تجري الرياح بما لا تشتهي… جنيف – 2

20 مايو 2013آخر تحديث :
تجري الرياح بما لا تشتهي… جنيف – 2
تجري الرياح بما لا تشتهي… جنيف – 2

المستعجلون الذهاب إلى «جنيف – 2» سيصابون بخيبة أمل كبيرة، سواء عُقد أم لم يُعقد. لا معنى للمؤتمر الدولي ما لم يكن هناك اتفاق مسبق على نتائجه. اتفاق على تفسير واحد لبنود الخطة التي أقرتها الدول الكبرى في اجتماعها الأول في حزيران (يونيو) الماضي. هذا الاتفاق يبدو غائباً حتى الآن. لذلك، لم يحدد موعد المؤتمر الجديد بعد. ولم تحدد الأطراف التي ستشارك فيه. ولم يُعتمد تعريف واحد وواضح للحكومة الانتقالية «وصلاحياتها الكاملة». وهل تشمل المسائل العسكرية والأمنية؟ وأين موقع الرئيس بشار الأسد ودوره ودور رموز النظام. ومن يمثل المعارضة السياسية والعسكرية، بأطيافها الداخلية والخارجية التي تكاد تخسر قضيتها بتعدد رؤوسها وتشتتها مجموعات.

الحركة المحمومة استعداداً للمؤتمر الدولي تعميها هذه الأسئلة عن وقائع وحقائق وظروف استجدت منذ توافقت الدول الكبرى على «خطة جنيف». لقد دعا الأخضر الإبراهيمي، منذ انطلاق مهمته، إلى مبادرة دولية ينخرط فيها المتصارعون السوريون طوعاً أو رغماً عنهم. لأنه لمس عجز هؤلاء عن الجلوس إلى طاولة الحوار بحثاً عن تسوية. ومنذ ذلك التاريخ تغير الكثير مما فاقم الاستعصاء وعزّز اقتناع المتحاربين بالقدرة على الحسم العسكري… مهما طال الزمن. واتسعت جبهات الميدان إلى قوى الإقليم كلها، حتى بات شيئاً من الوهم أن يعتقد وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف بأن الحكومة الانتقالية هي بداية الطريق إلى التسوية السياسية، أو بأن اختيار النظام وزير خارجيته وليد المعلم وتعويل الأميركيين على قائد «الجيش السوري الحر» اللواء سليم إدريس، ممثلين لبدء تطبيق بنود التسوية، هو الإنجاز الكبير!

التسوية التي يهندس لها الوزيران تبدو شبه مستحيلة. بعد كل هذا التشظي للبلاد والدمار والقتل والمذابح والتهجير، يخشى ألا يبقى مجال لقيام حكومة مركزية لئلا نقول دولة مركزية. ووسط هذا النهر من الدماء والأحقاد والتجييش المذهبي لن يكون سهلاً الحديث عن إعادة اللحمة إلى الجيش والأجهزة الأمنية. ولن تكون قوة حفظ السلام التي تعدها الأمم المتحدة، مهما كان حجمها، قادرة على فرض وقف النار أو ضمان الاستقرار. قد تستطيع الحفاظ على حدود الخريطة الديموغرافية الجديدة التي رسمتها الحرب الطاحنة، والتي تذكر بالدويلات الأربع التي رسم حدودها الانتداب الفرنسي في عشرينات القرن الماضي… والتي تشبه ما يخطو نحوه العراق حيث يبلور سنّته إقليمهم الذاتي، بعد كردستان، بعيداً من الحكومة المركزية «الشيعية». أي أن السوريين قد يجدون أنفسهم أمام أمر واقع لا مفر منه قد يدفع بهم مرغمين نحو نوع من الكونفيديرالية في أحسن الأحوال، ما لم تتحول البلاد إلى ما كانت عليه الصومال قبل سنوات تتوزع أنحاءها مجموعات متناحرة تعيث فيها دماراً وإرهاباً.

