مسلسلات سواد الوجه!

7 مايو 2020آخر تحديث :
مسلسلات سواد الوجه!
مسلسلات سواد الوجه!

بقلم: سهيل كيوان

ثارت في الآونة الأخيرة، عواصف غبار موحلة على وسائل التواصل الاجتماعي، حول ما سُمّي بمسلسلات التطبيع القادمة من الخليج العربي، وحول ظهور صحافي أو أكثر ومن أقطار مختلفة بين حين وآخر يهجون الفلسطينيين، ويدعون إلى القضاء عليهم، تارة بالصرماية كما العناكب والصراصير، وتارة بمبيدات الهسهس والبعوض، إلى جانب هذا، فهناك مسلسل حظي بالمديح، حول شخصية المطران اليوناني هيلاريون كابوتشي.

من السّهل جدًا إشعال غرائز الكراهية وتأجيجها، ويكفي تسجيل واحد مغرق في بذاءته، حتى يتداوله مئات الآلاف. تشتعل النخوة والرغبة في الرّد، وتبدأ عملية ردح لا تنتهي، انظر ما قال هذا، واسمع ما سجل ذاك.

من ينشرون الهجاء والقدح ويروّجون له، يخدمون من يقف وراء هذه الأشرطة والمسلسلات. هناك من يسعى بشكل مبرمج ودقيق إلى زرع العداء والهجاء والضغائن وتعميقها بين الشعوب العربية بما في ذلك مع شعب فلسطين وقضيته، هذه الشعوب التي احتضنت وتعاطفت مع الفلسطينيين، بل انخرط بعض أبنائها مع نضال الفلسطينيين ودعمه منذ بداياته، باعتبارها قضية قومية شاملة.

في هذا الهجاء المتبادل تضرب الأنظمة عدة عصافير بحجر واحد، أولًا وقبل كل شيء، تفتعل توترًا وكراهية بين شعوبها وبين الفلسطينيين، وهذا لتبرير سياستها التطبيعية شعبيًا، وثانيا، فهو يبرئ إسرائيل والحركة الصهيونية من مسؤولياتها التاريخية المستمرة عن نكبة الفلسطينيين، وثالثًا يعطي مبرّرا لبعض القيادات الفلسطينية إلى مزيد من التنازلات، وذلك بحجة عدم وجود ظهير لها واستسلام الأمّة.

في لبنان صعّدت حكومة اللصوص التحريض على الفلسطينيين لإذلالهم أكثر وأكثر، وذلك مع انطلاق الانتفاضة اللبنانية الأخيرة وظهور فيروس كورونا، في محاولة خسيسة لحرف أنظار الشعب اللبناني الغاضب بكل طوائفه إلى هذا “الغريب” الفلسطيني، في محاولة لتصدير غضب الشعب إلى المخيمات، لتخفيف ضغط الانتفاضة التي أعلنت بوضوح “كِلّن يعني كِلّن”، وهو نظام لصوصي طائفي نهب وما زال ينهب لبنان منذ قرون وقبل ظهور شيء اسمه قضية فلسطينية.

لا يُحكم على الشعوب من مسلسلات بكل أنواعها، ولا من خلال تسجيلات هجاء ولا من خلال الأغاني الوطنية، ولا خُطب الجنرالات الرنانة، بل من خلال النتيجة، أو ما يسمى السّطر الأخير.

علاقة الشعوب العربية بفلسطين ليست مزاجية، ولا تخضع لهذا النظام أو ذاك، سواء كان ملكيًا أو جمهوريًا أو حزبيًا أو طائفيًا، حتى ولو تأثر الرأي العام لفترات بسيطة ومؤقتة، ولكن القاعدة الثابتة، هي أن علاقة الشعوب العربية بفلسطين عميقة جدًا، هي قضية تعيش في الوعي الشعبي العربي، مثل العقيدة الدينية، مثلها مثل الأندلس التي ما زال العرب يبكونها، لكن مع فارق جوهري، هو أن فلسطين جزءٌ لا يتجزأ من الجغرافيا والتاريخ والمحيط العربي، وكل من ينطق بالعربية ويصنّف نفسه على أنه عربي، بالضرورة يشعر بأنها قضيته، والأهم من هذا، أن القسم الأكبر من شعبها يعيش على أرضها، والجزء المشرّد من شعبها، ما زال يطالب بحقوقه.

لا حاجة لمقارعة من يدّعي بأن الفلسطيني باع أرضه، فإن بيبي نتنياهو كفيل بأن يسدّ له بوزه ويفحمه، فها هو يعلن نيته ضم الأغوار الفلسطينية، وللتذكير نحن نعيش في العام 1441 للهجرة، الموافق 2020 ميلادية، أي بعد مرور سبعة عقود على النكبة، وما زال الضم والمصادرة مستمرين، ولكن الفرق أنه في عام النكبة وبعدها جرى بدون ضجيج، والآن تجري المصادرة والضم أمام أنظار وسمع العالم، ومن الغباء والبؤس مواصلة الحديث عن بيع الفلسطيني لأرضه، فمن باعوا معروفون، والمساحة التي بيعت معروفة، ومن السهل جدًا البحث في المواقع العربية والعبرية والتركية والإنجليزية والألمانية وغيرها لمن يريدون التأكد، فكل المعطيات عن ملكية الأراضي في فلسطين موجودة منذ أكثر من قرن حتى يومنا هذا، بما فيها عشرات القوانين التي سنتها الكنيست منذ تأسيسها لقوننة مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية.

من جهة أخرى، تعرض فضائية الميادين مسلسلا عن حياة ونضال المطران كابوتشي، وهو شخصية معروفة ولها موقعها في ضمير كل فلسطيني وعربي.

لكن في الوقت ذاته فإن عرض مسلسل هيلاريون كابوتشي أو غيره، لا يعفي أحدًا من سؤال الفضائية التي تبث المسلسل والجهة التي أخرجت العمل عن مئات آلاف سجناء الحرية في سجون أنظمة تروّج لها الميادين، ألا يستحق هؤلاء الحياة والحرية؟ وإذا كان المطران كبوتشي الذي يحترمه العربي والفلسطيني قد سُجن اثني عشرة عامًا، فإن في سجون أنظمة تدعمها الميادين وتروّج لها، عشرات الآلاف من طلاب الحرية الذين تعفّنوا داخل هذه السجون، ومُنع ذووهم من مجرد السؤال عنهم، أو قضوا نحوبهم.

كل يغني على ليلاه، وبما يخدم مآربه، ولكن الحريّة لا تتجزأ، والشعوب العربية مثل الشعب الفلسطيني، تعاني من وطأة هذه الأنظمة وظلمها واستبدادها، بغض النظر عن الأبواق التي تروّج، سواء بهدف التطبيع أو تغطية عورات أنظمة، أو لتأبيد الدكتاتوريات وتعقيمها وتبييض سيرتها.

عن “عرب ٤٨”