قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن “الصهيونية الدينية” في اسرائيل تركز اهتمامها على وزارات تطلق من خلالها موجة جديدة من النشاطات الاستيطانية.
فقد فاز تسعة من المستوطنين بعضوية الكنيست الخامس والعشرين في اسرائيل، سيدخل ستة منهم إلى مبنى الكنيست بفضل الإنجاز الانتخابي غير المسبوق لحزب فاشي هو حزب “الصهيونية الدينية” بزعامة كل من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، واللذان يعيشان في مستوطنتين في أعماق الضفة، الأول في “كدوميم” على اراضي محافظة قلقيلية، والثاني في “كريات اربع” على اراضي مدينة ومحافظة الخليل، وقد فازا ببرنامج انتخابي واضح عنوانه “استيطان وسيادة”.
وحسب مصادر اعلامية اسرائيلية فمن المتوقع أن تطالب “الصهيونية الدينية” بوزارات حكومية تساعدهم على تحقيق أهدافهم، والوزارة الأكثر أهمية في هذا السياق هي وزارة الدفاع، فوزير الدفاع هو العامل الحاسم في المواضيع التي تتعلق بكل مناحي الحياة في الضفة الغربية، وهو أيضا الجهة التي تصادق على عقد اجتماعات مجلس التخطيط الأعلى، الجسم المسؤول عن إعطاء رخص البناء في المستوطنات، وفي “الصهيونية الدينية” يخطط نوابها الى الكنيست كما يبدو لعقده بشكل متواصل بعد شكوى مجلس المستوطنات “يشع” من قلة اجتماعاته.
كما أن وزارة المواصلات أيضا توجد في مرمى الهدف، حيث إن فترة سموتريتش كوزير للمواصلات أثمرت عن استثمار غير مسبوق في البنى التحتية في الضفة، خاصة تخطيط الشوارع والطرق الالتفافية التي توفر للمستوطنين في ما يسمى المستوطنات المعزولة مرورا آمنا بدون المرور من وسط التجمعات السكانية الفلسطينية، حيث ركز سموتريتش في حملته الانتخابية، ضمن أمور أخرى، على الوعد بأن هذه الاستثمارات ستعود من جديد، واكد مضاعفة عدد المسارات في بعض شوارع الضفة، مثل شارع 60 وهو الشارع الرئيسي في الضفة، والعمل على توسيع جزء من هذه الشوارع بدأ عندما كان يشغل منصب وزير المواصلات وهو مستمر أيضا حتى الآن.
إضافة إلى ذلك، يتوقع أن تطالب الصهيونية الدينية بوزارة الإسكان والبناء، الوزارة المسؤولة عن مناقصات البناء في المستوطنات الكبيرة، وحقيبة الداخلية التي تعطي السيطرة على ميزانيات المجالس الإقليمية، والأهداف التي احتلت حيزا مركزيا في البرنامج الانتخابي “للصهيونية الدينية” في كل ما يتعلق بالمناطق التي توجد خلف الخط الأخضر، هذا الى جانب وقف البناء والزراعة للفلسطينيين في مناطق المصنفة وفي الاتفاقيات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي مناطق “ج” وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية.
“المعركة على مناطق (ج)” كما يسمون ذلك في “الصهيونية الدينية” ستوجه لوقف البناء الفلسطيني في هذا الجزء من أراضي الضفة التي توجد تحت السيطرة الأمنية والمدنية لسلطات الاحتلال، وتسري فيها قوانين البناء والتخطيط الإسرائيلية، ونوابها ينوون الدفع قدما بخطة لتوسيع البناء في المستوطنات وإجراء إحصاء سكاني في أوساط السكان الفلسطينيين في مناطق “ج”، والإحصاء السكاني يجري التخطيط له كخطوة مسبقة للضم وهو يهدف إلى التأكد من أن الفلسطينيين الذين لا يعيشون في مناطق “ج” لا يمكنهم الانتقال إليها بعد استكمال عملية الضم.
ويظهر هذا كهدف في برنامج الحزب الانتخابي، ففي الطريق إلى تحقيق الهدف يريدون إغلاق الإدارة المدنية، الجسم الذي يدير الحكم العسكري في الضفة، ونقل الصلاحيات للوزارات الحكومية ذات العلاقة في كل ما يتعلق بشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية، وسوف يعملون للدفع قدما بما يسمى قانون “نسيج الحياة” الذي يضع جدولا زمنيا لتسوية أوضاع البؤر الاستيطانية في فترة لا تتجاوز اربع سنوات، يتم خلالها ربطها بالبنى التحتية، كما يطمح نواب هذه الكتلة المتماسكة في الكنيست إلى الدفع قدما بموضوع الكهرباء الذي سيسمح بالربط الفوري للبؤر غير القانونية بشبكة الكهرباء.
