penicillin without going to doctor. يمكن للمصاعد الفضائية، تلك التي لديها القدرة على نقل الأشخاص والبضائع بسرعة فائقة من على سطح الأرض إلى الفضاء، أن تمثل نهاية للتلوث الذي تسببه الصواريخ. إلا أن تحويل ذلك إلى حقيقة يعد تحديا كبيرا. الصحفي العلمي نك فليمنغ يحقق في هذا الأمر.
يعتبر الكثيرون أن “إيلون ماسك” ليس إلا شخصاً حالماً – وهو من رواد استكشاف الفضاء في القطاع الخاص، والذي يقف وراء فكرة السفر فائق السرعة عبر أنبوب معدني يطلق عليه اسم “هايبرلووب”، لنقل الأشخاص من لوس أنجليس إلى سان فرانسيسكو في 35 دقيقة فقط. لكن هناك أفكارا حتى “ماسك” نفسه يراها بعيدة المنال.
إحدى هذه الأفكار هي فكرة “المصعد الفضائي”.
صرح “ماسك” في مؤتمر الابتكارات العلمية “إم آي تي” في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قائلاً: “إنه أمر بالغ التعقيد. لا أعتقد حقاً أن فكرة المصعد الفضائي ممكنة التحقيق.” وأضاف أنه سيكون من الأسهل “بناء جسر بين لوس أنجليس وطوكيو” مقارنة ببناء مصعد ينقل الأشياء إلى الفضاء.
منذ أمد بعيد، كانت فكرة إرسال الأشخاص والحمولات إلى الفضاء عبر كبسولات تسير بسرعة بطول سلك عملاق يبقى في مكانه مع دوران الأرض حول نفسها ضربا من الخيال العلمي– وبالنسبة للمتشككين من أمثال “ماسك”، فإنها ستبقى مجرد خيال علمي.
وبالتالي، هل نخدع أنفسنا لندعي أن قدراتنا تستطيع التغلب على هذا التحدي التقني العملاق حقاً؟
وكما كشفت “بي بي سي فيوتشر” سابقاً، فإن أنصار مصاعد الفضاء يظنون العكس. فهم يعتبرون الصواريخ التي تنطلق إلى الفضاء باستعمال مواد كيمياوية، وسائل عفى عليها الزمن، ومحفوفة بالمخاطر، وتضر البيئة وباهظة التكاليف.
إنهم يقترحون بديلاً يمثل في الأساس سكة حديدية نحو الفضاء: مركبة فضائية تعمل كهربائياً لتنطلق من نقطة ما على الأرض، على مسار حبل بالغ القوة مربوط بثقل مضاد يدور في مدار متزامن مع دوران الكرة الأرضية حول نفسها.
وعند بناء هذه المصاعد الفضائية، يمكنها أن تنقل حمولات إلى الفضاء بتكلفة 500 دولار أمريكي للكيلوغرام الواحد، مقارنة بالتكلفة الحالية التي تقرب من 20 ألف دولار أمريكي. وقد نُشرت هذه الأرقام مؤخراً في تقرير “الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية”.
بيتر سوان، رئيس “مجموعة شركات المصعد الفضائي العالمية”، والمؤلف الرئيسي لتقرير “الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية” يقول: “هذه تقنية تدل على قدرة لا مثيل لها، وستفتح للبشرية أبواب منظومتنا الشمسية على مصراعيها. أعتقد أن أولى هذه المصاعد ستكون آلية، وبعد 10 إلى 15 سنة، سيكون لدينا من ستة إلى ثمانية مصاعد آمنة بما يكفي لنقل البشر.”
جذور من العهد الفيكتوري
لسوء الحظ، لن يكون على ذلك المصعد الفضائي أن يصبح بطول يصل إلى 100 ألف كم فقط – أي أكثر من ضعف محيط الكرة الأرضية – بل سيتوجب أن يتحمل ثقله هو أيضاً. وبكل بساطة، لا توجد أية مادة على الأرض بمثل هذه المواصفات.
إلا أن هناك علماء ممن يؤمنون بإمكانية إنجازه مثل هذا البناء– وحتى إمكانية تحقيقه في هذا القرن. فقد أعلنت شركة بناء يابانية عملاقة خططاً لبناء إحدى هذه المصاعد في عام 2050. ومن جهة أخرى، طور باحثون في الولايات المتحدة الأمريكية سلك رفيع جداً، من مادة جديدة مشابهة لمادة الماس؛ وهم يعتقدون أن صلابتها العالية ربما ستجعل من فكرة بناء المصعد الفضائي أمراً قابلا للتنفيذ خلال السنين المنظورة للكثير منّا.
تعود الأفكار المعاصرة حول المصاعد الفضائية إلى عام 1895، عندما أوحى إكتمال بناء برج إيفل في باريس للمدرس الروسي قسطنطين تسيولكوفسكي بأن يدرس قوانين الفيزياء لغرض بناء برج يوصل إلى الفضاء لكي تُطلق منه سفن الفضاء إلى مدارها حول الأرض بدون استعمال صواريخ.
