يضرب المسحراتي سيد مزاحم على طبلته فجراً في بغداد التي يقطنها عشرة ملايين شخص، والتي تعيش في شهر رمضان على وقع رفع آذان الإمساك من جهة، ومكبّر الدفاع المدني يدعو الى التزام المنازل للوقاية من وباء كوفيد-19.
قبيل ساعات من تكبيرات الفجر التي تعلن بدء الصيام، يعلو صوت مزاحم من خلال مكبّر صوت في حي صغير من بغداد القديمة.
على غرار أبيه وأخيه من قبله، يقوم هذا المسحراتي البالغ من العمر 45 عاماً بإيقاظ الصائمين لتناول وجبتهم الأخيرة قبل شروق الشمس، منادياً “يا نايم وحّد الدايم”، كما يفعل كل سنة، لكن هذه السنة يضيف الى دعائه “أن يبعد عنا رمضان فيروس كورونا”.
وعدّل العراقيون روتينهم الرمضاني ليتلاءم مع حظر التجول المفروض في بغداد من الخامسة مساءً (14,00 ت غ) حتى الخامسة فجراً، وهي الأوقات التي تعج فيها بغداد عادة بالصائمين بعد الإفطار يزورون محال الحلويات أو يقيمون الصلوات في المساجد.
وبدلاً من ذلك، تكتظ الحواجز الأمنية بالعراقيين قبيل بدء حظر التجول، ليصل كل إلى منزله فيصلّي ويتناول الإفطار ويخبز الحلويات، محجوراً.
بعد أن ينهى مزاحم نداء السحور منتهكاً فعلياً حظر التجول الليلي، تشرق الشمس على ثاني أكبر العواصم العربية من حيث عدد السكان.
ومع حلول الظهر، تلهب حرارة الشمس شوارع المدينة، مرغمة شرطيي المرور على البحث عن بقعة ظل. بعدها يرفع المؤذن آذان الظهر، داعياً الناس إلى الصلاة في بيوتهم.
هنا يأتي دور الإطفائي موسى البديري الذي يجول مرتين في اليوم بحافلة على ظهرها مكبر صوت لحض الناس على التزام المنازل وتجنب التجمعات وغسل أيديهم بانتظام.
تبدو حنجرته جافة، وقد تشققت شفتيه، لكن البديري الملتزم دينياً، يمتنع رغم ذلك عن شرب المياه خلال نهارات رمضان بغداد الشديدة الحرّ.
ويقول لوكالة فرانس برس “مع انتشار فيروس كورونا، تضاعف عملنا. بات لدينا المزيد من حملات التطهير وبث الإرشادات الرسمية من خلال مكبرات الصوت على سيارات الدفاع المدني، وفي مركزنا”.
عصرا، يباشر مرتضى (22 عاماً) عمله على دراجته النارية، مخترقاً حركة المرور التي عادة ما تكون كثيفة في وقت مماثل.
ويحرص مرتضى، عامل التوصيل، على نقل وجبات الطعام إلى زبائن المطعم الذي يعمل فيه قبل دخول حظر التجول حيز التنفيذ عند الساعة الخامسة مساء.
وأغلقت السلطات المطاعم منذ نحو شهرين بشكل كامل، لكنها خفف الإجراءات مؤخراً مع السماح لها باستقبال الطلبات المنزلية فقط.
لكن مرتضى لا يسلّم أكثر من ست طلبات يومياً، وهو عدد أقل من ربع ما كان يسلمه خلال شهر رمضان في العام الماضي.
وتوقع البنك الدولي أن تؤدي صدمتا وباء كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط إلى تضاعف معدل الفقر الحالي في العراق ليصل إلى 40 في المئة.
مع الغروب، تمتد الظلال في بغداد إلى مرقد وحضرة عبد القادر الجيلاني، أبرز الشخصيات الصوفية والفقهاء الحنبليين.
وللمرة الأولى في حياته، يرى الشيخ يلماز يوسف البالغ من العمر 70 عاماً الضريح والمسجد الملحق فارغين.
ويقول يوسف لفرانس برس “منذ السبعينات وحتى يومنا هذا، لم أر أبداً باب مرقد الشيخ عبد القادر مغلقاً. عندما فعلت ذلك بكيت”.
ويتردد مجدداً صوت الآذان مع الغسق لصلاة المغرب الرابعة قبل العشاء لدى المسلمين، متبوعاً بالدعوة إلى الإفطار والصلاة في المنزل.
ويضطر العراقيون اليوم للالتزام بإفطار متواضع في البيوت، ويتذكرون تجمعات السنوات السابقة مع الأقارب والأصدقاء والجيران.
فبدلاً من التنزه في الشوارع المضاءة بزينة شهر الصوم أو التسلية بلعبة المحيبس الشهيرة في البلاد، يقضون ليلهم بلعب الورق أو مشاهدة التلفزيون.
وخلال البرامج الإخبارية المسائية، تعلن القنوات العراقية عن أعداد مصابي فيروس كوفيد-19: أكثر من 3600 إصابة في أنحاء البلاد، وأكثر من 130 وفاة حتى الآن. وترتفع الأعداد بشكل أسرع في الأيام الأخيرة، ما اضطر السلطات إلى إعادة فرض الحظر الشامل خلال عيد الفطر.
ينتهي الليل، ويعود صوت الطبلة ليدوي مجدداً في الشوارع المظلمة، ويعيد المسحراتي دعوة المسلمين إلى آخر وجباتهم قبل الصيام، فيعيد روتين بغداد الجديد تكرار نفسه… في انتظار عيد الفطر.