بقلم: أنطوان شلحت
مع تأكيد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في جلسة كتلة حزبه، الليكود، في الكنيست يوم 25 أيار الحالي، أنه لا ينوي تغيير التاريخ المُحدّد لقضية ضم منطقة الأغوار والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، والذي حدّد في الفاتح من تموز المقبل، وإشارته إلى أن ثمّة “فرصة تاريخية” للقيام بمثل هذه الخطوة “لم تكن متوفرة منذ عام 1948″، وتشديده على أنه لا ينبغي تفويتها أبدًا، استعر أوار الجدل، حتى بين صفوف مختلف أطياف اليمين الإسرائيلي، بشأن حجم الأراضي التي سيتم ضمّها من مناطق الضفة إلى دولة الاحتلال.
ولم تتوفر بعد أي معطياتٍ نهائية حول حجم الأراضي المنوي ضمّها، وهي مسألة لا تزال خاضعة، كما يُنشر في وسائل إعلام إسرائيلية، إلى ترسيم خرائط مفصلة من طرف طاقم مشترك إسرائيلي – أميركي، تطبيقًا لما ورد في “صفقة القرن” بشأن وجوب أن يتم الضم من خلال اتفاق بين الطرفين. وعلى الرغم من ذلك، ثمّة مؤشرات إلى أن هذا الضم سيشمل ما يراوح بين 30% و33% من مساحة أراضي الضفة الواقعة في مناطق C، بما يبقي نحو 30% من سائر الأراضي الواقعة في هذه المناطق موضوعًا للتفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويعود سبب هذا الجدل داخل اليمين الإسرائيلي إلى وجود رغبةٍ بين بعض أطيافه بعدم الاكتفاء بضمّ النسبة السالفة، كون اكتفاء كهذا يعني موافقة إسرائيل ضمنًا على أن تُخصّص النسبة الباقية لمصلحة الدولة الفلسطينية التي ستُقام وتُعارض هذه الأطياف مجرّد قيامها، بغض النظر عن مواصفاتها وجوهرها ومساحتها.
وإلى أن ينقشع الغبار المحيط بكل هذه التفاصيل، في غضون الفترة القصيرة المقبلة، سيدور النقاش حول معارضة تلك الأطياف لموضوع تأييد “صفقة القرن” إقامة دولة فلسطينية.
وذلك على الرغم من أن هذا التأييد يتيح إمكان إقامة دولة فلسطينية مصغَّرة ومُحدَّدَة وضعيفة بجانب إسرائيل، حتى وفقًا لقراءاتٍ إسرائيليةٍ متعدّدة، أشار بعضها، وخصوصًا أوراق التحليل الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إلى أنها ستكون دولة فلسطينية غير متواصلة جغرافيًا، مقسّمة إلى ستة كانتونات محاطة تمامًا بإسرائيل، ناهيك عن وجود سيطرة إسرائيلية على كل المحاور التي تربط بين المناطق الفلسطينية، وسيطرة إسرائيلية أمنية وسيادية على الغلاف، بما في ذلك المعابر الخارجية (معبر اللنبي على نهر الأردن، ومعبر رفح مع مصر)، جازمًا بأن المغزى الحقيقي لهذه الخطة بالنسبة إلى الفلسطينيين هو تقريبًا اتفاق استسلام لا تسوية أو اتفاق سلام.
وربما تجدر هنا الإشارة إلى حقيقة أن أطياف اليمين المذكورة التي تعلن معارضة قيام دولة فلسطينية تستند، من بين أمور أخرى، إلى اتفاقيات أوسلو. وفي رأيها أن أهمية هذه الاتفاقيات كامنة ليس في ما اشتملت عليه، إنما في ما لم تشتمل عليه، وهو تجنّبها أي ذكر لموضوع إقامة دولة فلسطينية، فهي تحدثت عن إنشاء حكم ذاتي فلسطيني في هيئة السلطة الوطنية الفلسطينية لا إقامة دولة.
وهذا التمييز بين “حكم ذاتي فلسطيني” و”دولة فلسطينية” انعكس في عدة بنود ورد فيها بصريح العبارة أن إسرائيل ستواصل الاحتفاظ بـ”صلاحية السيادة”، في حين تحتفظ السلطة الفلسطينية بالصلاحيات التي يتم نقلها إليها، أو كما ورد في تلك الاتفاقيات “تكون مسؤولة عن كل الصلاحيات التشريعية والمسؤوليات التنفيذية المنقولة لها بمقتضى هذه الاتفاقيات”.
كما أن هذه الأطياف تستفظع، في الآن ذاته، أنه في الوقت الذي كان فيه حق الفلسطينيين في الحصول على دولةٍ مستقلةٍ في عهد أوسلو مسألة خاضعة للتفاوض، فقد أضحى مثل هذا الحقّ أمرًا شبه مفروغ منه في العالم، وهو ما تنتقده في “صفقة ترامب”، ولكنها تتجاهل أن الشروط التي تضعها لإحقاق هذا الحقّ تفرغ الدولة الفلسطينية من أي مضمون، فضلًا عن أن طرحها شرط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية على بساط البحث يوصل إلى نتيجة أشدّ وأدهى.
عن “عرب ٤٨”