كان يوم خميس، الساعة السادسة والنصف صباحاً، حين ارتفعت ألسنة اللهب في سماء القدس، بعد أن أضرم “مايكل دنيس روهن” النار بالمسجد الاقصى قبل 51 عاماً، كما روى الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الاسلامية العليا وخطيب المسجد الاقصى لـ ” القدس” تفاصيل تلك الجريمة التي كان أحد شهود العيان حين نفذت.
وقال الدكتور صبري في الذكرى الـ 51 لجريمة إحراق المسجد الأقصى، يوم أمس:”بعد أداء صلاة فجر يوم الخميس الموافق 20/8/1969، لم تكن هناك أي بوادر على وجود مخطط لاحراق المسجد الأقصى، فالأوضاع الميدانية كانت هادئة، وعند الساعة السادسة والنصف وقع المحظور بحرق المسجد القبلي، والدخول إلى منطقة المنبر والمحراب”.
وعن كيفية دخول المجرم “مايكل روهن” بهذه السهولة ومعه المواد المشتعلة في حقيبة على ظهره، يشير صبري إلى أن “التقصير كان واضحاً من أحد الحراس، الذي فُصل بعد الحريق، حيث تظاهر المجرم مايكل بأنه سائح ودخل المسجد القبلي مبكراً ونفذ جريمته من خلال مواد مشتعلة لا توجد إلا مع الدول والجيوش، وهذا يدلل على أن هناك من كان يقف خلف هذا المجرم لحرق المسجد الأقصى. وبعد إلقاء القبض على هذا المجرم من قبل المقدسيين وحراس المسجد الأقصى، اختفى هذا المجرم بسرعة ولم يعرف مصيره، حتى لا يكون أداة إدانة في المستقبل لدولة الاحتلال، وهذا أيضا دليل على مسؤولية الاحتلال في الحريق عبر اختفاء المنفذ بشكل سريع”.
وقال صبري: “بعد تشكيل لجنة تحقيق، أكد حراس المسجد الاقصى بأن المجرم مايكل كان يتجول قبل تنفيذ الجريمة في ساحات المسجد الأقصى، في عملية استطلاعية قبل تنفيذ جريمته، وهذا ينفي أنه مختل عقليا كما ادعى الاحتلال، فهو خطط ونفذ “.
وأضاف:”مشهد المقدسيين وهم يساهمون في إطفاء الحريق مازال محفورا في ذاكرتي، فالكل توجه للمسجد لإطفاء الحريق من خلال نقل التراب والماء بالآواني وبشكل بدائي، فألسنة اللهب كانت تشاهد من بعيد، والناس يهللون ويكبرون ويبكون على مسجدهم وهو يحترق أمامهم، بهذا الشكل المرعب المخيف “.
وكشف د. صبري عن قضية تُدلل على مساهمة الاحتلال مباشرة في الحريق ويشير إلى أن “الاحتلال قطع الماء عن المسجد الأقصى قبل تنفيذ جريمة الحريق، وأثناء الحريق لم تكن هناك مياه لإطفاء الحريق، وتم إحضار المياه بالآواني من البيوت المجاورة، من خلال توصيلها يداً بيد من قبل المواطنين الذين اصطفوا في طابور طويل، فالكل كان داخل المسجد الأقصى يساهم في إطفاء الحريق بصورة شكلت درعاً واقياً للمسجد الأقصى لغاية الآن، فجيل المقدسيين الذين ساهموا في إطفاء الحريق أنجب جيلاً يحافظ الآن على المسجد من الحرائق التي تنشب بين الحين والأخر من خلال الاقتحامات والحفريات والمشاريع التهويدية في محيط المسجد الأقصى، فأهل القدس ومن معهم من الداخل، يشكلون الآن الدرع الحامي الذي يقف في وجه الاحتلال “.
ويصف د. صبري اليوم التالي للحريق ويقول:” في اليوم التالي للحريق (كان يوم جمعة)، أعلنت الهيئة الاسلامية العليا في مؤتمر صحفي إغلاق المسجد، وتحميل الاحتلال مسؤولية الحريق والبدء بحملة تبرعات، وتشكيل لجنة تحقيق عاجلة. وكان تعطيل صلاة الجمعة رسالة إلى العالمين العربي والإسلامي بضرورة التحرك العاجل لنصرة المسجد الأقصى، أما الجمعة التي تلتها فكانت الخطبة الأولي لوالدي، قاضي القدس الشيخ سعيد صبري، والتي تضمنت الحديث عن جريمة حرق المنبر والمحراب، وكان والدي آخر من خطب على منبر صلاح الدين قبل عملية الحرق، وأول من صعد على منبر صنع مؤقتا بعد عملية الحرق، وقد كانت الأجواء في الجمعة الأولى بعد الحرق أجواء حرب، فالكل مصدوم من الجريمة التي أتت على المنبر والمحراب والقبة المجاورة ، ولولا تدخل المواطنين السريع، لكانت الكارثة أكبر، ولم تكن صلاة الجمعة داخل المسجد القبلي الذي تعرض للحرق، بل كانت في الساحات واللواوين والمصاطب”.
ويضيف صبري: “بعد الحريق، عقد مؤتمر الرباط في شهر تشرين ثاني بمدينة الرباط في المغرب، وفي حينها كانت رئيسة وزراء الاحتلال جولدا مئير تنتظر نتائج مؤتمر الدول الاسلامية والعربية وتخشى من إعلان هجوم على دولة الاحتلال، وبعد ظهور القرارات، تجرأ الاحتلال بعدها على المسجد الأقصى، علما ان جولدا مئير كانت ذكرت بانها كانت قبل المؤتمر تخشى من حرب قادمة ضد اسرائيل بسبب الحريق”.
ويقول الدكتور صبري بأنه “تم لاحقا إحضار منبر صلاح الدين عام 2007م، وأعلنت الأوقاف أنها أكملت الترميميات الخاصة بالحريق منذ عام 1969 حتى عام 2007 بإحضار المنبر، وكنت أول من ألقى خطبة الجمعة، وذكرت المسلمين في العالم بأن المسجد الأقصى عاد إليه منبر نور الدين زنكي، الذي احضره صلاح الدين بعد 17 عاماً من صناعته، وبقي مركوناً في مدينة حلب طوال فترة احتلال مدينة القدس، وتم إحضاره بعد التحرير على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي، وان الأقصى والقدس تحتاج إلى تحرير”.
وفي ظل الذكرى المشؤومة، يقول صبري :” نحن كمقدسيين ومرجعيات اسلامية، لم نرفع الراية البيضاء، فقد كان هناك ترميم للمسجد القديم اسفل المسجد القبلي، وترميم المسجد المراوني وفتح مبنى باب الرحمة، ورفض البوابات الالكترونية، ورفض التعاطي مع محاكم الاحتلال، بالرغم من حملات الابعاد والاعتقال والاقتحامات التي بدأت تطبق موضوع التقسيم المكاني والزماني. نحن في القدس نعتمد على الله ثم على أنفسنا في حماية المسجد الأقصى في ظل الظرف الحالي”.
وأضاف: “الشرطة الإسرائيلية تهيمن على الأبواب، وتمنع الترميم، وتسحب صلاحيات مديرية الوقاف، والعرب والمسلمون لا يدعمون القدس في مؤتمرات القمة إلا بالفتات والنزر اليسير، بينما يهود العالم يدعمون جماعات الهيكل بالملايين وبدون سقف”.