دولتان لليهود ونصف دولة للفلسطينيين

sex power capsule name in hindi. خطة «فك الارتباط» عن غزة، و»الاستيطان الهادئ»، القليل الصخب، في الضفة، هو مسار واحد بقاطرتين. وهناك من يضيف، حتى تكتمل اللوحة، أن «الترانسفير البطيء»، المصحوب بإطلاق يد اليمين المتطرف والبوليس ضد فلسطينيي الجليل، هو القاطرة الثالثة لمسار لن يفضي إلا الى «دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة» في غزة، و»حكم ذاتي» في الضفة، وصيغة قريبة جداً من «دولة يهودية»، واحدة في الجليل وأخرى لـ «المستوطنين» في ما يتبقى من الضفة.
قبل قرن ونيف، وبالتحديد عام 1897، أعلن ثيودور هرتزل، في المؤتمر الصهيوني الأول، أن «الدولة اليهودية» ستصبح حقيقة ملموسة بعد خمسين سنة من تاريخه. إعلان هرتزل تحقق، في الوقت المرسوم، ليس بسبب أن هرتزل كان نبياً حديثاً، كما وصفه بعض اليهود، بل بسبب أن البرنامج الصهيوني كان برنامجاً مدروساً بدقة وعناية فائقتين.
بدأ الاستيطان في نهايات القرن الثامن عشر بهدوء، ومن دون ضجيج، لدرجة أن كثيراً من الفلسطينيين تعامل مع المستوطنين تماماً كما تعامل الهنود الحمر مع من رست بهم السفينة من البيوريتانز في «الأرض الجديدة»: لم يدر بخلد الفلاحين البسطاء أن هؤلاء «الطلائعيين» سوف يقومون، لاحقاً، باقتلاعهم من أرضهم وتشريدهم.
ما يجري في الحاضر ليس نسخة كربونية عما جرى في الماضي؛ يختلف السياق والأدوات لكن التوجه واحد. التوجه الرسمي الإسرائيلي في الداخل هو نحو بناء دولة يهودية بأقلية فلسطينية يمكن وضع «معدل الخصوبة» لديها تحت مجهر كبير، ويمكن الاستفادة منها في مناحٍ متعددة مستقبلاً. لا يتسع المقام هنا للإسهاب في الكلام عن أوضاع فلسطينيي الجليل، لكنهم، باختصار شديد، يعيشون حالة حصار دائمة بدأت تأخذ، في الفترة الأخيرة، نتيجة تنامي نفوذ اليمين المتطرف والتضييق الاقتصادي، شكل التهجير البطيء، أو الترانسفير البطيء.
في الضفة يسير مشروع «السلام الاقتصادي» جنباً الى جنب الاستيطان الهادىء. زائر الضفة قد يدهش من مشهد السيارات الفارهة والفيلات الفخمة التى يعز وجود نظائر لها حتى في سويسرا. غير أن لذلك الترف ثمناً فادحاً هو الاستيطان. والاستيطان لم يعد كما كان في الماضي، فالفلسطينيون يقفون الآن بإزاء دولة متكاملة الأطراف وليسوا أمام تجمعات متناثرة هنا وهناك: «دولة المستوطنين» صارت حقيقة واقعة لافرار منها. يتكىء المستوطنون في حلمهم في تشكيل دولة منفصلة في الضفة على رواية أن «مملكة يهودا»، التى أعلنت القدس عاصمة لها، انفصلت، لأسباب دينية ولاهوتية، عن «مملكة إسرائيل»، التي كانت قائمة في الجليل، في القرن التاسع قبل الميلاد. ولم تكن العلاقة بين المملكتين (مملكة يهودا ومملكة إسرائيل) طيبة وودية. الجرعة السوريالية لسيناريو انفصال حديث كهذا لايعادله في السورياية سوى حدث تأسيس إسرائيل ذاتها في القرن العشرين. أن لا يذهب المستوطنون الى إعلان دولة منفصلة عن إسرائيل وأن يقوموا بإعلان «حكم ذاتي» بدلاً من ذلك داخل أراضي الضفة هو ايضاً احتمال وارد.
أما في غزة، فقد تستغرق عملية إعادة الإعمار، بما في ذلك بناء ميناء، زمناً طويلاً، بحيث يغلب الاهتمام بالاقتصاد كل ماعداه. الى جانب الإعمار سوف يواجه فلسطينيو غزة، وجهاً لوجه، مأزق البحث عن حل للانفجار الديموغرافي المقبل. وهو مأزق يفوق في صعوبته وتعقيده إعادة الإعمار بدرجات. وهو المأزق الذي دفع إسرائيل الى «فك الارتباط» سابقاً، ويدفعها لقبول «شبه دولة» منزوعة السلاح في غزة لاحقاً.
جزء كبير من هذه الصورة واقعي، وجزء آخر منها محتمل. الواقعي فيها هو ما يجري من نشاط ملموس على الأرض، أما المحتمل، كدولة «المستوطنين»، فهو ما قد يفضي اليه الواقع من حال في المستقبل. لكن الكلام على الواقعي والمحتمل لا يجب أن يلغي الكلام على المتخيل. والمتخيل هنا ليس حلماً بقدر ما هو رؤية.
يدخل في باب المتخيل، أو الرؤية، ما يدور من كلام قديم عن كونيفديرالية ثلاثية، أردنية – إسرائيلية – فلسطينية. فهناك من يرى أن هذه الصيغة هي الحل الأمثل كونها توفر مخارج كثيرة لملفات ملغومة وشائكة كملف الحدود، وملفي اللاجئين والقدس. في هذه الصيغة تتشكل كانتونات متعددة تحافظ كل منها على إدارة محلية وهوية ثقافية خاصة بها. يبقى المستوطنون، الذين قارب عددهم الثمانمئة ألف، في مستوطناتهم حيث هم تحت إدارة خاصة بهم، أي داخل كانتون خاص. أما فلسطينيو الضفة فيعيشون ضمن نظام يكون «حكماً ذاتياً»، أو كانتوناً، فعلاً و «دولة» اسماً، ما يسمح بتجاوز عقبة الحدود، بشكل أو آخر. وقد تدرج غزة ضمن ترتيبات تشبه وضع كوروساو والسانت مارتين بالنسبة إلى هولندا أو المارتينيك بالنسبة إلى فرنسا وهو وضع يصعب تعريفه قانونياً. أما القدس فتصبح عاصمة دينية وأما اللاجئون فيتم استيعابهم هنا وهناك.
الخلاصة أن الفلسطينيين يقفون اليوم بإزاء دولتين يهوديتين، و»شبه دولة» في غزة، و»حكم ذاتي»، واستيطان هادىء، في الضفة «وترانسفير بطيء» في الجليل. المفارقة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أن المتخيل ليس سوى إعادة صياغة لما هو قائم بالفعل أو لما هو قائم بالقوة.

عن admin

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …