تقرير وكالة وفا
سجلت فلسطين تجربة ناجحة جدا في برنامج التطعيم الوطني، إذ وصلت نسبة تطعيم الأطفال ضد الأمراض المعدية أكثر من 99%، الأمر الذي ساهم في تقوية مناعة الأطفال والتقليل من عدد الزيارات للمستشفيات، بسبب العدوى.
ويعتبر برنامج التطعيم في فلسطين من أفضل البرامج في الإقليم، وأكثره احتواءً للتطعيمات، ونسبة تغطيته من أفضل النسب في العالم، وليس على مستوى الإقليم فقط.
وانطلق البرنامج منذ نهاية ستينيات القرن الماضي وبداية السبعينيات، بمطاعيم بأعداد قليلة، ومع تطور تصنيع التطعيمات، أضيفت أنواع جديدة، كما يتم التحديث بشكل مستمر عليها، ويهدف ذلك إلى تقليل نسبة الإصابة بالأمراض والوفيات، وتشكيل وقاية للأطفال، وتخفيف العبء الاقتصادي الناجم عن تكاليف علاج الإصابات بالأمراض.
وأولت السلطة الوطنية الفلسطينية منذ مجيئها أرض الوطن عام 1994 موضوع الصحة العامة اهتماما حقيقيا، إذ إنه يغطي معظم الأمراض التي يمكن الوقاية منها بوساطة التطعيم، سواء كان على مستوى التطعيم ضد مرض السل، أو التطعيم ضد الحصبة والحصبة الألمانية، أو التهاب الكبد الفيروسي، والدفتيرتا، والنكاف، وأمراض السحايا التي قد تصيب الأطفال.
نجح البرنامج في التخلص من العديد من الأمراض، فمنذ عام 1988 تخلصت فلسطين من مرض “شلل الأطفال”، وفي عام 1990 تخلصت من مرض “التسمم الوليدي”، والتهاب الكبد الفيروسي ب، والكزاز والسل والسحايا والعديد من الأمراض الرئوية والتسممات، والحصبة الألمانية، والحصبة المسببة للتشوهات الخلقية وغيرها.
وساهمت التطعيمات في توفير الوقاية والتحصين المجتمعي ضد الأوبئة، الأمر الذي خفف من استهلاك المضادات الحيوية التي تتسبب بمضاعفات عبر الزمن.
برنامج التطعيم الوطني يحمل جذورا تاريخية
وحسب مدير الطب الوقائي في وزارة الصحة ضياء حجيجي: “ما يميز برنامج التطعيم الوطني الفلسطيني أنه يحمل جذوراً تاريخية، وكان لوزارة الصحة دور كبير في الحفاظ على هذا البرنامج، من خلال توفير المطاعيم، وكل مستلزماتها سواء من تخزين، أو نقل، إضافة إلى أن عملية إعطاء المطاعيم تتم بطريقة آمنة ومميزة، عبر كوادر صحية مدربة بشكل ممتاز، من أجل إعطاء المطاعيم ومتابعتها”.
وأضاف: “هناك توعية صحية للمواطنين تقوم بها الوزارة بهذا الخصوص، وخلق ثقة مطلقة ببرنامج التطعيم، وأصبح الأهالي متجاوبين معه، لعلمهم بمدى أهمية التطعيمات للأطفال، وحقق ذلك نسبة تغطية شاملة تكاد تصل إلى 100%”.
ولفت إلى أن هذا البرنامج ليس موجوداً في كل دول إقليم شرق المتوسط، ولنه موجود في عديد الدول، غير أن لدى البرنامج الفلسطيني عمقا تاريخيا، والأمراض المنتشرة والأوبئة منخفضة بشكل كبير، والتي يمكن الوقاية منها بالتطعيم.
وتفخر “الصحة” على لسان مدير عامة صحة جنين وسام صبيحات، بأن هذا البرنامج يعد من أفضل البرامج مقارنة بالدول المحيطة، ومن بعض بلدان دول العالم، ويسير بخطى ثابتة وواضحة، فهو برنامج كامل متكامل، ويغطي نسبة كبيرة جداً من الأوبئة لحماية الأطفال في فلسطين.
التطعيم في فلسطين.. ثقافة وطنية
ويملك أبناء شعبنا وعيا كافيا في تطعيم الأطفال، والنسبة الموجودة في فلسطين تدلل على هذا الشيء، مقارنة بدولة الاحتلال الإسرائيلي التي لا تصل فيها نسبة تغطيتها إلى 75%، ويعود ذلك بسبب رفض شريحة واسعة أخذ التطعيم، لعدة اعتبارات.
ويؤكد صبيحات، أن قانون الصحة العامة في فلسطين يُلزم المواطنين ببرنامج التطعيم، غير أن المواطن ليس بحاجة إلى إلزام وزارة الصحة، بسبب القناعة والثقافة لدى الأهل بأن أطفالنا يأخذون التطعيم حسب الأصول، وبكميات مطلوبة، وفقا لبرنامج التطعيم الوطني.
