مفاجــأة الرئيـــس

26 أغسطس 2014آخر تحديث :
مفاجــأة الرئيـــس
مفاجــأة الرئيـــس

أعلن الرئيس أبو مازن أنه سيطرح مفاجأة سياسيّة ديبلوماسيّة غير تقليديّة أثناء لقائه بوزير الخارجيّة الأميركيّة جون كيري خلال زيارته إلى المنطقة نهاية الأسبوع الجاري.

سألت بعض المسؤولين والمطلعين عن المفاجأة، فكانوا يضربون أخماسًا بأسداس حول ما ستحمله المفاجأة، وكانت إجاباتهم: إما أنهم لا يعرفون، أو تكهنوا في فحوى المفاجأة المنتظرة.

هناك من يعتقد بأن الرئيس سيستقيل بالترافق مع تسليم مفاتيح السلطة إلى الحكومة الإسرائيليّة حتى تتحمل مسؤولياتها إزاء الاحتلال، مستندين إلى تهديدات سابقة بهذا الخصوص أطلقها الرئيس وعدد من قيادات السلطة والمنظمة، ولكن هذا الاحتمال مستبعد لأن التهديدات كانت لفظيّة، ومن لم ينفذها في ذروة العدوان الغاشم لن يفعل ذلك مع اقتراب نهاية الحرب. فضلًا عن أن المطلوب ليس حل السلطة وإنما إعادة النظر في شكلها ودورها ووظائفها والتزاماتها وعلاقتها بالمنظمة، بحيث تكون أداة من أدواتها تخدم تحقيق البرنامج الوطني، وليس غاية بحد ذاتها بعد أن تحوّلت إلى وكيل أمني للاحتلال وليس أداة لإنهائه وإقامة الدولة.

وهناك من توقع بأن الرئيس سيقوم بتوقيع الاتفاقات الدوليّة والانضمام للوكالات الدوليّة التي لم يتم التوقيع عليها أو تلك التي لم تنضم إليها الدولة الفلسطينيّة، واستند في ذلك إلى توقيع مختلف الفصائل وأعضاء اللجنة التنفيذيّة للمنظمة والمركزيّة لفتح على رسالة تطالب الرئيس بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدوليّة، وخصوصًا بعد توقيع “حماس” على الرسالة بعد امتناع وتردد استمر أكثر من أسبوعين، فالآن لم يعد للرئيس حجة أو عذر لعدم التوقيع في ظل استمرار الجرائم والمجازر الإسرائيليّة ضد شعبنا في غزة. وهذا الاحتمال مستبعد لأن الرئيس في تصريحاته الأخيرة لمّح إلى أن الأمر مطروح ولكنه بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتشاور مع الأشقاء العرب وغيرهم، والسبب المخفي وراء ذلك أن هناك تهديدات أميركيّة متلاحقة، استمرت طوال العدوان، من مغبة الانضمام إلى محكمة الجنايات الدوليّة وتحذيرات أوروبيّة لم تنقطع.

كما توقع البعض بأن يوقف الرئيس العمل بالالتزامات المترتبة على “اتفاق أوسلو”، خصوصًا التنسيق الأمني، في ضوء ازدياد المطالبة السياسيّة والشعبيّة بذلك، وبعد حصول الدولة الفلسطينيّة على العضويّة المراقبة، وبعد تجاوز إسرائيل لأوسلو كليًا وإفشالها للمفاوضات الثنائيّة وجميع الجهود والمبادرات للتوصل إلى تسوية التي كانت آخرها “مبادرة كيري”. وفي نفس السياق يمكن أن يجدد الرئيس المطالبة الفلسطينيّة بالحماية الدوليّة ويلجأ إلى الأمم المتحدة لوضعها أمام مسؤولياتها إزاء إنهاء الاحتلال. وهذا الاحتمال مستبعد هو الآخر، لأنه سيقود فورًا إلى مجابهة شاملة لا تبدو قيادة عباس مستعدة لها وراغبة بها.

إن المفاجأة يمكن أن تكون دعوة الإدارة الأميركيّة وحدها أو بالاشتراك مع بقيّة أطراف اللجنة الرباعيّة الدوليّة لاستئناف المفاوضات الثنائيّة على أساس هدف واضح وهو إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة على أساس حدود 67 مع تبادل أراضٍ، ضمن جدول زمني قصير متفق عليه منذ البداية. وإذا لم توافق الإدارة الأميركيّة – كما توقع الرئيس – فسيقوم بالتوجه للأمم المتحدة ومطالبتها بإنهاء الاحتلال وتمكين الدولة الفلسطينيّة المعترف بها دوليًّا من ممارسة سيادتها ضمن جدول زمني قصير.

generic viagra alternatives.