وهذا الأمر تمت صياغته في فترة الحكومة المنصرفة، بعد أن اشترط عضو الكنيست نير أورباخ من حزب (يمينا) دعمه بقانون يمكن من ربط بالكهرباء وحدات سكنية بنيت دون ترخيص في مستوطنات قانونية، والدفع قدما بأمر مواز يسري على البؤر الاستيطانية في الضفة.
وفي السياق وفي الأيام التي يتم فيها تشكيل حكومة يمينية جديدة، مع أجندة واضحة لتعزيز البناء الاستيطاني في الضفة الغربية تقدمت بلدية مستوطنة “معاليه أدوميم” (شرق القدس المحتلة) بالتماس إلى المحكمة المركزية بالقدس، للمطالبة بتنفيذ مخطط بناء حي استيطاني جديد في منطقة (E1)، التي تربط شمال الضفة بجنوبها، والذي تم تجميده بضغط من الولايات المتحدة.
ويأتي هذا الالتماس في إطار الضغط على الحكومة الإسرائيلية القادمة من خلال النواب المستوطنين تحديدا، ومعروف ان المنطقة التي يجري الحديث عنها تصل مساحتها الى نحو 12 كيلومترا مربعا، وقد ضُمّنت في الحدود البلدية للمدينة في تسعينيات القرن الماضي”، وتم اقرار المخطط الهيكلي للبناء الاستيطاني في المنطقة في العام 1998، كما تم إعداد مخططين تفصيليين لتنفيذه، إلا أنهما لم يُنشرا إلا في شباط 2020 حيث من المقرر أن تُبنى ثلاثة آلاف و500 وحدة استيطانية في هذه المنطقة المعروفة باسم (مبشرت أدوميم)”.
وعلى صعيد آخر، تلقّت جمعية “إلعاد” الاستيطانية 28 مليون شيكل من حكومة الاحتلال لدعم مشاريعها الاستيطانية والتهويدية في حي وادي الربابة ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، بهدف تغيير طابع الأرض والاستيلاء عليها بحجة “البستنة”، ويخدم المشروع التهويدي تطوير المنطقة المقدسية سياحيًا لصالح المستوطنين، وعلى حساب أصحاب الأرض الأصليين وسلب حقوقهم ومصادرة أراضيهم وعقاراتهم في بلدة سلوان، وطردهم منها.
وتعتبر جمعية “العاد” الاستيطانية من أغنى الجمعيات غير الحكومية في اسرائيل وتشرف على نحو 70 بؤرة استيطانية تقع أغلبها في منطقة وادي حلوة، وتنفذ من أجل زيادة هذه البؤر تحايلات قانونية ومالية ضخمة للاستيلاء على عقارات المقدسيين، كما تُمول الحفريات في عدة مناطق بالقدس المحتلة.
وقد تلقت هذه الجمعية الاستيطانية الأموال العامة من خلال ثلاث جهات رسمية في دولة الاحتلال هي: “وزارة تنمية القدس والتراث، بلدية القدس، وهيئة تنمية القدس”.
ومن أصل 28 مليون شيكل حصلت عليها الجمعية، تم تحويل نحو 20 مليون شيكل إليها لغرض إعداد الميزانية لبناء جسر المشاة، كما تلقت هذه الجمعية الاستيطانية أربعة ملايين شيكل إضافية من هيئة تنمية القدس لمشروع الحفاظ على كهوف الدفن، بالإضافة إلى ذلك، حوّلت البلدية نحو اربعة ملايين شيكل إليها من أجل تطوير المنطقة.
وكانت بلدية الاحتلال قد شرعت مؤخرا بالتعاون مع شركة هندسية إسرائيلية بالعمل على بناء “جسر سياحي معلق للمشاة” بطول 200 متر فوق أراضي حي وادي الربابة، لتسهيل وصول المستوطنين المتطرفين إلى منطقة حائط البراق وباب المغاربة، وفي عام 2020، وقعت الجمعية و”هيئة الطبيعة والمتنزهات” الإسرائيلية اتفاقية لتطوير منطقة الوادي في سلوان، ومُنحت “إلعاد” بموجب الاتفاقية صلاحيات واسعة للعمل والنشاط في منطقة الوادي وتخوم “الحديقة الوطنية”، وتعهدت بإقامة مصاطب وترتيب مسارات وزراعة نباتات وإنشاء مزرعة استيطانية، وذلك كمشروع “تعليمي تجريبي”.
