سيرة الحب !

14 فبراير 2018آخر تحديث :
سيرة الحب !
سيرة الحب !

buy Kamagra Chewable buy tranexamic acid 500mg tablets. , order nolvadex  

في العام 1964، غنت المطربة العربية الأولى أم كلثوم، أغنية هي الأشهر في أغانيها اسمها “سيرة الحب”، كتبها الشاعر المصري مرسي عزيز ولحنها بليغ حمدي.

قالت فاطمة البلتاجي التي لقبت بكوكب الشرق: “ياما الحب نده على قلبي، ما ردش قلبي جواب”.

لكن، إذا كنت تعتقد أن الحب هو نداء القلب للقلب، فقد تكون مخطئاً.

حسب د.عبد الرحمن الأقرع، أستاذ وظائف الأعضاء وعلم الأعصاب في كلية الطب بجامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس، فإن “الحب هو نداء العقل، وتحديداً نداء الدماغ”.

قد تقول إن هذا يقلب المفهوم السائد الذي يقول: الحب نابع من القلوب.

تقول أم كلثوم في أغنيتها: “ما عرفش إزاي حبيتك ما عرفش إزاي ياحياتي؟”. لكن الأقرع الذي يجلس في مكتبه في مبانٍ حديثة للجامعة التي تطل على المدينة يقول: “الدماغ هو المسؤول عن ذلك. من هناك تصدر الأوامر للحب”.

وإذا كنت تعتقد أن الحب هو مجرد التقاء أعين تنقل صوراً ما إلى الدماغ، فقد يكون ذلك صحيحاً، لكن عليك في الوقت ذاته أن تعرف أن الحب هو نوع من أنواع المقامرة علميّاً، لسبب بسيط جدّاً.

إن نفس المراكز الدماغية التي يدفعك تحفيزها للفرح في حال فوزك برهان أو مقامرة أو مباراة أو حصولك على جرعة كوكايين، هي ذاتها المسؤولة عن ذلك الإحساس المفرح بالحب.

إذاً، فالحب الذي كان يُناقش في الماضي في أروقة الفلاسفة وأرباب الفن، بات عملية حيوية يمكن تحليلها مخبريّاً مثل تحليل الدم.

لكن، كيف يحصل ذلك؟

“الحب معروف لدينا الآن بأنه نشاط دماغي محض. الدماغ يشغل نواقل عصبية تؤدي إلى تطور المشاعر التي تعرف بالحب (..) الدماغ هو زناد البندقية”، يقول الأقرع.

ويضيف: “ليس ذلك وحسب، فحدقات الأعين تتسع ويصاب الإنسان في اللحظات الأولى برجفان خفيف بين البطن والصدر، ويعلو وجيب قلبه وترتعش أطرافه ويتعرق، كما يعزف المحبون عن الطعام وعن النوم الطويل، مأسورين بنشوة الحب التي تحدثها نواقل عصبية معينة في مراكز دماغية متخصصة بالمشاعر”.

وإذا كنت تعتقد أن هذه هي العلامات الحيوية الوحيدة التي تظهر على الإنسان، فأنت نسبيّاً مخطئ من ناحية طبية.

يصبح المحبون أقل عدوانية، وتنتشر السعادة على وجوههم بفعل النواقل العصبية التي تعمل في بداية مراحل العشق بكل قوتها.

“ويمكن الكشف عن كل ذلك بأجهزة الرنين المغناطيسي التي ترصد النشاط الدماغي”، يقول الأقرع.

لكن هل يمكن كليّاً استثناء القلب، العضلة التي تضخ الدم في الجسم، والمفردة التي ارتبطت منذ عرفها البشر بالإحساس، من ذلك كله؟ “لا” يجيب الأقرع. “القلب يستجيب للنشاط الدماغي، فهو مستقبل لما يمليه الدماغ. تراثيّاً، القلب ظلم كثيراً في هذا الاتجاه. الدماغ هو الذي يحدد سلوك العاشقين”.

هل تظن أن المقولات الشعبية المتعلقة بالحب أيضاً قيلت في سياقات جوفاء لا معاني علمية لها؟ بالتأكيد لا.

يفسر الأقرع مثلاً المقولة الأشهر في التراث العربي الشعبوي “الحب أعمى” بأنها مقولة ذات قاعدة علمية عريضة وصحيحة.

فعدم رؤية المحبين لسلبيات بعضهم بعضاً أيضاً أمر مرتبط بالدماغ، فما يسمى طبيّاً “اللوزة الدماغية” هو جزء متخصص في إثارة الشكوك والهواجس والمخاوف التي تحصن علاقاتنا بالآخرين وتدفعنا إلى التريّث في الحكم عليهم، ومن ثم الانجذاب أو النفور”.

“عندما يقع الحب، يتم تثبيط ذلك الجزء من الدماغ نهائيّاً”، يقول الأقرع.

خذوا مثلاً الأوصاف الدميمة التي وصفت بها عائلة عاشق العرب الأشهر قيس بن الملوح حبيبته ليلي التي لم تكن فتاة جميلة قط، لثنيه عن حبها.

وهذا رد قيس عليهم:

يقول لي الواشون ليلى قصــــيرة … فليت ذراعاً عرض ليلى وطولها

وإن بعينها – لعمرك- شــهـــلــة … فقلت: كرام الطير شهل عيونها

وجاحظةٌ فَوهاءُ لا بأسَ، إنـــها … مِنّى كيدي، بل كلُّ نفسٍ وسُولُها

فدَقّ صِلابُ الصّخرِ رأسَك سَهمداً … فإني إلى حين المماتِ خلِيلـــُها!

