بقلم:د. محمد السعيد إدريس
وطأة تطورات الحملات الانتخابية الرئاسية التي من المقرر إجراؤها في الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الثالث من تشرين الثاني المقبل تبدو ثقيلة على المرشحين المتقدمين لخوض هذه الانتخابات: دونالد ترامب الرئيس الحالي مرشح الحزب الجمهوري الذي يطمح إلى ولاية ثانية في حكم الولايات المتحدة وجو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي الذي سبق أن خدم لثماني سنوات في موقع نائب رئيس الجمهورية مع الرئيس السابق باراك أوباما، كما أن وطأة هذه الحملات وسخونتها تعكس نفسها بقوة على إقليم الشرق الأوسط، أكثر من أي إقليم آخر على الرغم من أولوية القضايا الداخلية الأمريكية المهيمنة على هذه الحملات.
مشهد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإتفاق «السلام» بين دولة الإمارات العربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة أمريكية يوم الخميس الفائت (13 آب 2020)، لم يكن مشهداً اعتيادياً، بل كان مفعماً بالمعاني ومن أبرزها مدى حاجة ترامب لـ «انتصار» يسوقه فى صراعه الانتخابي مع منافسه جون بايدن. كان يقف على يسار ترامب كبير مستشاريه صهره جاريد كوشنر الذي لعب الدور الأساسي في التوصل إلى مشروع أو خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط وعلى يمينه كان يقف ديفيد فريدمان السفير الأمريكي في إسرائيل، في إشارة مهمة إلى أن هذا الاتفاق الجديد للسلام يعتبر إنجازاً لشخص الرئيس ضمن مشروعه لسلام الشرق الأوسط،.
توقيت إعلان ترامب للاتفاق الإسرائيلي ــ الإماراتي لم يأت من فراغ. فقبل يوم واحد من الإعلان عنه، وبالتحديد في يوم الأربعاء (12/8/2020) كان المرشح جو بايدن قد أعلن عن اختيار نائبه في خوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتسميته للسيناتور كامالا هاريس في هذا المنصب باعتبارها «إمرأة ملهمة» واصفاً إياها بأنها «الشخص المناسب» الذي سيساعده على «إعادة بناء الولايات المتحدة »، في حال هزما دونالد ترامب ومايك بنس في الانتخابات الرئاسية المقبلة. يبدو أن اختيار جو بايدن لشخص كامالا هاريس نائبة له كان له وقع الصدمة لدى الرئيس ترامب، الذي تفاقم استشعاره للخطر على ضوء ما تؤكده استطلاعات الرأي من تفوق بايدن بمعدل ثماني نقاط خاصة في ولايات حاسمة مثل أريزونا وفلوريدا وميتشجن التي سبق أن فاز بها ترامب في انتخابات عام 2016.
وعلى ضوء إبراز الإعلام الأمريكي أن هاريس ستكون أول امرأة ملونة يختارها حزب رئيسي ( الحزب الديمقراطي ) لهذا الموقع في تاريخ الولايات المتحدة ، وكأول امرأة في هذا المنصب إذا فاز بايدن بالسباق، وعلى ضوء ما تتمتع به هاريس من صفات وما تمتلكه من قدرات وتاريخها السياسي والعام. فهي من أصول جامايكية (أي تمتد أصولها إلى جامايكا في أمريكا اللاتينية)، وهي تشغل الآن منصب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، أكبر ولاية أمريكية في عدد السكان وفي عدد أصوات «المجمع الانتخابي» الذي يختار الرئيس، وسبق أن تولت منصب «المدعى العام» بولاية كاليفورنيا، أي أنها شخصية قانونية مرموقة فضلاً عن كونها شخصية سياسية بارزة، خاضت معركة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية عن الحزب الديمقراطى في مواجهة المرشحين الآخرين ومنهم جو بايدن نفسه، قبل أن تنسحب من تكملة معركة الترشيح، فضلاً عن أنها من زعماء مناهضي العنصرية، وتعد أقرب فكرياً وسياسياً إلى تيار «اليسار الليبرالي»، أي أنها قادرة على جذب شريحة انتخابية كبيرة ومتنوعة للتصويت لصالح بايدن.
صدمة هذا الاختيار لشخص كمالا هاريس نائبة لمرشح الرئاسة جو بايدن على الرئيس دونالد ترامب كانت شديدة أكدتها تعليقات التنديد بل والتشهير بشخص هاريس، لذلك فإن تعمد إعلان ترامب عن «اتفاق السلام» الإسرائيلي- الإماراتي، الذي جاء احتفالياً بعد ساعات من إعلان جو بايدن عن اختيار هاريس، كان محاولة للرد على ما يمكن اعتباره أقوى التحديات التي تواجه حملته الانتخابية إضافة إلى ما يتعمد جو بايدن من إبرازه من أزمات كشفت فشل ترامب في إدارة البلاد.
فقد تعمد بايدن، وهو يستعرض هذه الأزمات، أن يزكي اختياره لشخص كامالا هاريس بقوله: «احتاج إلى شخص يعمل بجانبي ذكي وصارم ومستعد للقيادة وكامالا هي هذا الشخص».
وقبل أن يتمكن الرئيس ترامب من احتواء »صدمة كامالا هاريس» بالإعلان عن »اتفاق السلام التاريخي» بين إسرائيل والإمارات جاءته صدمة أخرى أشد قسوة بعد ساعات أيضاً من الإعلان عن هذا الاتفاق وبالتحديد في يوم الجمعة (14/8/2020). جاءت هذه الصدمة من داخل أروقة مجلس الأمن الدولي بتصويت المجلس ضد مشروع القرار الأمريكي بتمديد حظر السلاح المفروض على إيران والذي تنتهي صلاحيته يوم 18 تشرين الاول المقبل. صدمة الرئيس ترامب وإدارته داخل مجلس الأمن جاءت مزدوجة، فمن ناحية لم تصوت أي من الدول الحليفة للولايات المتحدة داخل المجلس مع هذا القرار وخاصة الدول الأوروبية، فلم تؤيد القرار غير دولة واحدة مع الولايات المتحدة هى الدومينيكان، الأمر الذي يكشف مدى الضعف الذي أصاب الولايات المتحدة داخل المنظمة الدولية، ومن ناحية أخرى استخدمت روسيا والصين الفيتو ضد القرار، وهذا بدوره يكشف عمق الأزمة التي تحكم علاقات واشنطن بكل من موسكو وبكين، وهذه كلها إخفاقات في مقدور جو بايدن توظيفها لصالحه في حملته الانتخابية كدليل على فشل ترامب في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية واحتواء ما يمكن أن يكون قد أحدثه اتفاق السلام الإسرائيلي- الإماراتي من دعم لحملة ترامب الانتخابية، لكن الأهم هو تصاعد التحديات الساخنة التي تواجه الولايات المتحدة مع إيران بعد فشل فرض مشروع القرار الأمريكي على مجلس الأمن في وقت باتت فيه الانتخابات الرئاسية على الأبواب لتنبئ بعهد جديد من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خاصة وأن هذه التحديات ستكون مدعومة حتماً من الصين التي وقعت «اتفاقاً إستراتيجياً» مع إيران يمكن أن يقلب موازين القوى الإقليمية إضافة إلى الدعم الروسي ما يعني تعميق الاستقطاب الدولي على المستوى الإقليمي.
عن صحيفة الأهرام