ما بين “المشتركة” و”الموحدة” الفلسطينتين من اتصال وانفصال

27 مارس 2021آخر تحديث :
ما بين “المشتركة” و”الموحدة” الفلسطينتين من اتصال وانفصال
ما بين “المشتركة” و”الموحدة” الفلسطينتين من اتصال وانفصال

بقلم:سعيد زيداني

ثلاثة أسباب متداخلة أدت إلى انشطار القائمة العربية الموحدة (الموحدة) عن القائمة المشتركة (المشتركة) قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل:

أولا، تنزع “الموحدة” نحو تمثيل الفلسطينيين المحافظين اجتماعيًا ودينيًا، بينما تنزع “المشتركة”، وإنْ بدرجات متفاوتة (حسب منطلقات كل من مركباتها) نحو تمثيل الفلسطينيين الليبراليين اجتماعيًا ودينيًا. هاتان النزعتان المتنافستان تفسّران، إلى حد بعيد، حدّة الخلاف بين “الموحدة” المحافظة من طرف، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة من الطرف الآخر، نظرًا إلى اعتبارها (أي الجبهة) الأكثر ليبرالية اجتماعيًا، والأكثر علمانية من الناحية الدينية من بين شركائها في القائمة المشتركة. ثانيا، تنزع “الموحدة” نحو توهين علاقة الربط بين القضايا المطلبية، خصوصا الحارقة منها، للفلسطينيين داخل إسرائيل والقضايا السياسية/ الوطنية العليا للفلسطينيين عمومًا، بينما تنزع “المشتركة”، وإنْ بدرجات متفاوتة (حسب منطلقات كل من مركّباتها) نحو تمتين علاقة الربط بين هذين النوعين من القضاياً. ثالثا، تؤكد “الموحدة” على الإبقاء على مسافة واحدة من المعسكرين المتنافسين على الحكم في إسرائيل، معسكر اليمين واليمين المتطرّف الذي يقوده نتنياهو ومعسكر المركز واليسار الذي يقوده يائير ليبيد، مع انعطاف نحو المعسكر الأول؛ بينما تنجذب “المشتركة”، وإن بدرجات متفاوتة (حسب منطلقات كل من مركباتها)، نحو المعسكر الثاني. وفي هذا الشأن، فإن حزب التجمع الوطني الديمقراطي هو الأكثر نفورًا من بقية شركائه في المشتركة.

من نافل القول، وتكرار للمعنى، أن تقول، وهو ما تقوله وتكرّر قوله “الموحدة”، علنا وجهرًا، بأنك ذاهب إلى الكنيست لغرض التاثير. فالتأثير هو ما تسعى إليه القوائم/ الأحزاب السياسية كلها، في إسرائيل، كما في غيرها من الدول المصنفة ديمقراطية. هذا سر وجودها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن السؤال هو: ما هو نوع التاثير المقصود والمنشود الذي تسعى إليه “الموحدة” من ولوجها أروقة الكنيست الـ 24؟ وللتذكير، رفعت القائمة المشتركة، قبل انشطار “الموحدة” عنها شعار التأثير، وكان المقصود والمنشود وقتها، كما نعرف جيدًا، إسقاط نتنياهو عن سدة الحكم بسبب عنصريته المفرطة، والتي توّجت بسن “قانون القومية” في صيف العام 2018. من الواضح لي، على الأقل، أن شعار التأثير الذي تلوّح به وتروّجه “الموحدة” يعني شيئا واحدًا ومحدّدًا: تحقيق إنجازات عينية للفلسطينيين داخل إسرائيل، تتجلى بزيادة الميزانيات والمخصّصات وتحسين مستوى الخدمات، كما وتتجلى بجدّية (وإلحاح) المعالجات للقضايا الحارقة التي يعانون منها، مثل الجريمة المنظّمة، والضائقة السكنية الخانقة، وعشرات آلاف البيوت المهدّدة بالهدم، بسبب عدم الترخيص، وعشرات القرى منزوعة الاعتراف، وبالتالي منزوعة الخدمات الأساسية، في النقب. ولكن لشعار التأثير الذى تلوّح به وتروّجه الموحدة بعدًا أو وجهًا آخر، نظرًا إلى اقترانه بشعار الواقعية السياسية الملوّح به والمروّج أيضًا. وليس مصادفةً أن الشعارين مدمجان في شعار واحد ينادي “بواقعية التأثير والتغيير”. هذا البعد أو الوجه الآخر للتأثير يتطلب، من بين أشياء أخرى، توهين علاقة الربط بين القضايا المطلبية لفلسطينيي 1948 والقضايا السياسية/ الوطنية العليا للفلسطينيين عمومًا، ذلك التوهين الذي يتطلب بدوره إخراج القضايا السياسية/ الوطنية العليا للفلسطينيين عمومًا من حيزالمساومات بين الكتل البرلمانية (بوضعها على الرفّ أو بترحيلها الى ساحة العمل أو النضال خارج أروقة البرلمان). هناك مقايضة مضمرة أو ضمنية من نوع ما إذن. وعصب هذه المقايضة، على ما يبدو، هو التالي: لغرض المساومات بين الكتل البرلمانية، سقف أعلى للقضايا المطلبية، خصوصا الحارقة منها (مجال التاثير المقصود والمنشود)، مقابل سقف أدنى للقضايا السياسية/ الوطنية الفلسطينية العليا.