هل أبقت أغنية “سيرة الحب” شيئاً لم تذكره من هذه السيرة التي شغلت الكتاب والأدباء والشعراء والأطباء في الحضارة العربية الإسلامية؟ لاحظوا ماذا تقول أم كلثوم: “ما عرفش إزاي يا حياتي، من همسة حب لقيتني بحب”.

والهمسة تقدر زمنيّاً بالثواني.

وهذا علميّاً صحيح حسب ما يقول المثل السائر “حب من النظرة الأولى”، وهو ما يردد معناه طبيّاً الأقرع.

ويوضح: “بين التقاء العين بالعين والوقوع في الحب ثوانٍ قليلة. وهي الفترة الزمنية ذاتها التي يحتاجها الدماغ لتشغيل الناقل العصبي”.

هل مازلت تعتقد أن اللون المرتبط بالحب هو اللون الأحمر، كما يظهر لك في ألوان الدمى في الأسواق والأيقونات التي فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي؟

يقول الأقرع: “الأحمر هو لون السيطرة. لون أرقام الفريق الفائز في مباراة. هو لون التحذير!”.

هل سمعت أن شابّاً وسيماً أحب فتاة قليلة الجمال، أو العكس؟ هذا طبيّاً تم تفسيره بشكل واضح. فعدا عن تلك اللوزة الدماغية التي تكتشف تفاصيل الجسد غير الجميلة في الأشخاص الذين ننظر إليهم، هناك نظام جيني معين في الإنسان ينجذب إلى نظام آخر، وهي عملية تبادلية تفرض إما توافقاً أو نفوراً بين الذكر والأنثى.

وقد يكون ذلك العرض متطابقاً مع ما تقوله أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة:

“ياما عيون شاغلوني، لكن ولا شغلوني. إلا عيونك إنت، دول بس اللى خدوني، وبحبك أمروني، أمروني أحب لقيتني بأحب، وأدوب فى الحب، وصبح وليل على بابه”.

ليس علم الأعضاء وحده هو المعني في تفسير هذه الكلمة.

إن اللغة العربية باذخة الثراء، فقد أفرزت 14 مرحلة من درجات تطور الحب كعملية دماغية، لكن نادراً ما تُستخدم في مجتمعات الأخبار أو في الاتصال البشري اليومي.

إن الأربع عشرة كلمة اللاحقة المتدرجة لتطور الحب، مخزون لغوي يصلح للقواميس:

الهوى، الصبوة، الشغف، الوجد، الكلف، العشق، النجوى، الشوق، الوصب، الاستكانة، الود، الخلة، الغرام، والهيام.

وفوق ذلك، جعل التراثان العربي، والكردي القريب منه، قصص الحب أساطير فوق قدرة التصور البشري، إذ أورد د. محمد حسن عبد الله، مؤلف “الحب في التراث العربي”، ما رواه القارئ البغدادي جعفر السراج عن واحدة من أهم أساطير الحب عند العرب.

يقول السراج إن شجرتين التفتا على قبرين متلاصقين. من كل قبر خرج ساق شجرة، والتقت القمم النامية الأعلى، وفي ذلك دلالة على استمرار الحب بعد غياب الأجساد والأرواح.

كان هذان القبران لعروة ولعفراء، وهما من أشهر عشاق العرب.

إلا أن الروائي الكردي المقيم في ألمانيا جان دوست، وهو مترجم كتاب “مم وزين”، قصة حب من الأدب الصوفي للشاعر الكردي أحمد خاني، أخبر مراسل “وفا”، أن القصة ذاتها موجودة في التراث الكردي: “هذه القصة موجودة في التراث الكردي. في قصة الحب الشهيرة مم وزين. وقصة الشجرتين مشهورة جدّاً. لم أكن أعلم أنها موجودة في التراث العربي أيضاً. في الطبعات القادمة سأشير إلى هذه النقطة.”

إذا كان تفسير الطب للحب من علامات العصر الحاضر، فهل اختلفت قصص الحب عند العرب في الماضي عن الحاضر في تراثهم المكتوب والمروي؟ سؤال طرحته على أستاذ الأدب العربي في جامعة بيرزيت د. محمود العطشان.

“طبعاً. مفهوم الحب اختلف (…) الحب بمفهومه القديم يتوارى إلى حد كبير. مظاهره اختلفت كثيراً. وطريقه تعبيرنا على الحب اختلفت عن الماضي”.

إذن مثلما كان بالإمكان التعبير عن حب قيس وليلى بهذا التراث الشعري الكبير، يمكن التعبير عن الحب اليوم، بضغطة على أيقونة القلب الأحمر في عصر الثورة التكنولوجية الهائلة.

ومثلما كان التذلل للحبيبة طلباً لقربها يُنجز بمعلقة شعرية، أصبح بالإمكان أن يطلب منها فك البلوك في الفيسبوك، لأن الشوق لها فاض.

وإلا، لماذا انتشرت تلك الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي المكتوبة على أحد جدران المنازل، يطلب فيها عاشق من معشوقته أن تفك عنه الحظر قائلاً: “فكي البلوك اشتقتلك”.

“إنها في النهاية أوامر الدماغ. كلها أوامر الدماغ”، يقول الأقرع قبل يوم من حلول عيد الحب، أو ما يُسمى الفالنتاين، الذي يحييه العالم في الرابع عشر من شباط.

المصدر : وكالة وفا – جميل ضبابات