نها في مقتبل العمر. لاحظت منذ فترة أنها ليست على ما يرام، فأحياناً تشعر بتعب غير مبرر، وتلهث لأقل جهد تقوم به، وتشطح ضربات قلبها بسرعة كبيرة غير معهودة، وكم من مرة سقطت أرضاً وغابت عن الوعي!
في المرة الأخيرة نُقلت بسرعة إلى المستشفى حيث أجريت لها مجموعة من الفحوص السريرية والمخبرية والشعاعية ليتبين منها أنها تعاني ورماً يحتل حيزاً كبيراً من تجويف القلب ويتطلب تدخلاً جراحياً عاجلاً للتخلص منه وإنقاذ حياتها.
وبالفعل ما هي إلا ساعات قليلة حتى تم تحضير المريضة للجراحة. أُدخلت إلى غرفة العمليات، وبعد تخديرها دخل مبضع الجراح مباشرة إلى جوف القفص الصدري، حيث تبين أن هناك ورماً كبيراً في القلب يملأ كامل الفراغ في الأذينة. اجتث الطبيب الورم من جذوره وقذف به إلى خارج الصدر، وبعدها أغلق الفتحة في القلب ثم أعاد تشغيله لينبض بالحياة من جديد.
قد يستغرب بعضهم هذا الأمر ويسأل: هل القلب يصاب بالأورام؟ نعم، إن القلب يصاب بالأورام، تماماً كما بقية أعضاء الجسم، مع فارق واحد هو أنها أورام نادرة للغاية. وأورام القلب قد تكون حميدة أو خبيثة، إلا أن الغالبية الساحقة منها هي أورام سليمة. وتشير التحريات الطبية إلى أن أورام القلب السليمة تشكل نسبة 75 في المئة.
ويمكن لأورام القلب أن تظهر في أي عمر إلا أنها أكثر انتشاراً بين 30 و60 سنة، وحصة الجنس اللطيف منها هي الأكبر. ويكون ورم القلب في البداية صغير الحجم لا يعطي أي عارض، لكنه مع مرور الوقت ينمو ليصل إلى حجم كبير يشغل فيه كل الحجرة القلبية، وعندها تبدأ المشاكل.
ويبدأ الشك بوجود ورم في القلب عند المعاناة من بعض المظاهر السريرية التي لا تعتبر نوعية لتلك الأورام، لكنها تدفع إلى الشك بأن خطباً ما ألم بالقلب وأنه من الضروري عمل الاستقصاءات المناسبة لكشف الحقيقة. وفي شكل عام تقسم عوارض أورام القلب إلى أربع مجموعات:
– عوارض تتعلق بانشطار جزء من الورم أو انفصال جلطة تكونت على سطحه، بحيث تسافر هذه إلى مكان ما لتسبب تضيقاً أو انسداداً في أحد الشرايين، فينتج من ذلك إما شح في الإمدادات الدموية وإما انقطاعها كلياً، فتندلع العوارض وفقاً للمنطقة المصابة، فمثلاً إذا حدث الأمر في أحد شرايين القلب أو أحد أوعية المخ فإن الأزمة القلبية أو الدماغية ستكون على الموعد حتماً.
– عوارض تتعلق بإعاقة عمل أحد صمامات القلب.
– عوارض تتعلق بإعاقة تدفق الدم في القلب عينه، فيعاني المريض ضيقاً في التنفس أو الوذمة (التورم نتيجة تكوّم السوائل)، الدوخة وفقدان الوعي.
– عوارض ناتجة من خلل في عمل القلب، مثل سرعة النبض، تباطؤ النبض، اضطراب نظم القلب، وقصور القلب وتضخمه.
– عوارض عامة، مثل الحمى وانخفاض الوزن.
وقد تنتهي أورام القلب بمضاعفات وخيمة للغاية من بينها:
– الموت المفاجئ، فشل القلب، اضطرابات نظم القلب، الالتهابات الميكروبية، الجلطات.
ليس من السهل تشخيص أورام القلب بناء على العوارض السريرية، ولا يمكن قطع الشك باليقين إلا من خلال التحريات المناسبة، وأهمها التصوير بالأمواج فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي. وفي كثير من الحالات يتم رصد ورم القلب بالصدفة خلال إجراء فحوص للشك بأمراض أخرى، أو عند إجراء الفحوص الروتينية. وقد يحتاج الأمر إلى إجراء الفحص بالقسطرة.