أما كاتب قصص الخيال العلمي، آرثر س. كلارك، فقد ألهم آخرين الاهتمام بهذه الفكرة مؤخراً، حيث أشار في روايته “نافورات الجنة” المنشورة عام 1979، كيف تبني الشخصية الرئيسية في الرواية مصعداً فضائياً مماثلاً للتصميم الذي يُدرس في أيامنا هذه.
ولكن، ما هو الحال بعيداً عن عوالم أحلام اليقظة والخيال العلمي؟ يقول كيفن فونغ، مؤسس “مركز الطب البيئي للارتفاعات والفضاء والظروف القاسية” بجامعة لندن: “أحب تجاوز الحدود في هذه الفكرة.”
ويضيف: “أعرف لماذا يضع الناس هذه الفكرة نصب أعينهم؛ إذا وصلت إلى مدار منخفض حول الأرض بكلفة زهيدة وبأمان، فان كواكب المنظومة الشمسية القريبة من الشمس ستصبح في متناول اليد.”
الأمور المتعلقة بالسلامة
نقطة الخلاف هي في كيفية بناء مثل هذا المصعد الفضائي من الناحية العملية.
يقول فونع “بدايةً، عليك بناؤها من مادة غير موجودة حالياً: ويجب أن تتصف هذه المادة بصلابة عالية، وأن تكون مرنة في نفس الوقت، وأن تكون مادة ذات مواصفات فيزيائية بكتلة وكثافة تجعلها قادرة على تحمل المركبات، وقادرة على تحمّل مجموعة هائلة من قوى الشدّ المتقابلة.”
ويضيف “أظن أنها ستشمل سلسلة مهام فضائية هي الأكثر طموحاً، للانطلاق في مدارات منخفضة وعالية حول الكرة الأرضية، والقيام بنزهات فضائية طموحة لم تحصل في تاريخ جنسنا البشري.”
ثم هناك الأمور المتعلقة بالسلامة، حسب اضافته “حتى لو استطعنا التغلب على المصاعب والتحديات الهندسية الهائلة التي يتضمنها تشييد مثل هذا البناء، فإنها ترسم لنا صورة مرعبة لسلك عملاق عبر الفضاء وهو يسيّر مركبات الفضاء، في وقت يتعرض فيه ذلك السلك نفسه إلى ارتطام أجسام سماوية به من بقايا الأقمار الصناعية التي كانت تدور حول الأرض.”
وقد نُشرت خلال السنوات الـ 12 الأخيرة ثلاثة تصميمات مفصلة لهذه الفكرة.
نُشر أولها عام 2003 من قبل براد إدواردز وإيريك ويستلينغ في كتابهما “مصاعد الفضاء”.
وقد تخيلا حمولات من 20 طناً وهي تُدفع من الأرض بقوى الليزر، وبسعر 150 دولاراً أمريكياً لكل كغم واحد، وبتكاليف بناء تصل إلى 6 مليار دولار أمريكي.
ولدفع هذه الفكرة خطوة نحو الأمام، وفر التصميم الذي قدمته “الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية” عام 2013 وقاية أكثر للمركبات الفضائية من الظروف الجوية لأول 40 كم من نقطة الانطلاق.
وبعد هذه المسافة الأولية، تقوم الطاقة الشمسية بدفع المركبات، مما يتيح نقل الحمولات بسعر يصل إلى 500 دولار أمريكي للكيلوغرام الواحد، وبكلفة 13 مليار دولار أمريكي لبناء أول مركبتين.
ولإبقاء السلك مشدوداً من طرفه الفضائي، فقد شملت المقترحات السابقة الحاجة إلى وضع ثقل مضاد باستخدام كويكب يتم أسره من الفضاء. وحسب تقرير “الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية”، ربما سيصبح هذا الخيار ممكناً في يوم من الأيام، إلا أنه غير قابل للتحقيق في المستقبل القريب.
المرساة العائمة
سيكون وزن الحبل الفضائي 6,300 طناً. وبدلا من وضع ثقل مضاد في الفضاء، فإن جزءً من الوزن المطلوب- وهو 1,900 طناً- لدعم ذلك الحبل سيأتي من السفينة الفضائية والمركبات الأخرى المستخدمة لتثبيت الحبل في مكانه. وسيكمل الوزن الباقي عن طريق الإمساك بأقمار صناعية توقفت عن العمل وتدور في مدارات ضعيفة قريبة وليست إلا جزءً من الحطام الفضائي.
كما يضيف مؤلفو التقرير أنه يجب على الثقل المضاد أن يتحمل الاشعاعات والأضرار الناجمة عن النيازك وتقلبات درجات الحرارة.
