بقلم: العميد أحمد عيسى*
يكتسب لقاء رام الله – بيروت أهمية تاريخية، إذ تكمن هذه الأهمية في توقيت ومكان إنعقاده، وفي سياقه العام وفي مستوى المشاركة، وأخيراً في أهدافه ومخرجاته وأثاره على الشعب الفلسطيني.
فمن حيث التوقيت فقد انعقد اللقاء في لحظة زمنية تختصر الماضي وتؤسس للمستقبل، فيما الشعب الفلسطيني ليس في أحسن أحواله، فمن جهة يواجه الشعب لوحده بعد أن تخلى عنه بعض الأشقاء وانزاحوا لمربع العدو، تهديدات وجودية تكمن في عزم إسرائيل وراعيتها الأولى أمريكا في عهد الرئيس ترامب على إكمال ما لم يكتمل عام 1948، حيث تعرض الشعب الفلسطيني في حينه للإبادة والتهجير، الأمر الذي تجلى بوضوح في صفقة القرن التي تُظهر بنودها ونصوصها أنها تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإخراج الشعب الفلسطيني مرة وللأبد من مسرح التاريخ، وذلك بوضعها الشعب الفلسطيني أمام خيارين إثنين، إما الاستسلام والقبول بالصفقة، وإما الرفض ومن ثَم تلقي الأسوأ الذي يدور ما بين الضم، والتهجير، والفصل العنصري.
ومن جهة أخرى يواجه الشعب الفلسطيني ولأول مرة في تاريخه جملة من التهديدات الوجودية التي تأتي من الداخل الفلسطيني، كتلك المتضمنة في ما بات يعرف بالإنقسام الذي شتت بدوره شمل الشعب، وزاد من يأسه وإحباطه، واضعف من مقدراته الوطنية، وشوه معنى الوطن في داخله، لا سيما وأن المجتمع الفلسطيني بأسره يعيش مرحلة إنتقالية تتجلى أبرز ملامحها في إنتقال مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرر والإستقلال وإقامة الدولة المستقلة من خارج فلسطين حيث اللجوء والشتات، إلى داخل فلسطين حيث يجب أن يكون، والأهم أن هذا الإنتقال يجري في لحظة يوشك فيها الجيل المؤسس والقائد للمشروع االوطني الفلسطيني أن يغادر الساحة بعد أن كان قد أعلن أكثر من مرة على لسان الرئيس محمود عباس آخر من تبقى من هذا الجيل أنه لن يغادر الساحة بخيانة، الأمر الذي تجسد في الإعلان عن رفض صفقة القرن حتى قبل الكشف عنها، لا سيما وأنه بات واضحاً أنها تعطي السيادة على القدس الشرقية بما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية لدولة إسرائيل اليهودية.
أما من حيث المكان الذي جمع ما بين مقر الرئاسة في رام الله والسفارة الفلسطينية في بيروت، فلا يخلُ هذا الجمع من دلالات، إذ يجمع من جهة بين الداخل الفلسطيني والشتات، ويظهر من جهة أخرى أن خيار المقاومة والممانعة التي باتت بيروت تمثل عاصمته قد يكون الخيار البديل، حيث أن هذا البديل وعلى الرغم من كلفته العالية، يظل أقل كلفة من خيار الاستسلام ورفع الرايات البيضاء.
ومن حيث السياق، فقد جرى اللقاء نتيجة محركات فلسطينية خالصة دون تدخل من أحد من العرب والمسلمين وغير المسلمين، كما أنه جاء متمماً لقرار التاسع عشر من ايار الماضي الذي أعلنت فيه القيادة الفلسطينية تحللها من كافة الالتزامات التي أنتجتها إتفاقات منظمة التحرير الفلسطينية مع كل من حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل نتيجة لعدم التزامهما بهذه الاتفاقات وإعلان الأخيرة عزمها على ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية لسيادتها.
ومن حيث مستوى المشاركة، فقد ضم اللقاء الأمناء العامين لفصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني سواء المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، أم غير المنضوية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، حيث يعتبر هذا اللقاء هو الأول الذي يجتمع فيه الأمناء العامون لفصائل العمل الوطني والإسلامي برئاسة الرئيس محمود عباس، منذ لقاء القاهرة العام 2005، الذي صدر عنه ما يعرف بإعلان القاهرة الذي أعلن في بنده الرابع عن اتفاق المجتمعين على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية على أسس يتم التراضي عليها، كما وافق المجتمعون على تشكيل لجنة لهذا الغرض تتكون من رئيس المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية وشخصيات وطنية مستقلة، تجتمع لهذا الغرض بناء على دعوة من رئيس اللجنة التنفيذية.