ولكن مثل هذه المقايضة المضمرة أو الضمنية، على أهميتها أو خطورتها، لا تفسّر وحدها أو بمفردها ما يحكى عن “غزل” بين “الموحدة” ومعسكر اليمين واليمين المتطرّف الذي يقوده نتنياهو. فهناك أكمة أخرى، وهناك ما وراءها أيضًا: هناك قدر غير قليل من التوافق حول أمور إجتماعية/ دينية بين “الموحدة”، المحافظة اجتماعيًا ودينيًا، ومعسكر أحزاب اليمين، المحافظ بدوره اجتماعيًا ودينيًا، والذي يقوده نتنياهو. في مثل هذه الأمور الاجتماعية/ الدينية، قضايا المثليين والزواج المدني مثلًا، فإن “الموحدة” أكثر توافقًا مع حزب شاس أو حزب “يهدوت هتوراه” منه مع الجبهة ذات النزعة الليبرالية العلمانية غير الخافية.

ما قيل أعلاه عن بعض منطلقات “الموحدة” لا يعني أو ينتج عنه أنها عازمةٌ على التوصية على نتنياهو مرشحًا لرئاسة الحكومة، أو على تقديم دعم جارف من الخارج لحكومةٍ قد يكلف بتشكيلها بعد الانتخابات للكنيست ال 24. ما قيل أعلاه يفسّر، جزئيًا على الأقل، شعار المسافة الواحدة، قربًا أو بعدًا، من المعسكرين المتنافسين على الحكم في إسرائيل. وفي هذا الصدد، يجب ألا يغيب عن الأذهان المتوقدة لحظة واحدة بأن المسافة الواحدة بين المعسكرين المتنافسين على الحكم في إسرائيل تصبّ بشكل أو بآخر، في صالح معسكر اليمين واليمين المتطرّف الذي يقوده نتنياهو. وهذا ما يفهمه الفرقاء المعنيون كافة.