الى ذلك، تتنوع اشكال اللصوصية في السيطرة على الارض الفلسطينية، ففي القدس شرعت سلطات الاحتلال بتحويل قطعة أرض كانت تستخدم موقفا للمركبات إلى مقبرة بوضع “القبور الوهمية”، حيث يجري زرع القبور الوهمية في قطعة أرض تقع بين حي وادي حلوة ووادي الربابة، وبدأت أعمال تسوية الأرض ووضع الأتربة الحمراء والحجارة الضخمة في المكان، إضافة الى تعليق يافطة باللغتين العربية والعبرية تحمل اسم المقبرة، وتهدد بفرض غرامات مالية في حال “إلقاء النفايات في الموقع”.
وشرعت مع بداية الألفية بزراعة القبور في منطقة وادي الربابة، ثم امتدت زراعة القبور الى مناطق أخرى وصولا الى حي وادي حلوة، حيث يتم العمل الآن، وتعتبر زراعة القبور الوهمية هذه وسيلة تتبعها المؤسسة الإسرائيلية والجمعيات الاستيطانية لمصادرة ووضع اليد على الأراضي الفارغة والمسطحات في القدس وتحديدا في بلدة سلوان، وبالتالي منع السكان من الانتفاع بالأراضي واستثمارها والبناء فيها، وعرقلة تطوير الأحياء المقدسية.
اما في محافظة الخليل، فقد اعادت مجموعة من المستوطنين المتطرفين بناء بؤرة استيطانية قديمة في منطقة البويرة شرق مدينة الخليل، على ارض تسمى المنطقة رقم 18 وتعتبر احد اهم اهداف المستوطنين للسيطرة على جبال ومنطقة البويرة لتوسيع ما يسمى مستعمرة “كريات اربع”حيث يحاول المستوطنون عزل منطقة البويرة عن محيطها من اجل طرد سكانها وتوسيع حدود مستوطنة “كريات اربع” على حساب الفلسطينيين.
وفي الأغوار الشمالية، شرع مستوطنون بحراثة أراض في منطقة العويسات شرق خلة مكحول تزيد مساحتها على مائة دونم، تمهيدا للاستيلاء عليها وزراعتها.
ووفقا لمصادر المكتب الوطني، فإن هذه الأراضي مملوكة بالطابو للمواطنين، لكنهم لا يتمكنون من الوصول إليها منذ عشر سنوات بسبب ممارسات الاحتلال ومستوطنيه.
وفي إطار الترتيبات لبناء ميليشيات مسلحة في المستوطنات، تجري عملية عسكرة التجمعات الاستيطانية بطرق وأشكال مختلفة لتطال مختلف الشرائح في المجتمع الاسرائيلي خاصة في المستوطنات بتشجيع من سلطات الاحتلال، وقد ارتفع عدد طلبات التصاريح لحمل السلاح التي قدمت من النساء في المستوطنات بحجة تصاعد عمليات المقاومة المسلحة وتدهور الأوضاع الأمنية في الضفة، الأمر الذي ساهم في زيادة الدفاعية لدى النساء في المستوطنات لتقديم طلبات للحصول على تراخيص لحمل السلاح، وكذلك التدريب على استخدامه، حيث تم تسجيل طلبات قياسية وغير مسبوقة، وعلى مدار العامين الماضيين نظمت في مستوطنات الضفة دورات خاصة للنساء للتدريب على استعمال السلاح، كما أقيمت دورة خاصة في مستوطنة “كريات أربع” لتحسين مهارات استعمال السلاح بصفوف النساء، وشاركت بالدورة زوجة عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير.
وأنخرط في دورات التأهيل على استخدام السلاح عشرات النساء من المستوطنات، حيث حصلن أيضا على إرشادات وتعليمات حول كيفية التصرف خلال حالة الطوارئ، وهذه الدورات للتدريب على استعمال السلاح يتم تمويلها من قبل جمعية استيطانية، كما أن الدورات تنظم بالمجان.
وفي تطور لافت وتحت سمع وبصر السلطات في الولايات المتحدة الاميركية، أعلنت جمعية اميركية تدعم الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس عن حملة تسمى “خارطة طريق المليار دولار للعقد القادم” والتي يتطلع فيها إلى جمع مليار دولار من المانحين الأميركيين للمساعدة في ربط “الجيل القادم” من الأميركيين بإسرائيل من خلال “بناء المجتمع في محيط إسرائيل”.
وفقًا لـموقع المنظمة، اعتبر المؤتمر نقطة انطلاق لجمع المزيد من الأموال لدعم أهدافه المتمثلة في توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، وقد تظاهر العشرات من مناصري القضية الفلسطينية أمام مقر انعقاد المؤتمر الوطني للصندوق القومي اليهودي في مدينة بوسطن في ولاية ماساشوستس الأميركية، مطالبين بإغلاق مؤسسات أميركية تمول الاستيطان.