كما ضم اللقاء السيد محمد بركة، رئيس اللجنة القطرية العليا التي تمثل الإطار الجامع للمواطنين الفلسطينيين في داخل مناطق العام 1948، الأمر الذي اشار إلى توحد كل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده حول منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، فضلاً عن رفضه لصفقة القرن ولمخططات الضم والتطبيع، وكشف من جهة أخرى أن الصراع في قادم الأيام لم يعد محصوراً على معالجة نتائج الاحتلال الإسرائيلي لمناطق العام 1967، بل هناك عودة لجذور الصراع التي نشأت عام 1948.
أما من حيث أهداف اللقاء فقد عبر عنها السيد الرئيس في كلمته الافتتاحية، وكلمات السادة الأمناء العامين لفصائل العمل الوطني والإسلامي الذين أجمعوا من خلالها على ما تضمنته كلمة السيد الرئيس، وتتلخص هذه الأهداف بالتالي:
1- مواجهة مخاطر صفقة القرن ومخططات الضم ومشاريع التطبيع.
2- تطوير موقف وطني سياسي موحد، ينهي الإنقسام ويحقق المصالحة ويعزز الشراكة.
3- تعزيز الإلتفاف حول ما يجمع الشعب الفلسطيني كالقدس والأقصى والقيامة والمستقبل المشيد بالحرية والسيادة والكرامة.
4- حماية إستقلالية القرار الفلسطيني باعتباره حقا فلسطينيا خالصا من خلال المحافظة على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
5- التوافق على تشكيل قيادة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية في داخل فلسطين وخارجها. 6- التوافق على آليات إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وبناء الشراكة، على أن تقدم هذه اللجنة توصياتها للمجلس المركزي الذي سينعقد قريباً.
7- العمل على إطلاق حوار وطني شامل للاتفاق على آليات تحقيق أهداف وطموحات الشعب الفلسطيني على قاعدة أن الشعب الفلسطيني واحد ونظامه السياسي واحد.
8- إعتماد نموذج المقاومة الشعبية السلمية كاسلوب لتحقيق الأهداف.
9- الاستعداد للعودة للمفاوضات برعاية دولية وليس أمريكية فقط على قاعدة الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
ومن حيث مخرجات اللقاء فقد عبر عنها البيان الختامي الذي كان بمثابة نداء وجهه المجتمعون لكل من الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم، حيث لخص البيان مخرجات اللقاء بالمخرجات التالية:
1- إقرار الأمناء العامين على تأسيس فعلهم في المرحلة القادمة على أساس رجل واحد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
2- تأكيد المجتمعين على أن هدف الشعب الفلسطيني هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على الأراضي التي إحتلتها إسرائيل عام 1967 على ان تكون القدس عاصمتها الأبدية، وتأكيهم على حل مشكلة اللاجئين على اساس القرار 194.
3- التوافق على تشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة، على أن توفر اللجنة التنفيذية لها جميع الاحتياجات اللازمة لاستمرارها.
4- إقرار الأمناء العامين تشكيل لجنة من شخصيات وطنية وازنة، تحظى بثقة الجميع على أن تقدم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة في إطار م. ت. ف الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، للمجلس المركزي خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع.
5- التوافق على ضرورة العيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة واحدة، وقانون واحد، في إطار من التعددية السياسية والفكرية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وفق التمثيل النسبي الكامل.
6- التوافق على قواعد الاشتباك مع الاحتلال، بما في ذلك تفعيل العاملين الإقليمي والدولي لمواجهة تلك المخططات، وتوافق المجتمعون على وسائل وآليات النضال لمواجهة الاحتلال على أن تكون المقاومة الشعبية في هذه المرحلة على رأس هذه الوسائل والآليات.
أما من حيث أثار اللقاء على الشعب الفلسطيني فقد كان اللقاء بمثابة جرعة أمل مختلفة عما سبقها من جرعات وفرتها اللقاءات السابقة، وعلى الرغم من ذلك سيبقى هذا الأمل حذر وينتظر تحويل الوعود الى أفعال، وهنا يكمن التحدي أمام كل الفصائل وأمنائها العامين التي قال الرئيس في نهاية اللقاء أن الشعب ينتظر من الفصائل أن تحاوره، إذ ان الفصائل لا تعني الشعب.
*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي