الحصار المالي يدفع القطاع الصحي نحو حافة الانهيار

6 يونيو 2024آخر تحديث :
RAMALLAH, WEST BANK - MARCH 11: A view from the 380-bed capacity Ramallah Hospital, the largest hospital in the West Bank, on March 11, 2021 in Ramallah, West Bank. The density in the hospital reveals how serious the novel coronavirus (Covid-19) pandemic has reached. In the occupied West Bank, where Israel ignores the vaccine issue and the UK mutated virus is spreading, almost all of the hospitals have reached a hundred percent occupancy rate. (Photo by Issam Rimawi/Anadolu Agency via Getty Images)

ألقت الأزمة المالية الخانقة، التي تواجهها الحكومة الفلسطينية، بظلال ثقيلة على العديد من القطاعات الحيوية والمهمة سواء الحكومية أو الخاصة، وأصبحت تداعياتها الخطيرة تهدد بانهيار بعضها.

تفاقمت الأزمة المالية، بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما قرر وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، اقتطاع قيمة ما تحوله الحكومة من أموال إلى قطاع غزة، إلى جانب الاقتطاعات غير القانونية السابقة، من أموال المقاصة، ومنها احتجاز مخصصات أسر الشهداء والأسرى.

وتحتجز حكومة الاحتلال أكثر من 6 مليارات شيقل من أموال المقاصة، وهي ضرائب تجبيها المالية الإسرائيلية، عن السلع الواردة شهريا، وتقوم بتحويلها إلى وزارة المالية الفلسطينية.

الأزمة المالية أثرت على تمويل موازنة وزارة الصحة، الأمر الذي انعكس سلبا على القطاع الصحي في فلسطين، وأثر على القدرة التشغيلية والتوريد وحتى على المخزون الأساسي للأدوية والمستهلكات الطبية في مستودعات الوزارة المركزية.

البنك الدولي، في تقرير أصدره في 18 أيلول/ ديسمبر 2023، قال إن “القيود على المالية العامة تلقي بثقلها على النظام الصحي الفلسطيني، ولا سيما على قدرته في التعامل مع العبء المتزايد للأمراض غير المعدية، وأدت العديد من المعوقات التي تحول دون توفير الرعاية الصحية، إلى جعل نظام الإحالات الطبية الخارجية للعلاج في المستشفيات غير الفلسطينية، عملية معقدة، تتأثر سلبا بالقيود المفروضة على حركة المرضى الفلسطينيين، ونظام التصاريح البيروقراطي الذي يستغرق وقتا طويلا، ما يجعل من الصعب للغاية في كثير من الأحيان توفير الرعاية الصحية الكافية أو المنقذة للحياة في الوقت المناسب”.

وكيل وزارة الصحة وائل الشيخ، أكد لـ”وفا” أن الأزمة المالية لها تداعيات كارثية على القطاع الصحي الفلسطيني، وانعكاس خطير على قدرة الوزارة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المرضى، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة من توفير الأدوية وتقديم الخدمات الطبية، بينما أصبح عدد كبير من الأدوية مفقودا حاليا من مستودعات الوزارة المركزية.

وأضاف أن المديونية التراكمية العالية لوزارة الصحة، والتي بلغت أكثر من (2,7) مليار شيقل حتى تاريخ 28/05/2024، أثرت سلبا على قدرة الشركات المورّدة على توريد عدد من أصناف  الأدوية ومستهلكات طبية ومواد مخبرية، وتسببت في نقص المخزون للعديد من الأصناف، التي وصل رصيد بعضها إلى الصفر (سواء الأدوية أو المستهلكات الطبية والمخبرية).

وأشار إلى أن نقص مخزون الأدوية وعدم القدرة على توفير بعض الأصناف الدوائية دفع وزارة الصحة للاعتماد بشكل أكبر على تحويل المرضى للعلاج في المستشفيات الخاصة والأهلية، ما أدى إلى زيادة فاتورة التحويلات وشراء الخدمة.

وبين أن الضغط على المستشفيات الأهلية والخاصة، جعلها هي الأخرى تعيش أزمة مالية داخلية، لعدم قدرة وزارة الصحة على تسديد التزاماتها المالية تجاهها من جانب، وزيادة عدد المرضى والمراجعين عن طاقتها الاستيعابية من جانب آخر.

وأوضح وكيل وزارة الصحة أن هذه الأزمة انعكست سلبا على هذه المستشفيات وقدرتها على تأمين رواتب موظفيها وتأمين جميع أصناف الأدوية والمستهلكات الطبية لعلاج المرضى المحولين إليها من الوزارة.