direct rx deal viagra generic. من هنا، تعاند أطياف واسعة في المعارضة الدخول في أي تسوية في الظرف الراهن قبل أن يتبدل ميزان القوى على الأرض، الأمر الذي يسهل التفاوض على تغيير النظام وليس رحيل رأسه فحسب. لأنها تدرك جيداً أن موسكو لا يعنيها بقاء الرئيس الأسد بمقدار ما يعنيها بقاء النظام. من هنا، إصرارها على عدم شمول صلاحية الحكومة الانتقالية المسائل العسكرية والأمنية، وتلويحها بتسليم دمشق منظومة صواريخ «إس 300» لتبقى لها الغلبة. لذلك، تستعد المجموعات المقاتلة لرفع وتيرة المواجهة في دمشق المرشحة للصعود في الأسابيع المقبلة، إذا قيض لها السلاح المطلوب، من أجل زعزعة أركان الدولة وتشتيت القوات النظامية وفرض شروط التسوية وعلى رأسها تنحي الرئيس والمجموعة التي تدير الحرب تمهيداً لانتقال سلمي للسلطة.

حتى الآن ليس ما يشير إلى تبدل سريع في الموقف الأميركي أو الأوروبي من موضوع تسليح المعارضة، أو فرض حظر للطيران أو إقامة ملاذات آمنة. لم تفصح واشنطن بعد عن سياسة جديدة حيال سورية. وإذا كانت هناك خطة مختلفة ليس ما يشير إلى سبل تنفيذها وتوقيت هذا التنفيذ، وإن كان بعضهم يتوقع ذلك مطلع الخريف، بعد أن تكون انتظرت عبور استحقاقات على رأسها «جنيف – 2» والقمة المتوقعة بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، والانتخابات الرئاسية في إيران، وقبل هذا وذاك التفاهم مع موسكو على عدد من الملفات. يتجاوز الأمر مسألة الجدال في مدى صدقية الرئيس الأميركي الذي لم ينفذ تهديده بعدما تجاوز الرئيس الأسد «الخط الأحمر». الأهم من ذلك بالتأكيد هو كيف يمكن أن تحقق الولايات المتحدة مصالحها في هذا الصراع، وأن تحدد الوسائل لتحقيق ذلك.

راعت واشنطن، منذ اندلاع الأزمة، موقف موسكو واعترفت لها بمصالحها في سورية. وتسلم لها بدورها في هذا البلد، يجيء ذلك في إطار الاسترتيجية التي أعلنها باراك أوباما مطلع السنة الأخيرة من ولايته الأولى. وجه الثقل الأميركي إلى المحيط الهادئ. من دون أن يقلل من اهتمام بلاده بالشرق الأوسط. أن يبالغ في مراعاة الموقف الروسي يعني الرهان على ثمن مقابل بدعم مواقفه في المواجهة مع الصين، وفي الملف النووي الإيراني. وليس آخرها التفاهم على مستقبل الأوضاع في وسط آسيا بعد الانسحاب من أفغانستان، إلى ملفات أخرى كثيرة.

لذلك، لم تنجح حتى اليوم كل المحاولات لدفع الرئيس أوباما إلى تغيير موقفه حيال سورية. لن يقدم على أي خطوة قبل جلاء صورة الصفقة التي يريد مع موسكو التي عرفت حتى الآن كيف تدير اللعبة وتفرض شروطها. فإذا كان «أصدقاء سورية» يستعد بعضهم جدياً لمد مجموعات محددة من المعارضة بالسلاح، أو الإعداد لمنطقة حظر جوي، فإن روسيا التي نفت قبل أسبوعين نيتها تزويد سورية بأسلحة متطورة، انبرت في الأيام الأخيرة للتلويح بصفقة صواريخ «إس 300». وهي بذلك تصيب أكثر من هدف بحجر واحد: تمارس ضغوطاً لمنع تسليح المعارضة أو إقامة ملاذات آمنة أو فرض مناطق حظر طيران. وتحذر إسرائيل من مواصلة غاراتها. كأن روسيا تنتقم من كل الأطراف، خصوصاً الإسلاميين المعتدلين والجهاديين الذين حولوا أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي ناراً تحت أقدام الاتحاد السوفياتي وعجلوا في هزيمته.

