استعمار فلسطين وأدوات الصراع السياسي الفكري

بقلم: حمادة فراعنة

في مقالته عن أهمية مؤتمر سان ريمو الذي عُقد قبل مئة عام في نيسان 1920 شمال ايطاليا وبحث تركة الدولة العثمانية وتقاسم أراضيها بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وهي بريطانيا وفرنسا، أشار يوسي بيلين الوزير الأسبق عدة مرات لدى حكومات المستعمرة إلى أن الطائفة اليهودية في ذلك الوقت كانت تُمثل حوالي عشرة بالمئة فقط من سكان وشعب وأهل فلسطين، ومع ذلك تم الاتفاق في سان ريمو على أن تقوم بريطانيا التي تولت الانتداب على فلسطين بتسهيل تدفق اليهود الأجانب تسهيلاً لتنفيذ مشروعهم في استعمار وطن الفلسطينيين وتحويله إلى وطن للطائفة اليهودية.

مقال يوسي بيلين يثير الاهتمام ويدعو إلى تناول جذور القضية الفلسطينية وأولها أن تدفقات المستعمرين الأجانب إلى فلسطين كان واضحاً جلياً نحو هدف مركزي وهو تغيير الوضع السكاني الديمغرافي وساعد على ذلك عمليات التطهير العرقي والطرد السكاني للفلسطينيين عام 1948، وإلى حد ما عام 1967.

وثانيها أن استعمال مفردة اليهود واليهودية، بما يوازي مفردة العرب والعربية خطيئة فكرية وسياسية من قبل أغلبية الاتجاهات السياسية الوطنية والقومية والإسلامية واليسارية في فلسطين، وهي خطيئة دارجة متداولة يجب التوقف عندها وإعادة النظر بها، لأنها دلالة على التسليم العربي بالفهم والرؤية الصهيونية التضليلية في توظيف مفردة اليهود كدلالة قومية، وجعلهم شريحة واحدة رغم تعدد قومياتهم.

فاليهود كما المسلمين والمسيحيين من قوميات متعددة، تربطهم ثقافة وانتماء ديني واحد، ولكنهم ينتمون لقوميات مختلفة، والتسليم العربي بالمفهوم الصهيوني لكلمة اليهود واليهودية تجعل من يهود العالم كتلة بشرية واحدة تحت سقف الصهيونية في خدمة مشروعها الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وفي مواجهة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني.

لقد وقع السوفييت في هذه الخطيئة ومعهم كل الأحزاب الشيوعية، ولما أدرك السوفييت هذه الخطيئة الفكرية، ودفعوا ثمن التحريض، بخلخلة المجتمع السوفيتي واختراقه والعمل على تدميره من الداخل، كان الوقت متأخراً، وبقيت هذه الخطيئة الفكرية السياسية حتى يومنا هذا، مما يستوجب تصويب هذا الخلل الفكري السياسي، والتعامل مع مفردة اليهود واليهودية باعتبارها دلالة لجماعة دينية، وليست تعبيراً عن جماعة قومية.

استعمال تعبير العلاقات العربية اليهودية في فلسطين، أو التعايش العربي اليهودي، أو الصراع العربي اليهودي، وقوع في مستنقع الفهم الخاطئ، واستدراج من قبل القوى السياسية على مختلف توجهاتها للرغبة والثقافة الصهيونية وتسويقا لفهمها، مما يستتبع بالضرورة رفض تداولها وخاصة لدى الأحزاب والكتاب والمثقفين، يساعد على ذلك ثقافة التطرف والعنصرية والعداء المفرط من قبل التركيبة السياسية التي تقود المجتمع العبري الإسرائيلي، بأغلبيته مثلما يساعد على مواجهتها ورفضها حالة النهوض الوطني الفلسطيني في مناطق 48 المتمثل بالقائمة البرلمانية العربية العبرية الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة التي غدت حاضرة لدى المشهد السياسي العبري الإسرائيلي بقوة، وستزداد قوة وتأثيراً رداً على سياسات التطرف والعنصرية وقوانينها الجائرة بحق الفلسطينيين أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …