إذا ما قررت موسكو غزو أوكرانيا، سيواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خيارا ملحا وصعبا: إلى أي مدى يستطيع أن يمضي في ذلك داخل الأراضي الأوكرانية؟
ويقول الخبير الأمريكي جيمس ستافريديس في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، إن معظم المحللين يتوقعون من بوتين أن يغزو أوكرانيا ولكنهم يرجحون أن تتوقف قواته في الجيوب الموالية لروسيا جنوب شرقي أوكرانيا. ويرون أن من شأن ذلك أن يسمح لبوتين بإعلان استقلال منطقة دونباس وضمان “جسر بري” من روسيا إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو من أوكرانيا، بالقوة، في 2014.
ويتساءل ستافريديس، وهو أميرال متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس: ماذا لو قرر بوتين مواصلة غزوه حتى دخول العاصمة كييف والإطاحة بحكومة الرئيس فولديمير زيلينسكي المنتخبة ديمقراطيا؟
ويقول ستافريديس إن الرئيس الروسي قام بحشد ما يكفي من قوة نارية على الحدود- قوات ودبابات وصواريخ- وأيضا إمكانيات خاصة بخوض حرب بحرية وسيبرانية لشن حملة “صدمة ورعب” تماثل تلك التي نفذتها أمريكا في العراق عام 2003.
وتأخذ الولايات المتحدة والغرب الأمر على محمل الجد. ولكن هل يمكن أن تتولد في أوكرانيا حركة مقاومة كافية في أعقاب غزو روسي شامل؟ وماذا سيفعل الغرب لدعم هذه المقاومة؟
ويقول العسكري المحنك ستافريديس إنه لمس خلال زياراته لأوكرانيا في الماضي، كقائد عسكري للناتو، اعتزاز القوات الأوكرانية والحكومة القوي بلغتهم وتراثهم وسيادتهم الوطنية. كما شاركت قوات أوكرانية في مهام تحت قيادته، في أفغانستان ومواقع أخرى، حيث كانت تقوم من خلال عزيمتها وصلابتها بتعويض ما ينقصها من تدريب وعتاد.
وبحسب ستافريديس، تمتد الذاكرة الجمعية لأوكرانيا إلى الماضي، إلى العديد من تجارب الانخراط مع القوات الروسية في فترة ما بين الحربين العالميتين في القرن العشرين، وخلال المجاعات، وعمليات القتال خلال الحرب العالمية الثانية، وسنوات الحرب الباردة، في حقبة الاتحاد السوفيتي السابق. وأشار إلى ما ذكره المؤرخ تيموثي سنايدر في كتابه “أرض الدم: أوروبا بين هتلر وستالين”، من أن الأوكرانيين تعرضوا لمعاناة شديدة على يد الروس على مدار القرن الماضي. ويرى ستافريديس أنهم قادرون على القتال وسيخوضونه وستدعمهم الديمقراطيات الغربية.
أما الولايات المتحدة، فقد عانت من التمرد أحيانا ودعمته أحيانا أخرى.
وخاضت أمريكا حربا طويلة في فيتنام والتي انتهت بهزيمتها في نهاية المطاف أمام شمال فيتنام وفيت كونج (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة)، وقبل شهور قليلة تفوقت حركة طالبان على صبر الولايات المتحدة في أفغانستان.
وعلى الجانب الآخر ومن قبيل المفارقات، قامت واشنطن بدعم حركة تمرد ناجحة ضد السوفيت أثناء احتلالهم لأفغانستان- وربما كانت صواريخ سيتنجر الأمريكية التكنولوجيا الرئيسية التي ساعدت في تغيير دفة الأمور هناك. كما كان دعم الحلفاء للمقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية عنصرا رئيسيا في تقويض السيطرة الألمانية على السكان خلال الشهور التي سبقت يوم “دي داي” (الإنزال في نورماندي/عملية نبتون).
ويمكن تقديم هذا النوع من الدعم سرا بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولكن لا يبدو أن مثل هذا العمل السري ستكون له قيمة كبيرة حال اجتياح دولة استبدادية جارتها الديمقراطية. وإذا ما قررت أمريكا دعم حركة مقاومة أوكرانية محتملة يجب عليها الاستعداد لذلك على الفور، حيث لا تزال الدبابات الروسية رابضة على الجانب الآخر من الحدود.
ويعني هذا توصيل الإمدادات إلى أيدي القوات الخاصة في أوكرانيا والتي ستشكل جزءا محوريا من المقاومة. وستكون هذه القوات بحاجة إلى القدرة على التحرك بعيدًا عن الأماكن السكانية والتنظيم والعيش على أي شئ متاح والتواصل الجماعي وعلاوة على كل ذلك تكبيد المحتلين خسائر.
ويتضمن ذلك الحاجة إلى مواد متفجرة يمكن نقلها بسهولة، وصواريخ خفيفة لاستخدامها ضد الدبابات الروسية، ودعم جوي قريب، وكميات وافرة من الذخائر التقليدية، والتي تشمل بنادق القنص وأجهزة للرؤية البعيدة الواضحة، ومعدات للرؤية الليلية. كما أن الدعم السيبراني سيكون ضروريا، وأيضا وجود مدربين من وكالة الاستخبارات المركزية داخل البلاد.
ومن العناصر الرئيسية أيضا، خروج حكومة الرئيس زيلينسكي من كييف قبل أن يتمكن الروس من فرض سيطرتهم القوية على العاصمة ويتعين استقبال “حكومة المنفى” في أي من دول الناتو، وتقديم التحالف جميع أشكال الدعم لها على المستوى الإداري والدبلوماسي. ويتعين على هذه الحكومة مواصلة عملها من خلال نظامها من السفراء الموجودين في أنحاء العالم، والتواصل بشكل فعال مع قيادة المقاومة في الداخل الأوكراني. ومن الممكن أن يكون نموذج حكومة “فرنسا الحرة” (حكومة المنفى) بقيادة شارل دي جول مناسبا في هذه الحالة، رغم أنه شكل تحديا في بعض الأحيان للحلفاء خلال الحرب الثانية.
وكما حول المجاهدون أفغانستان تدريجيا إلى مستنقع للموت للقوات السوفيتية خلال ثمانينيات القرن الماضي، قد تستطيع المقاومة الأوكرانية المسلحة بشكل جيد والتي تحظى بالدعم من أن تجعل أوكرانيا تجربة مهلكة في حالة حدوث غزو روسي. وسوف يشمل ذلك قطع خطوط الإمداد الروسية، واستهداف كبار المسؤولين وتدمير المعدات الروسية الثقيلة، وحشد الأوكرانيين من أجل المقاومة المدنية (من خلال تنظيم الإضرابات، وإغلاق المحال التجارية، وتعطيل وسائل النقل).
ويقول ستافريديس إن لا أحد يريد أن تغزو روسيا أوكرانيا “وعلينا جميعا أن نأمل في أن تسود الدبلوماسية والمنطق السليم” في نهاية المطاف، ورجح أنه إذا ما قرر بوتين إطلاق العنان لقواته لتشن غزوا سيقتصر الأمر على جنوب شرقي أوكرانيا.
ولكن ستافريديس يحذر في ختام تحليله من أن أي هجوم غالبا ما يخرج عن حدود السيطرة ليشهد تصعيدا. فإذا ما عبرت الدبابات الروسية نهر “دنيبر” إلى كييف سيخوض الأوكرانيون القتال- وربما ستكون حركة المقاومة القوية هي الخيار الأفضل. وعلى الغرب أن يعد العدة الآن لتقديم الدعم.