ولفت إلى أن من أكثر هذه المستشفيات غير الحكومية تأثرا بالأزمة المالية، هي: مستشفيات القدس الشرقية، خاصة مستشفى المقاصد الإسلامية الخيرية، ومستشفى  أوغستا فكتوريا “المطلع” المتخصص بعلاج السرطان، والتي تعتبر من أكبر المراكز التحويلية لوزارة الصحة، وفي نفس الوقت تعتمد هذه المستشفيات بشكل كبير على تحويلات شراء الخدمة من الوزارة.

البنك الدولي، قال في تقرير أصدره في 18 أيلول/ ديسمبر 2023، إنه نظرا لارتفاع الأسعار التي تفرضها المستشفيات الخاصة والمستشفيات التابعة للجمعيات الأهلية، يستحوذ نظام التحويلات الطبية الخارجية على نصيب كبير من نفقات وزارة الصحة، وينجم عن ذلك زيادة معدلات الإنفاق غير المستدامة، ولذلك أثر إضافي على المالية العامة التي تعاني بالفعل من ضغوط.

وفي قطاع الأدوية، انخفضت نسبة الأدوية والمستهلكات الطبية المتوفرة في مخازن وزارة الصحة، علاوة على نفاد العديد من الأصناف الحيوية اللازمة لإنقاذ حياة مئات المرضى من مستشفيات ومخازن الوزارة، بما في ذلك أصناف معينة من أدوية السرطان وغسيل الكلى، وغيرهما، ما شكّل خطرا حقيقيا على حياة هؤلاء المرضى.

وبين الشيخ أن عدم القدرة على توريد المستهلكات الطبية والمواد المخبرية إلى أقسام العناية المركزة وغيرها من الأقسام الحيوية في المستشفيات، أثر سلباً على جودة الخدمات الطبية وسلامة المرضى أحيانا، وزاد من تحويل المرضى للقطاعين الخاص والأهلي.

وذكر أن “بعض المستشفيات الحكومية، وبسبب الأزمة الحالية، وضعت قوائم انتظار طويلة للعمليات الجراحية رغم أن بعضها طارئة ومستعجلة، وفي الوقت ذاته لن تستيطع الوزارة الاستمرار في تحويل بعض هذه الحالات إلى المستشفيات الخاصة والأهلية بسبب الديون المتراكمة عليها”.

ولفت إلى أن “الشركات المنتجة والمصدّرة للأدوية والمستلزمات الطبية، أصبحت مؤخرا غير قادرة على توريد كافة طلبيات وزارة الصحة بسبب تراكم الديون المستحقة عليها”.

وقال الشيخ: بسبب هذا الوضع، فإن هناك 78 صنفا من أصل 592 صنفا من الأدوية أصبح رصيدها صفرا في المستودعات المركزية، أي ما نسبته 13% من الأدوية الأساسية، و138 صنفا من الأدوية المتوفرة في المستودعات المركزية، رصيدها يكفي لأقل من شهر فقط.

وبالنسبة للمستهلكات الطبية والمواد المخبرية، بين الشيخ أن 605 أصناف من أصل 3330 صنفا من المستهلكات الطبية العامة أي بنسبة 18%، و153 صنفا من أصل 618 صنفا من المستهلكات الجراحية الطبية، أي ما نسبته 25%، و25 صنفا من أصل 200 صنف من المواد المخبرية، أي ما نسبته 12.5%، جميعها تمتلك أرصدة صفرية، في مستودعات الوزارة.

هذا الوضع أضاف عبئا ماديا جديدا على متلقي الخدمة، الذين يضطرون إلى التوجه للصيدليات الخاصة للحصول على الأدوية المطلوبة، وكثير منهم قد لا يستطيعون دفع أثمانها في ظل الظروف الاقتصادية المتردية وتقلص رواتب الموظفين.

وللعام الثالث على التوالي لا تستطيع الحكومة الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي القطاع العام، وتسدد جزءا من رواتبهم الشهرية، بسبب استمرار الأزمة المالية وزيادة الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة أو وقف تحويلها، الأمر الذي أثر على جودة الخدمة التي تقدم للمرضى، فالمطلوب من الأطباء الالتحاق بعملهم بشكل يومي رغم عدم تلقيهم رواتبهم كاملة، وفي الوقت ذاته زاد الإقبال على المستشفيات والعيادات الحكومية وأصبح أعلى بكثير من طاقتها الاستيعابية، بسبب التأمين الصحي وتوفير العلاج المجاني لكبار السن وللأطفال دون سن الخامسة.

وللخروج من الأزمة الحالية، قال وكيل وزارة الصحة وائل الشيخ، “ليس لدينا عصا سحرية، وبنفس الوقت نحتاج إلى حلول عاجلة وسريعة لتمويل القطاع الصحي، وتخفيض المديونية ودعم استدامة الإمداد بالأدوية والمستهلكات الطبية والمواد المخبرية، لأن استمرار الوضع الحالي يهدد بانهيار القطاع الصحي”.