كما يقترحون أن تكون المرساة الأرضية منصة عائمة بحجم ناقلة نفط ضخمة أو حاملة طائرات عملاقة قرب خط الاستواء، حيث سيزيد ذلك من الاستيعاب الأقصى للحمولة. ومكانهم المفضل لذلك هو بقعة تقع إلى الغرب من أرخبيل غالاباغوس بنحو 1,000 كم، بسبب ندرة الأعاصير والزوابع والعواصف هناك.
وقد نشرت “شركة أوباياشي”، وهي واحدة من أكبر خمس شركات بناء يابانية، العام الماضي خططاً لمصعد فضائي أكثر قوة وبإمكانه أن يحمل مركبات آلية تُشغّل بقاطرات مغناطيسية معلقة، مشابهة لتلك المستعملة على خطوط السكة الحديدية ذات السرعة العالية. ويمكن لهذه المركبات أن تحمل البشر، مما يزيد من القوة المطلوبة للحبل. وسيكلف تصميمها قرابة 100 مليار دولار أمريكي، أما سعر نقل الكيلوغرام الواحد فسيبلغ ما بين 50 إلى 100 دولار أمريكي.
ومما لا شك فيه، أن هناك عوائق عديدة، إلا أن العنصر الوحيد الذي يستحيل صنعه في يومنا هذا هو ذلك الحبل نفسه، حسب قول “سوان”.
الحبال الماسية
أبرز المواد المنافسة المرشحة لصناعة ذلك الحبل هو سلك مصنوع من أنابيب الكربون الرفيعة جداً. وقد أنتجت هذه المادة في المختبر بقوة شدّ تصل إلى 63 مليار باسكال (وحدة قياس الشد) – أي أقوى 13 مرة تقريباً من أصلب أنواع الفولاذ.
إن أقصى طول لأنابيب الكاربون هذه قد ازداد باضطراد منذ اكتشافها عام 1991، حيث أعلن باحثون صينيون عن صناعة أنبوب بطول نصف متر في عام 2013. وتوقع مؤلفو تقرير “الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية” أن يصنع أنبوب كاربوني بطول كيلومتر واحد بحلول عام 2022، وأنبوبٍ بطولٍ يكفي لتحقيق فكرتهم بحلول ثلاثينيات هذا القرن.
ظهرت في هذه الأثناء مادة منافسة جديدة. ففي سبتمبر/أيلول الماضي كشف فريق يقوده جون بادينغ، وهو أستاذ في الكيمياء بجامعة بين الحكومية في بنسلفانيا الأمريكية، في دراسة نُشرت في مجلة “مواد الطبيعة” بأنهم اختلقوا مادة رفيعة جداً، أسموها “خيوط الماس بالغة الدقة”. لعل هذه ستكون أقوى وأكثر صلابة من أنابيب الكاربون السالفة الذكر.
بدأ بادينغ وفريقه بوضع مادة البنزين تحت ضغط يعادل الضغط الجوي بنحو 200 ألف مرة. وعند إزالة الضغط ببطء شديد، تبيّن أن ذرات البنزين تعيد ترتيب نفسها لتشكل مادة جديدة، ذات هيكلية عالية النسق، رباعية الأسطح مثل الهرم وقاعدته.
ترتبط هذه الأشكال مع بعضها البعض لتكوّن خيوطاً بالغة الدقة، تشبه بشكلها النهائي مادة الماس. بسبب حجمها الصغير، لا يمكن قياس قوتها بشكل مباشر، لكن الحسابات النظرية تشير إلى أنها أقوى وأصلب من كل المواد الصناعية المعروفة حتى يومنا هذا.
الحدّ من المخاطر
يقول بادينغ “إذا استطعنا صناعة مواد مثالية الكمال والطول، مثل الخيوط الماسية أو الأنابيب الكاربونية، فإنها ستكفل بناء مصاعد الفضاء.”
حتى لو ثَبُتت صلابة أيٍّ من هذه المواد، فإن تركيب وتجميع وربط جميع العناصر المكونة لمصعد الفضاء سيواجه تحديات عظيمة. تشمل هذه أموراً مثل الحماية الأمنية، وجمع التمويل اللازم، وإدارة المصالح المتعارضة أو المتنافسة. لكن سوان، على الأقل، ليس متخوفاً من كل هذه الأمور.
يقول سوان: “بالطبع هناك تحديات كبرى، مثل تلك التي واجهت أولئك الذين مدّوا أولى السكك الحديدية العابرة للقارات، والذين بنوا قناتي بنما والسويس.”
ويضيف: “ستكلف الكثير من المال والوقت، وكما يحصل مع جميع المشروعات العظمى، فكل ما هو مطلوب هو التعامل مع كل صعوبة على حدة، والحدّ من المخاطر رويداً رويدا.”
حتى “ماسك” ذاته لا يريد أن يشكك تماماً في هذه الفكرة، وقد سمعناه وهو يصرح في مؤتمر الابتكارات “إم آي تي” الماضي قائلاً: “لا أظن أن الأمر منطقي في الوقت الحالي. ولكن، إذا أثبت أي شخص خطأي، فإن ذلك سيكون رائعاً.”