بقلم: نجوى معروف
كثُرَ الجهر بالتطبيع وبرز التوّجُهُ الصريح من خلال بعض فضائيات الدول العربية في شهر رمضان الفضيل، ولم يكن الأمر مُفاجئًا من دولٍ تشن حربا على اليمن وتحاصر قطر، لكن ما يثير الاشمئزاز هو التشدق بحقوق الصهاينة ومنهم اليهود، وتسليط الضوء على معاناتهم المزعومة وخروجهم من المنطقة العربية منبوذين ومُهجّرين من ديارهم. وهذا يعكس جهل مؤلفي ومنتجي هذه الأعمال الإعلامية بتاريخ اليهود، وإمعانهم في تجاهل الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون المرابطون أو المُهجّرون.
كما تكرر ظهور أشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الذين ينكرون حقوق الفلسطينيين ويتهمونهم بالخيانة وبيع بلادهم، وأنهم شعب ناكر للجميل، ولا قضية لهم بل هي قضية المساكين اليهود!
على الراغبين في التطبيع أن يتقبّلوا مطالبة اليهود بحقهم في العودة لديارهم العربية.
لقد تجاوزت إساءاتهم حد الاحتمال، وإن كنّا نُدرك أنهم أشخاص لا يمثلون إلاّ أنفسهم، لكننا كعرب نخجل من ظُلمهم وتنكيلهم في عرب مثلهم، ونستاء من تبرّئهم من الفلسطينيين ونعتهم بمخلّفات الرومان، وكأن اليهود الذين جمعتهم الحركة الصهيونية في فلسطين عرب! بل هم من شتات العالم، واعتنق بعضهم الديانة اليهودية طمعًا في وعود الصهاينة.
نحن المسلمون نؤمن بالديانات السماوية، وديننا يدعو للعدل ويُحرّم القتل إلا بالحق، وينص على مكارم الأخلاق. ولقد عاش اليهود والنصارى والمسلمون الفلسطينيون قبل الاحتلال حياة سلمية، كما أنهم يتعايشون الآن (بحذر) في دول المهجر (غير العربية) ضمن دساتير تلك الدول التي منحتهم حقوق المواطنة بغض النظر عن الانتماء الديني أو العرقي، حالهم حال بقية المهاجرين من مختلف بقاع العالم.
العرب والمسلمون تحديدا لم يظلموا اليهود، فلقد تمتع اليهود بتسامح نسبي على كافة المستويات تحت حكم مختلف العصور الإسلامية، خاصة حين فروا من اضطهاد أوروبا إلى الأندلس وإلى السلطنة العثمانية، وعاشوا حياة ذهبية في البلاد الإسلامية. لكن التاريخ يقول إن اليهود كانوا عُرضة لاضطهاد الصليبيين لإيمانهم بأنهم قتلة المسيح. وفي أوروبا كانوا يعيشون في عزلة عن المجتمع المسيحي، محرومين من الوظائف والمناصب المهمة والسياسية، وحرية التعبد. عدا كونهم مكروهين بسبب ثرائهم المبني على قروض الربَا. وسقط منهم في مذابح 1190م في إنجلترا العديد من الأثرياء والإقطاعيين اليهود. وأمام موجات الاضطهاد المسيحي المتعصب، لجأوا للهجرة إلى مملكة بولندا، إذ بلغت أعدادهم فيها قبيل الحرب العالمية الثانية حوالي 3 ملايين يهودي، لم تترك المحرقة النازية منهم إلا أقل من ربع مليون بعد الحرب، لكنهم ادّعوا أن عدد قتلاهم تجاوز 6 ملايين يهودي.
حتى أتى وعد بلفور المشؤوم عام 1948، ليُخلص أوروبا وبريطانيا منهم، واختار لهم فلسطين لإقامة دولة إسرائيل، ثم طرد العرب منها، وأُقيمت دولة يهودية صهيونية عنصرية، ليس فقط لمواقفها ضد الفلسطينيين والعرب وإنما لتمييزها بين اليهود أنفسهم.
طبّعوا كما شئتم دون أن تؤذوا أخوتكم الفلسطينيين بسوء أقوالكم وأعمالكم، واحفظوا ماء وجوهكم بوضع شروط عادلة، قبل أن تبصموا على معاهدات لن تنالوا منها خيرًا، عليكم اشتراط حق العودة للشعب الفلسطيني؟ وإلغاء صفقة القرن!
كل المعاهدات حول العالم تقوم على شروط وأحكام تلتزم بها كل الأطراف، إن حق العودة هو مبدأ من مبادئ القانون الدولي الذي يكفل حق كل فرد في العودة الطوعيّة إلى بلده الأصلي أو جنسيته.
حق العودة هو حق الفلسطيني الذي طُرد أو خرج من موطنه لأي سبب، حقه في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه قبل 1948، وهو حق كل فلسطيني بكامل ذريته مهما بلغ عددها.
يوما ما سيتذكرون قول الله تعالى: «ومَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».
عن “الراية” القطرية