أما “المشتركة”، وبكل مركباتها، فبعيدة كل البعد عن، ونافرة كل النفور من، معسكر اليمين، المتطرّف قوميًا والمحافظ إجتماعيا/ دينيًا، وذلك بسبب مواقفه وممارساته (أي اليمين) النافية للثوابت الوطنية الفلسطينية من ناحية، كما بسبب فائض عنصريته تجاه فلسطينيي 48 من ناحية أخرى. أضف الى ذلك، تلك النزعة الليبرالية الاجتماعية/ الفكرية الغالبة للأحزاب التي تنضوي تحت سقف “المشتركة”، خصوصا بعد انشطار “الموحدة” عنها، تلك النزعة الليبرالية التي تزيد من نفورها من ذلك اليمين. لهذه الأسباب الرئيسة الثلاثة، لا تستطيع “المشتركة” أن تكون على مسافة واحدة من المعسكرين المتنافسين على الحكم في إسرائيل، وإن كان عليها، في اعتقادي، أن تعرف كيف تحافظ على “القدر المعقول” من المسافة من معسكر المركز/ اليسار الصهيوني. والقدر المعقول من المسافة، كما أفهم، يتطلب أساسًا عدم التسرّع في التوصية على أي مرشّح للمعسكر المذكور لغرض تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة. والسبب الرئيس: أي مرشّح للمعسكر المذكور سوف يكون متحالفًا، لغرض تشكيل الحكومة، مع أحزاب يمين معروفة تقليديًا بعنصريتها تجاه الفلسطينيين في إسرائيل من ناحية، وبرفضها لأي من الثوابت الوطنية الفلسطينية من الناحية الأخرى.

وأخيرًا، أعد رأسي، حين تعد الرؤوس، من أنصارالقاىمة المشتركة، على الرغم من التحفظات على أدائها خلال الفترة الماضية، تحفظات يمكن إجمالها بالتالي: غياب الحد الأدنى اللازم من التنسيق بين مركباتها، عدم قيامها بتنظيم (وتمكين) المجتمع الذي تمثله بالقدر الكافي أو المقنع، عدم اهتمامها بإعادة بناء لجنة المتابعة العليا على أسس ديمقراطية، وتوزيع الأدوار معها، عدم وضع برنامج عمل سياسي ونضالي مفصّل، متفق عليه وملزم لجميع المركبات، نزعة جامحة لقيادات الأحزاب المركبة نحو نجوميةٍ كانت على حساب العمل الجماعي المنسّق والمنظم، وانزلاقها إلى التوصية المتسرّعة وشبه المجانية على بني غانتس مرشّحا لرئاسة الحكومة. ولكن على الرغم من هذه التحفظات وغيرها، يدخل في ميزان حسناتها أنها رفعت من شأن الفلسطينيين داخل إسرائيل، احتضنت تعدّديتهم السياسية والدينية/ الاجتماعية، ودافعت عن حقوقهم المدنية والجمعية، وعملت على تمتين العلاقة مع بقية الشعب الفلسطيني، سواء في المناطق المحتلة عام 1967 أو في بلدان اللجوء والشتات. وفوق ذلك كله، وبفضل قوتها البرلمانية الوازنة، عبرت عن الثقل السياسي للجمهور الذي مثّلته، ذلك الثقل الذي لم يعد ممكنًا تجاهله أو تجاهل ما قد يتبعه على مستوى إعادة رسم الخريطة الحزبية/ السياسية في إسرائيل، وبالشكل الذي يأخذ حقوق المواطنين الفلسطينيين وهواجسهم بقدر أكبر من الجدّية والاهتمام.

وختامًا، حاول هذا المقال تحديد (وعرض) نقاط التلاقي والتجافي، الاتفاق والاختلاف، بين القائمتين، المشتركة والموحدة، لانتخابات الكنيست ال 24 في إسرائيل. كما حاول إلقاء بعض الضوء على كل من مآثر “المشتركة” ونقائصها خلال الفترة الماضية، وذلك من دون إخفاء انحيازي لـ “المشتركة” الجديدة، ذلك الانحياز الذي لا يتنافى، في اعتقادي، مع الفرح بنجاح “الموحدة”، وقد أفلحت في اختراق حاجز نسبة الحسم، ففي نجاحها بعض التعويض عن خسارة انشطارها عن “المشتركة”، من حيث عدد المقاعد التي تبقى للقائمتين الفلسطينيتين في الكنيست الـ 24.

عن “العربي الجديد”