وأورام القلب نوعان: حميدة وخبيثة. أما الحميدة منها فتشكل القسم الأكبر من أورام القلب، وأشهرها الورم المخاطي الذي يمثل أكثر من 50 في المئة من الأورام الحميدة.
والورم المخاطي عبارة عن كتلة دائرية الشكل تنمو على جدار عضلة القلب وتمتد إلى جوفه، وتنشأ عادة بين الأذينتين اليمنى واليسرى للقلب، ونحو 90 في المئة من الأورام المخاطية تكون وحيدة، وحوالي 75 في المئة منها تشاهد لدى النساء. ويتألف الورم المخاطي من مادة جيلاتينية هلامية تكون معلقة عادة بواسطة ساق إلى جدار القلب.
لا يعرف السبب الفعلي للورم المخاطي، ويقال إنه ناجم عن فرط في النمو في خلايا جدار القلب. لكن العامل الوراثي يلعب دوراً في 10 في المئة من الحالات بدليل أنه يشاهد لدى عائلات معينة أكثر من غيرها. ولا يعطي الورم المخاطي عوارض في حوالي ربع الحالات، وغالباً ما يتم رصده صدفة.
وقد يبوح الورم المخاطي بمظاهر سريرية تحاكي تشكيلة واسعة من الأمراض، مثل قصور القلب، والتهاب شغاف القلب، أو هبوط أو تضيق صمامات القلب، ومرض رينو، وفقر الدم، والتهابات الأوعية الدموية، والتهابات أخرى. ويعاني أكثر من 20 في المئة من المصابين بالورم المخاطي من الدوخة الناتجة عادة من انسداد الصمام التاجي بالورم، ويوجد رابط بين هذا العارض وبعض الأوضاع التي يتخذها المصاب.
لا يوجد دواء يشفي من الورم المخاطي، ويظل البتر الجراحي هو الحل الأمثل، وهو علاج آمن في أكثر من 95 في المئة من الحالات، وقد يعاود الورم الظهور مرة أخرى، إما بسبب عدم اجتثاث الورم كلياً وإما لنشوء ورم جديد.
ومن بين الأورام الحميدة في القلب نشير إلى الورم الليفي الحليمي الذي يمتاز بأنه ينمو على ظهر الصمامات القلبية، لذا من الضروري علاجه. وهناك الورم الشحمي الذي ينشأ من الخلايا الدهنية، وهو ورم مسالم عادة ولا يحتاج إلى العلاج. وهناك أيضاً الورم العضلي الذي تغلب مشاهدته في سن الطفولة، ويتميز بأنه يمكن أن يتراجع ويختفي تلقائياً ولا يحتاج عادة للعلاج. وهناك الورم الليفي الذي تحلو له الإقامة على التخوم الواقعة بين البطينين الأيمن والأيسر ولهذا تكثر مشاكل اضطرابات نظم القلب، من هنا يجب استئصال الورم في بعض الحالات، وفي حالات أخرى قد يحتاج الأمر إلى استبدال القلب كلياً.
وإلى جانب الأورام السليمة هناك الأورام الخبيثة التي تكون نادرة للغاية لأن خلايا القلب لا تنشطر، ويشتهر القلب بعدم احتوائه على الأنسجة الدهنية التي غالباً ما تكون أصل البلية.
وتكون أورام القلب السرطانية إما بدئية منشؤها القلب، وإما ثانوية تأتي من أماكن أخرى في الجسم. ويعتبر سرطان الساركوما من أشهر الأورام البدئية الخبيثة للقلب، ويكون مصدره عادة خلايا جدران الأوعية الدموية الواقعة في القلب.
أما أورام القلب الخبيثة الثانوية فهي أكثر شيوعاً من الأورام البدئية، ومعظمها يأتي من المناطق المجاورة للقلب، وغالباً ما تترافق هذه الأورام مع زيادة في كمية السائل الموجود في محيط القلب.
وتعتبر السرطانات الآتية من أكثر الأورام الخبيثة التي تعطي أوراماً ثانوية في القلب: سرطان الجلد الخبيث، وسرطان الدم، والسرطان اللمفاوي، وسرطان الثدي، وسرطان الرئة وغيرها.
من جهة العلاج فإنه من الصعب اللجوء إلى البتر الجراحي، ويبقى الحل في العلاج بالأشعة أو بالأدوية الكيماوية، وكلاهما يعطي نتائج محدودة جداً. levitra south africa.