وتشير إلى أنه في حالات نادرة جداً حدث مرة أو مرتين أن رفض بعض المواطنين التطعيم، ولكن عدلوا عن ذلك بعد جهود توعوية قمنا بها بأهمية التطعيم لحماية أطفالنا من تعرضهم للأمراض والأوبئة والأمراض المعدية، وأهمية ذلك لحماية الصحة العامة.
لجنة خاصة للتطعيمات
منذ عدة سنوات، أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني قراراً بتبني برنامج التطعيمات الوطني، وأن يكون شراء اللقاحات عبر نفقة وزارة الصحة، من خلال لجنة تقوم بدراسة الوضع الصحي.
ووضح صبيحات أنه في حال كان هناك خطر حقيقي على الأطفال، فإن اللجنة تبدأ بالتخطيط من أجل حمايتهم، وإذا كان هناك لقاح جديد فإنه يجب إدراجه ضمن برنامج التطعيمات الفلسطيني، ومتابعة ذلك مع منظمة الصحة العامة إن كان معتمداً وموافقا عليه، وفق الشروط والمواصفات العالمية.
شمولية البرنامج
يشمل برنامج التطعيم يوضح حجيجي، الأطفال من لحظة ولادتهم حتى عمر السنتين، والذين يتلقَّون مطاعيهم الروتينية في مراكز الرعاية الأولية، وأيضاً طلبة المدارس عند دخولهم المدرسة، وفي المرحلة الإعدادية من أجل الوقاية من شلل الأطفال، والتسمم الوليدي وعدة أمراض أخرى.
وتتابع: هناك برنامج تطعيم لمن يتعرض لعضة من حيوان بري، ويُعطى الشخص التطعيم خوفاً من داء الكلب، وتطعيمات ضد الحمى الصفراء للمسافرين إلى مناطق موبوءة ينتشر فيها المرض، والتطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية، ويتم فيها تطعيم المواطنين من نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر حتى شهر آذار/ مارس، وأيضاً التطعيمات ضد التهاب الكبد الفيروسي لكبار السن، إضافة إلى مجموعة أخرى من التطعيمات.
الاعتماد على المصادر الموثوقة
تعتمد الصحة الفلسطينية على المصادر الموثوقة، إذ تأخذ الطعومات المعتمدة من منظمة “اليونسيف”، ومنظمة الصحة العالمية، كونها لا تعتمد أي لقاح إلا بعد خضوعه لعدة تجارب، كما أن هذه اللقاحات تأتي من المصدر الرئيسي، وليس من خلال وسطاء.
وشدد صبيحات على أنه لا يوجد أي لقاح يُعطى في فلسطين، إلا ويكون مطابقا للمواصفات العالمية والمحلية كافة، ومعتمدا من منظمة الصحة العالمية.
تخفيف العبء الصحي والاقتصادي
خفف برنامج التطعيم الوطني العبء على وزارتي الصحة والمالية من تكاليف العلاج، ومن خلاله تراجعت نسب الإصابة ببعض الأوبئة، وقللت من الدخول إلى المستشفيات.
ولفتت إلى أنه في فترة من الفترات، كان هناك انتشار كبير للمكورات الرئوية، لكن بعد إدراج تطعيمات لمكافحته انخفض بشكل كبير، وخفف الضغط على المستشفيات، ومن العبء الاقتصادي أيضاً.
وتشير إلى أن هناك برنامجا يُعمَل به منذ سنوات في وزارة الصحة تحت اسم: “برنامج استئصال شلل الأطفال”، فلم تسجل أي حالة منذ عشرات السنوات، كما أن هناك انخفاضا كبيرا في مرض “السل”، فكان في السابق يسجل إصابات كثيرة، لكن منذ سنوات تسجل حالات تعد على أصابع اليد في مختلف محافظات الوطن.
إضافة إلى أن هناك انخفاضا كبيرا جداً في معدل الإصابة بمرض الكبد الوبائي، وأيضاً مرض “القزاز” الذي كان قبل سنوات طويلة منتشرا بين المواطنين، غير أنه لم يعد موجوداً في هذه السنوات بفضل برنامج التطعيمات.
معيقات الاحتلال
تواجه “الصحة” معيقات من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في حالة اضطرت إلى شحنها من المطارات الموجودة حصراً داخل أراضي 48، إذ إن عملية التخليص والشحن تأخذ وقتاً طويلا وبتكلفة مالية باهظة، وأما التنقل بين المحافظات فإنه يتم بوساطة مركبات مبردة، الأمر الذي يقلل من المخاطر الناجمة عن الإغلاقات أو الحواجز العسكرية الإسرائيلية.
ومن أجل تجاوز عراقيل الاحتلال، فإن وزارة الصحة توفر مخزونا احتياطيا في العيادات الصحية، حتى لا يحدث أي خلل في إعطاء التطعيمات، والتي تزودها بكميات تكفيهم لفترة تصل إلى أسبوعين، ورغم كل المعيقات، فإنها وفرت المطاعيم في الوقت المناسب للأطفال.
ـــ