يحدث أن يعيد التاريخ نفسه.. غير أنه في فلسطين الرازحة تحت نير احتلال عنصري وتوسعي، يعود مرات ومرات، أكثر قبحا وبشاعة.
في مثل هذا اليوم، وتحديدا في التاسع والعشرين من العام الماضي، وضعت قوات الاحتلال الغازية يدها بالقوة على مئات الدونمات من أراضي “البطريركية اللاتينية”، في منطقتي “أم الجمال”، و”عين الحلوة” بالأغوار الشمالية، بقرار عسكري.
عملية الاستيلاء والنهب طالت، بحسب أرشيف واحصائيات محافظة طوباس في ذلك الوقت، 550 دونما تابعة لكنيسة اللاتين.
مزاعم ودواعي الاحتلال، في حينها، بأن الأراضي المستهدفة ستستخدم للتدريبات العسكرية،
دفعت باتجاه تشريد عشرات المواطنين من المزارعين والرعاة عن مساكنهم وممتلكاتهم.
وعادة ما يستخدم الاحتلال الأراضي المفتوحة في الأغوار الشمالية، كساحات تدريب، لمناوراته التي تظل قائمة طوال السنة.
مهتمون بمتابعة الشأن الاستيطاني في الأغوار أكدوا أن سلطات الاحتلال في العادة لا تنظر إلى ماهية الأراضي التي يستولي عليها في الأغوار، سواء كانت تابعة للكنيسة أو أراضي “طابو”، فقبل نحو شهرين، استولت أيضا على مئات الدونمات من أراضي المواطنين بالقرب من خلة “مكحول”، بالأغوار الشمالية.
غير أن ما حدث قبل عام، عاد للواجهة مجددا، عندما استولى الاحتلال منتصف الاسبوع الحالي، على أراض تابعة لذات الكنيسة.
بحسب إخطار الاستيلاء الجديد الذي وصل نسخة منه لمحافظة طوباس، فإن مساحة الأراضي المستهدفة هذه المرة بلغت 267 دونما، في حوض 159، وتقع في منطقتي “بردلة” “وتياسير”.
هناك، يقع ما يسمى معسكر “الحمامات” الاسرائيلي، وهو اول معسكر أقيم في الأغوار الشمالية، بعد نكسة عام 1967 بعام واحد.
“إنها سياسية ترمي إلى شد الخناق على المواطنين بهدف إفراغ الأغوار من سكانها الأصليين، مقابل تمدد استيطاني علني ومخفي” يقول مختصون.
على اختلاف الحجج التي يسوقها الاحتلال في إخطاراته المتعددة، فإن الهدف من ذلك حسب ما يقول عارف دراغمة، وهو ناشط حقوقي يوثق ما يجري في الأغوار: “طرد وترحيل الفلسطينيين من الأغوار”.
الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات في بيان لها، نددت باستيلاء سلطات الاحتلال على مئات الدونمات من الأراضي الوقفية التابعة لكنسية اللاتين في منطقة الأغوار لأغراض عسكرية، واعتبرت قرار الاستيلاء على أراضي كنيسة اللاتين الوقفية، وتحويلها لمعسكر للجيش، انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وفي العادة فإن قرارات “وضع اليد” العسكرية المؤقتة على الأراضي في الأغوار، وهي قرارات تعسفية يسلمها الاحتلال للمواطنين، كالإخلاء ووقف البناء وغيرها، تكون دائمة، يقول دراغمة، ويضيف: “عندما يستولي الاحتلال على أراض في الأغوار، فإنه يكون مخطط بشكل مسبق شق طرق تخدم تدريباته العسكرية”.
وظلت الأغوار الشمالية بعد النكسة، واحدة من مسارح التدريبات العسكرية التي يجريها الاحتلال في المنطقة.
وليست التدريبات العسكرية وحدها التي يهدف الاحتلال عبر استيلائه على الأراضي في الأغوار الشمالية، بتوفير الجو المناسب لها، بل لغرض النشاطات الاستيطانية أيضا.
فبالقرب من المنطقة التي استولى فيها الاحتلال قبل عام على أراضي تابعة للاتين في “عين الحلوة”، مقامة على قمة أحد الجبال مستوطنة “مسكيوت”، وقرب الأراضي المستولى عليها مؤخرا معسكر “الحمامات”.
وبحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، ففي السنوات الأخيرة وخاصّة منذ بداية عام 2013 يأمر جيش الاحتلال من حين لحين سكّان التجمّعات الواقعة على أراض معلنة “مناطق إطلاق نار” بإخلائها مؤقتًا، بحجّة أنّ الجيش يحتاج إجراء تدريبات عسكريّة هناك.
وقد أعربت بطريركية القدس للاتين في بيان لها، عن رفضها لقرار سلطات الاحتلال بالاستيلاء على الأراضي المملوكة للبطريركية في منطقة الأغوار الشمالية، وقالت إنها تدرس
حيثيات هذا القرار ليتم التعامل معه بالسبل الملائمة، والعمل على الاعتراض عليه ورفع الضرر الناتج عنه”.