معاناة للمواطن الفلسطيني، قروض متراكمة، زيادة بالديون، شيكات مرتجعة، انكماش اقتصادي، تراجع بالقدرة الشرائية للمواطن . والقطاع الاكثر ضررا الخاص من المشاريع الصغيرة والتى تمثل 96% من حجم القطاع الخاص يتضرر يوميا ، بطالة متزايدة ، فماذا حضرنا او تداركنا لانقاذ الحالة التى وصل اليها الاقتصاد ؟

نشهد منذ فترة توجها رسميا يتبني مبدأ الانفصال الاقتصادي عن دولة الاحتلال ، كما انني كمتابع ومحلل وقارىء لا نشهد اي حراك نوعي على الارض من قبل الجهات الرسمية ، ان العملية التراكمية من الاعتماد على “اموال المقاصة” التى استمرت قرابة 25 عاما ليس من السهل انهاؤها في ظل تحديات قانونية ، وادارية ومالية .

وفي هذا السياق أود تقديم مقترحات عملية لانعاش الاقتصاد الفلسطيني لكي يتمكن من الانطلاق من جديد نحو الاستقلال الاقتصادي:-

اولا: العمل على اعادة النظر بشكل متمعن في كافة القوانين ، والتشريعات، والسياسات المنظمة للقطاع الخاص والخاصة منها المتعلقة بالمشاريع الناشئة والصغيرة ، والعمل على تسهيل الاجراءات والقوانين لعملهم بما في ذلك انشاء نافذة استثمارية تتضمن حزمة من برامج الدعم لتلك القطاعات الانتاجية في فلسطين .

ثانيا: احلال الواردات ويتمثل في دعم القطاعات الاقتصادية الناشئة مع التركيز على دعم القطاعات الانتاجيه كاولوية لكي نتمكن من استيعاب العمالة .

ثالثا:- العمل وبشكل حثيث على تجنيد كافة الامكانات اللوجستية والعلاقات الدولية لفتح اسواق عالميه للمنتج الفلسطيني وذلك لتشجيع التصدير للمنتجات الصناعية والزراعية نحو الاسواق العالمية

رابعا: دعم سلسلة الانتاح للمشاريع الصناعية والزراعية في فلسطين ، بتوفير اعفاءات ضرائبية لكافه المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر ممن يشغلون شخص أو أكثر لحد خمسة أشخاص.

خامسا: العمل على استحداث برنامج يســتهدف التخفيــف مــن آثــار التدابيــر الاحترازيــة لمكافحــة فيــروس كورونــا علــى قطــاع المنشــآت الصغيــرة والمتناهية الصغر، وتحديــداً تخفيــف أعبــاء تذبــذب التدفقــات النقديــة ودعــم رأس المـال العامـل لهـذا القطـاع وتمكينـه مـن النمـو في المـدة القادمـة والمسـاهمة فــي دعــم النمــو االاقتصــادي والمحافظــة علــى التوظيــف فــي القطــاع الخــاص

سادسا: لدعم القطاع الانشائي في فلسطين ، العمل على توفير قروض سكنية بفترة سماح لمدة سنتين من تاريخ القرض.

سابعا: سلطه النقد والبنوك المحلية العمل على تطويــر منتــج لدعــم المصاريــف التشــغيلية لعملائــه مــن المشــاريع الصناعيــة الصغيــرة والمتوســطة المتأثــرة، ودعما للمنتج الوطني.

ثامنا: اعفاء كافة المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة من كافة الرسوم الحكومية.

تاسعا: تجنيد اموال المقاصة لبناء فلسطين والاعتماد على الذات في ظل التحديات.

عاشرا: توطيد العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول العربية والاسلامية مثل “تركيا وماليزيا” كخيار استراتجي لتخفيف التبعية الاقتصادية مع اسرائيل، خصوصا بالقطاعات الصناعية والزراعية الواعدة حيث تشير المؤشرات الاقتصادية انها اسواق واعدة للمنتجات وستعزز التنمية الاقتصادية

نحو اقتصاد قوى ومستقل بدلا من اقتصاد صغير وضعيف بقاعدة انتاجية قادرة على خلق فرص عمل ودعم المنتج الفلسطيني المحلى ذات جودة عالية منافسة مقابل للمنتجات الاسرائيلية او الاجنبية .

* مستشار اقتصادي دولي- وشريك إقليمي وممثل لصندوق المبادرات- فاستر كابتل – بدبي

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …