طيلة الأيام الماضية تصدر خبر محاولات إسرائيل المستمرة إجبار الفلسطينيين بقطاع غزة على النزوح والفرار تجاه مصر، تمهيداً لتوطينهم في سيناء، تصدر وسائل الإعلام العالمية، وخرجت تسريبات بوجود خطة منسوبة لجهات إسرائيلية، تتضمن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
وكشفت الخطة عن نقل المدنيين في قطاع غزة الفلسطيني البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى “مخيمات” في شبه جزيرة سيناء المصرية ثم بناء مدن دائمة وممر إنساني.
وردت مصر على ذلك المخطط بالرفض التام على لسان مسؤوليها، حيث أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحافي من شمال سيناء، أول أمس الثلاثاء، أن مصر مستعدة لبذل ملايين الأرواح كي لا يقترب أحد من أي ذرة رمل في سيناء، موضحا أن بلاده لن تسمح أبدا أن يُفرض عليها أي وضع ولن يسمح بحل أو تصفية قضايا إقليمية على حسابها.
وقبل ذلك أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وخلال مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني أولف شولتس قبل أسبوعين، أن ملايين المصريين مستعدون للتظاهر تعبيرا عن رفض تهجير الفلسطينيين من غزة، معلنا أن بلاده فيها 105 ملايين مواطن، والرأي العام المصري والعربي يتأثر ببعضه، وإذا استدعى الأمر أن يطلب من المصريين الخروج للتعبير عن رفض هذه الفكرة فسيخرجون.
وأكد السيسي أن مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية عن طريق تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مقترحا نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب بدلا من سيناء حتى لا تنجر مصر لصراع مع إسرائيل.
ومساء أمس الأربعاء أكد أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة العربية، وخلال تدوينة على صفحته على موقع “إكس” (تويتر سابقا) أن معركة التهجير القسري للفلسطينيين يبدو أنها ستكون معركة طويلة وتحتاج إلى تضامن عربي مكثف لإحباط المخططات الشريرة التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية.
هنا بات السؤال ما هي قصة ذلك المخطط الذي تسعى إسرائيل لتنفيذه؟ وكيف واجهته مصر طيلة السنوات الماضية؟ وما خطورته؟
حسب ما تؤكد مصادر مصرية لـ”العربية.نت”، فإن المخطط قديم وبدأ التفكير فيه منذ بداية السبعينيات، حيث سعت تل أبيب لترحيل الآلاف من فلسطينيي غزة إلى شمال سيناء، لكنه توقف بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، ونجاح مصر في استعادة أراضي سيناء.
وبحسب المصادر، فإن المشروع أعيد التفكير فيه بصورة أخرى جدية في بداية العام 2000، حيث اقترح الجنرال الإسرائيلي غيورا إيلاند، الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي، تطوير المقترح -الذي سُمى باسمه- تنفيذ المخطط اعتبارا من العام 2005.
وفي تسريب صوتي للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، أكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو جدد له اقتراح توطين الفلسطينيين في سيناء لتخفيف العبء والتكدس السكاني في قطاع غزة.
وقال مبارك إن نتنياهو التقى به وكان معه خريطة، وتحدثا في عدة أمور، وفوجئ بنتنياهو يقول له إنهم يرغبون في نقل الفلسطينيين إلى هذه المنطقة، مشيرا بيده إليها على الخريطة، ليضيف مبارك أنه اكتشف أن المنطقة المشار إليها هي سيناء.
وأوضح مبارك أن نتنياهو كان يهدف من عرض الاقتراح جس نبضه، ولذلك واجهه بحسم، وقال له “لقد حاربنا من أجل هذه الأرض، ما تقوله سيتسبب في حرب جديدة بيننا وبينكم”، فرد نتنياهو قائلا “لا نريد حربا جديدة”، وأغلق الملف.
وفي العام 2018، وفي كلمة له أمام المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله، كشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن أنه رفض عرضًا من الرئيس المصري الإخواني الأسبق محمد مرسي بالحصول على قطعة من سيناء لتوطين الفلسطينيين بها.
وقال إنه خلال تولي جماعة الإخوان الحكم، في عهد محمد مرسي، عرض عليه مرسي الحصول على قطعة من سيناء وتم الرفض لكون المشروع إسرائيليا، ويهدف لتصفية القضية الفلسطينية تماما.
وأكد عباس أنه أبلغ مرسي أن الفلسطينيين لن يقبلوا ذلك، ولن يتركوا أرضهم، ويعيشوا على أراضي الغير.
وكشف أبو مازن أن مشروع توطين الفلسطينين بسيناء كان مطروحا للتشاور بين حركة حماس وإسرائيل لاقتطاع 1000 كيلومتر من أراضي سيناء لتوسيع غزة، لكنه رفض المشروع قائلاً: “لن نأخذ أي سنتيمتر واحد من أرض مصر”.