إذا كانت هذه هي المفاجأة فهي لن تكون مفاجئة لأنها تعكس استمرار الرهان على الإدارة الأميركيّة. هذا الرهان المستمر منذ عشرات السنين وأدى إلى ما نحن فيه من كارثة. فخطورة هذه المفاجأة أنها تعتمد على التزام أميركي غير مضمون حصوله أو تطبيقه أو الاستمرار به، ويمكن أن يتبخر كما تبخرت وعود أميركيّة سابقة، خصوصًا أنه لن يقترن بالتزام إسرائيلي مقابل بإنهاء الاحتلال، ما يفتح الطريق لعودة دوامة المفاوضات العقيمة – هذا إذا وافقت الإدارة الأميركيّة على ذلك – ويقوم بإحياء “عمليّة السلام” الميتة في الوقت الضائع عشيّة الانتخابات النصفيّة للكونغرس، وفي ظل الحديث عن إمكانيّة إجراء انتخابات إسرائيليّة مبكرة.

إن إعادة إنتاج الموافقة الفلسطينيّة على مبدأ “تبادل الأراضي” الذي يشرعن الاستيطان، ويضرب مبدأ عدم جواز احتلال الأرض بالقوة ومبدأ وحدة أراضي الضفة الغربيّة وقطاع غزة من دون التزام إسرائيلي؛ يضرب وحدة الموقف الفلسطيني ويضعفه ويشكل فرصة لجرجرة المفاوض الفلسطيني لجولة جديدة من المفاوضات، تتمكن إسرائيل من خلالها تجنب دفع أثمان عدوانها وجرائمها غير المسبوقة، التي أدت إلى عودة القضيّة الفلسطينيّة إلى الصدارة وازدياد حركة التضامن معها، لدرجة أن المظاهرات الحاشدة عمّت العالم كله، وازدادت حركة المقاطعة الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة إلى مستويات غير مسبوقة، وفق توقعات ومؤشرات تبشر بتصاعد هائل لحركة مقاطعة إسرائيل ومعاقبتها على جرائمها وفرض العزلة عليها.

إذا لم توافق الإدارة الأميركيّة على المبادرة الفلسطينيّة المدعومة عربيًا فهذا يعني الذهاب إلى الأمم المتحدة، الذي سيعني من دون أن يقترن بمقاربة جديدة شاملة تكسر قواعد اللعبة القديمة وتضع قواعد جديدة لأي عمليّة سياسيّة قادمة إضاعة المزيد من الوقت الثمين، ووضع رقبة القضيّة الفلسطينيّة بالكامل تحت رحمة الأمم المتحدة، المشلولة إرادتها بحكم الفيتو الأميركي، والتواطؤ الدولي، خاصة الأوروبي، مع الاحتلال الإسرائيلي، وإضاعة الفرصة التي تلوح في الأفق جراء العدوان الإسرائيلي رغم كل ما ترتب عليه من جرائم ونكبة جديدة بحق الفلسطينيين.

السؤال: كيف نحوّل هذا العدوان والتحديات التي تواجه القضيّة الفلسطينيّة إلى فرصة لإنجازها وعدم حصر البحث في رفع الحصار والإعمار المهدد بعدوان إسرائيلي قادم لا محالة إذا لم يتم معالجة الصراع جذريًا بإنهاء الاحتلال؟

من الخطأ إضاعة الفرصة التي وفرها العدوان الإسرائيلي الغاشم وملحمة الصمود والمقاومة الفلسطينيّة ضده. ويجب الامتناع عن تقديم خشبة الخلاص لإسرائيل عبر الدخول في عمليّة سياسيّة زائفة تمنع معاقبة إسرائيل على جرائمها وتبعد أو تحيّد أوراق القوة الفلسطينيّة (المقاومة والمقاطعة والخطاب القانوني والتفوق الأخلاقي والتضامن الدولي والوحدة الفلسطينيّة) بدلًا من مراكمة الإنجازات وتشديد النضال وتركيز الضغط والحصار على إسرائيل، حتى تصل إلى وضع لا تستطيع فيه أن تحتفظ بالاحتلال والأمن والأرباح الاقتصاديّة ومكانة الدولة المدللة التي تجعلها الحماية الأميركيّة دولة فوق القانون الدولي.

إن هذا يتطلب اعتماد مقاربة جديدة تسعى لتغيير ميزان القوى المائل بشدة لصالح إسرائيل، على أساس وحدة وطنيّة حقيقيّة وقيادة واحدة وشراكة سياسيّة كاملة في المنظمة والسلطة وقواسم سياسيّة مشتركة، عبر إرساء إستراتيجيات جديدة تجمع ما بين المقاومة بكل أشكالها والمقاطعة والانضمام إلى كل الوكالات الدوليّة، وخصوصًا محكمة الجنايات الدوليّة، المستندة إلى مرجعيّة واحدة والتحرك السياسي والديبلوماسي والقانوني، للوصول إلى أزمة كبرى تهدد بتداعيات وخيمة على المنطقة والعالم بما يفرض وجود عمليّة سياسيّة جادّة في إطار مؤتمر دولي مستمر وكامل الصلاحيات مهمته إنهاء الاحتلال، وليس التفاوض من أجل التفاوض وتمكين إسرائيل من استكمال تطبيق مخططاتها الاستعماريّة والاحتلاليّة والاستيطانيّة والعنصريّة، التي لا مكان فيها لأي حل يستجيب للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة، بما فيها إقامة الدولة على حدود 67.