ولا تشكل الاعتبارات والوقائع والتطورات في الساحة الداخلية السورية وحدها عقبة في وجه نجاح «جنيف – 2». هناك اللاعبون الإقليميون الذي لا يمكن المهندسين الروسي والأميركي أن يفرضا عليهم ببساطة صيغة التسوية. ففي مقابل اندفاع إيران وحليفيها اللبناني والعراقي إلى الانخراط الميداني في الصراع دفاعاً عن النظام، لم تتوقف دول عربية وإقليمية أخرى عن الانخراط في الصراع أيضاً. وزراء خارجية السعودية والأردن وقطر ومصر والإمارات وتركيا حددوا، في اجتماعهم الطارئ مطلع الأسبوع الماضي، في أبو ظبي، موقف بلدانهم من التسوية. وعنوانه العريض أن لا مكان للرئيس الأسد ونظامه في أي تسوية. هذا الموقف العربي – التركي لا يواجه موقفي روسيا وإيران فقط، بل يوجه رسالة واضحة إلى الدول الكبرى لتدرك أنها لم تعد تملك حرية كاملة في فرض سياساتها ومواقفها وأجنداتها على الدول الإقليمية. أي أن المؤتمر الدولي العتيد سيضطر إلى التوقف أمام هذه المواقف الإقليمية. لا تجري الأمور ولن تجري كما كان يحصل أيام الحرب الباردة. والحرب الباردة التي يتحدثون عنها اليوم اختلفت شروطها وظروفها.

وليست إسرائيل بعيدة عما يجري خلف حدودها الشمالية. وجاءت غاراتها لتؤكد أنها معنية كغيرها بما يحدث. تغيرت سورية بالنسبة إليها. النظام الذي التزم الهدوء التام على حدودها منذ اتفاقية فصل القوات عام 1974 وحتى اليوم، باتت قواته إلى حد ما تحت رحمة الروس والإيرانيين خصوصاً الذين يمدونه بالمال والعتاد والرجال أيضاً. ويكفي هذا أن يُضاف كابوس إلى كابوس الجماعات المتشددة. أي أن قواعد اللعبة في الجولان باتت مختلفة. وهذا ما لا يمكن الدولة العبرية أن تتغاضى عنه. لا يمكنها التسامح حيال إرسال أسلحة إيرانية متطورة إلى «حزب الله» سواء من ترسانتها أو من الترسانة السورية. لا تريد تل أبيب أن تكون طرفاً في الحرب وإن كان خيارها المفضل هو بقاء النظام. لذلك، تكتفي بهذا المقدار من التدخل. لا تريد أن تكون شريكاً في تحديد مصير الأسد. وبعثت برسائل واضحة إلى دمشق بهذا المعنى. لكنها ترى إلى نفسها معنية، مثلها مثل الدول الكبرى بعدم سقوط سورية في أيدي «جماعة النصرة» وما شابهها من قوى. إضافة إلى كونها معنية بعدم تحولها قاعدة ثالثة متقدمة لإيران في المنطقة، بعد لبنان والعراق!

أما حديث دمشق وطهران و «حزب الله» عن فتح جبهة الجولان فلا يلقى لدى إسرائيل آذاناً صاغية أو يحرك هواجس ومخاوف. ونصيبه من التنفيذ نصيب التحذير الذي أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي بني غانتس من خرق الحدود الشمالية، معتبراً أن ذلك يشكل خطاً أحمر. لا يبدي أي من هؤلاء الأطراف استعداداً لخوض حروب جانبية، أو لخرق اتفاقي وقف النار القديم (1974) والجديد (2006).