وذكر أبو مازن أن مرسي عاتبه على رفض العرض، وقال له باللهجة المصرية العامية: “وانت مالك انت.. هتاخد أرض وتوسع غزة”، موضحاً أن وزير الدفاع المصري آنذاك الفريق أول عبدالفتاح السيسي أصدر قراراً بأن أراضي سيناء أمن قومي ووطني وأغلق هذا المشروع.
ما هو إذن هذا المشروع الملقب بـ”غيورا إيلاند”؟
تفاصيل المشروع تتضمن مضاعفة مساحة غزة ثلاث مرات، وذلك بضم 600 كيلومتر مربع أو أكثر من سيناء لتوطين الفلسطينين بقطاع غزة بها، مع منح قطاع غزة في حجمه الجديد إمكانية إنشاء مطار دولي على بعد 25 كيلو مترا مربعا من الحدود مع إسرائيل، فضلاً عن بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العربية.نت” أن المخطط كان يستهدف اقتطاع مناطق من سيناء تشمل جزءا من الشريط الممتد بنحو 24 كيلومترا على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربا حتى العريش، بالإضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوبا، ومقابل هذه الزيادة تعطي إسرائيل لمصر منطقة جنوب غرب النقب.
السيسي: لا تصفية لقضية فلسطين على حساب مصر.. وعباس: لن نرحل عن أرضنا
مصر
الشرق الأوسطالسيسي: لا تصفية لقضية فلسطين على حساب مصر.. وعباس: لن نرحل عن أرضنا
وقالت المصادر إن الخطة عرضها كذلك دنيس روس، المبعوث الأميركي الأسبق على الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مقابل 12 مليار دولار، ومساحة من الأراضي في النقب، ولكنه رفضها. وجددتها واشنطن وتل أبيب على جماعة الإخوان فور وصولها للحكم مقابل 20 مليار دولار، ووافقوا، لكنها قوبلت بقرارات حاسمة ورافضة من الجيش المصري ووزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسي.
وحسب ما يقول مصدر أمني مصري رفيع المستوى لـ”العربية.نت” فإن مقترح إسرائيل كاد يخرج للنور والتنفيذ فعليا خلال عهد الإخوان، مؤكدا أن القوة الأمنية التي داهمت منزل الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي ليلة القبض عليه، قبل اندلاع أحداث 25 يناير بساعات، وإيداعه مع قيادات الإخوان سجن وادي النطرون كإجراء استباقي، عثرت على ورقة بخط مرسي مكونة من 8 بنود يبدو أنه تلقاها من مسؤول كبير في الجماعة قبل القبض عليه ودونها في تلك الورقة.
وعُثر في الورقة، كما يقول المسؤول الأمني، على سيناريو المخطط الذي كان يستهدفه الإخوان ومن ورائهم من خلال أحداث يناير 2011 تفصيليا، ومنها اقتحام السجون وإخراج عناصر حماس وحزب الله، ومعارك ميدان التحرير، وإقالة الحكومة والإطاحة بنظام حسني مبارك. وكان البندان السابع والثامن مفاجأة حيث تضمن البند السابع دخول عناصر حماس ومواطني غزة سيناء وتوطينهم بها، فيما كان البند الثامن دخول إسرائيل لسيناء.
وتعليقا على ذلك، يقول اللواء دكتور أيمن جبريل، زميل أكاديمية ناصر للدراسات الاستراتيجية والعليا لـ”العربية.نت” إن الأحداث الأخيرة بيّنت للعالم أجمع أن محاولة تصدير فكرة التهجير للفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء أحد المستحيلات في فكر ووجدان الشعب المصري قيادة وجيشا وشعبا، وأن ذلك يمثل مسألة حياة أو موت للدولة المصرية، كونه يمس الأمن القومي المصري بصفة مباشرة.
مصر: مستعدون للتضحية بملايين الأرواح مقابل حبة رمل بسيناء
وقال إنه يجب التأكيد على أن فكرة التهجير التي تتبناها إسرائيل والغرب أضحت أهدافا معلنة بعد فضح محاولات تصدير الفكرة بطرق مختلفة وملتوية، سواء بدفع الفلسطينيين للنزوح والاحتشاد أمام معبر رفح والضغط على مصر للدخول ومن ثم التوطين، أو برفض دخول المساعدات لحصار مواطني القطاع وإجبارهم على الخروج منه، مضيفا أن ما يفعله نتنياهو لمحاولة تنفيذ هذا المقترح محاولة منه للخروج منتصرا من الحرب، وكذلك الخروج الآمن له من جرائم الفساد المالي والاداري التي تلاحقه.
وقال جبريل إن المواقف المصرية الأخيرة كشفت أوراق نتنياهو وقامت بتعرية فكرته والتي تقضي بأن أهدف التهجير للشعب الفلسطيني هو حماية المدنيين، وهذا هدف مخفي، إلا أن الدبلوماسية المصرية فضحت ذلك، وكشفت الهدف المعلن وهو تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب المصري، وهو ما لم تسمح به مصر قيادة وشعبا وجيشا سواء الآن أو بعد ذلك.