وأكد الشيخ، أن وزير الصحة ماجد أبو رمضان، يبذل جهودا مضنية مع المنظمات الصحية الدولية وكافة الوكالات الدولية للتعاون الدولي في الدول الصديقة والشقيقة، لحشد الدعم والمساندة العاجلة للوزارة في ظل الازمة المالية الخانقة للحيلولة دون انهيار القطاع الصحي الفلسطيني.

وأضاف الشيخ أن وزير الصحة اجرى سلسلة من اللقاءات الهامة خلال مشاركته في الدورة الـ77 لمنظمة الصحة العالمية في جنيف مؤخرا، إضافة إلى لقاءاته مع مبعوثين دوليين في فلسطين، من اجل توفير الدعم المالي اللازم للقطاع الصحي الفلسطيني.

وأشار إلى أن الوزير  أبو رمضان ركز في لقاءاته كافة على ضرورة العمل على وقف العدوان في قطاع غزة فورا، وزيادة المساعدات الطبية لإغاثة ابناء شعبنا.

وبين الشيخ أنه على تواصل دائم مع مقدمي الخدمات الطبية سواء في المستشفيات الخاصة او الأهلية وشركات توريد الأدوية، لحثهم على الاستمرار بتقديم خدماتهم، والعمل سويا للخروج من هذه الأزمة.

وجدد الشيخ دعوته للمجتمع الدولي للضغط على حكومة الاحتلال بشكل جدي لإلزامها بالإفراج عن أموال المقاصة ووقف الاقتطاعات المالية، وشدد على ضرورة تدخل الدول المانحة لسد العجز في ميزانية الحكومة وتمكينها من إدارة القطاعات الحيوية، ومنها القطاع الصحي.

وطالب المؤسسات والمنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي كافة، بالتحرك والعمل على توفير النقص من الأدوية والمستهلكات الطبية والمخبرية في المستودعات المركزية بشكل عاجل من خلال الدعم المباشر.

وأكد ضرورة ضمان استمرارية الدفعات الدورية للموردين ومزودي الخدمات الصحية، من خلال مساهمة المانحين والدول العربية الشقيقة والصديقة والجهات الدولية في الدفع المباشر أو المساهمة المالية في هذه الدفعات عبر وزارة المالية.

وطالب الدول المانحة بزيادة المبالغ المخصصة ضمن آلية الدعم المالي المباشر لمستشفيات القدس الشرقية من أجل سداد الديون، ووضع آلية مشابهة للدفع المباشر إلى شركات الأدوية.

في الضفة استهدف الاحتلال القطاع الصحي بالحصار المالي، وفي قطاع غزة كان هدفًا أساسيًا لآلة الحرب الإسرائيلية خلال عدوانها المتواصل منذ نحو ثمانية شهور.

وتشير إحصائيات وزارة الصحة إلى أن الاحتلال شن منذ السابع من تشرين الأول / اكتوبر 2023، أكثر من 340 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها، ومنعها من الحصول على الإمدادات والمستلزمات الطبية وإمدادات الوقود والماء والغذاء والكهرباء، ودمر الطرق التي تؤدي إليها.

وبلغ عدد الشهداء من كوادر القطاع الصحي في غزة 500، وأصيب المئات، وبلغ عدد المعتقلين أكثر من 310، وبقيت 9 مستشفيات تعمل بشكل جزئي من أصل 36 مستشفى، وتم تدمير 130 مركبة إسعاف.

وبحسب المعطيات، فإن القطاع الصحي الفلسطيني في غزة قد انهار، وما بقي منه يخدم ما لا يزيد على 15% فقط من جرحى ومصابي العدوان، وبات غير قادر على خدمة من يعانون أمراضًا مزمنة، وعاجزاً عن معالجة الأمراض الوبائية التي سببها الاكتظاظ في مراكز الإيواء، وتدمير نظام الصرف الصحي.

وفي حال استمرار إسرائيل باحتجاز عائدات الضرائب التي تشكّل 70% من إيرادات المالية العامة، فإن القطاعات الحيوية كافة معرضة للانهيار، وبخلاف الصحة هنالك التعليم الذي شهد اضطرابات في العامين الدراسيين الماضي والحالي، لم يلتحق إثرها الطلبة بمقاعدهم الدراسية بشكل منتظم، بسبب عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، الذين تزيد نسبتهم عن 57% من إجمالي عدد الموظفين الكلي في الدوائر الحكومية، وفق إحصائية لديوان الموظفين العام، فيما بلغت نسبة العاملين في القطاع الصحي 15%.

وحذر البنك الدولي، نهاية شهر أيار/ مايو المنصرم، من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر “انهيار في المالية العامة”، مع “نضوب تدفقات الإيرادات، والانخفاض الحاد في تحويلات إسرائيل لإيرادات المقاصة، والتراجع الهائل في النشاط الاقتصادي، على خلفية العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ تشرين الأول / أكتوبر 2023.