لا بد من خطة إنعاش للبلدة القديمة من القدس

2 يونيو 2020آخر تحديث :
لا بد من خطة إنعاش للبلدة القديمة من القدس
لا بد من خطة إنعاش للبلدة القديمة من القدس

بقلم: راسم عبيدات

من الواضح بأن الأوضاع والظروف الصعبة التي تعيشها البلدة القديمة من القدس بفعل اجراءات وممارسات الإحتلال الأمنية والشرطية وعمليات الإغلاق وتقييد الحركة والحواجز الأمنية والشرطية الثابتة والمتحركة،شلت الى حد كبير الحركتين التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة من القدس… ولكن رغم كل ذلك كان التاجر المقدسي يقاوم ويصمد،ويحافظ على وجوده ورباطه،ويشكل شوكة في حلق المستوطنين والإحتلال،الساعين لتهويد البلدة القديمة،والتي تشكل بوجودها البشري والتجاري والسياحي والإقتصادي والديني حاجز الصد الأمامي أمام المحاولات الصهيونية الرامية الى تغيير الوضعين القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى والسعي لتقسيمه مكانياً، تمهيداً لتنفيذ مخطط اقامة الهيكل المزعوم. ولكن هذا الصمود وهذا الوجود تعاظمت المخاطر عليه بفعل انتشار جائحة ” كورونا” الحركة التجارية والإقتصادية بشكل كلي، وقد اضطرت الكثير من التجار الى إغلاق محالهم التجارية،أو التي منعت من العمل بفعل تلك الجائحة للخروج والبحث عن مصدر رزق لهم،وهذا راكم الكثير من الديون والأعباء المالية على التجار،لكونهم لا توجد لهم جهة راعية او حاضنة،تعمل على تعويضهم عن خسائرهم والأضرار التي لحقت بهم….ولعل القطاع الأكثر تضرراً من غيره في هذا الجانب،هو قطاع التحف الشرقية ” السنتوارية”،المرتبطة والمعتمدة أعمالهم على الحركة السياحية والمعطلة حتى اللحظة الراهنة.

هؤلاء التجار والعاملين في هذا المجال،يضاف لهم العاملين في المطاعم والمقاهي السياحية يتجاوز عددهم ال 400 تاجر ومستفيد،يتركز اغلبهم في منطقة باب الخليل والباب الجديد وسوق الدباغة.

من يدخل الى البلدة القديمة من القدس ويصل الى سوق الدباغة وباب الخليل،ويتطلع ويتفرس في وجوه اصحاب المحلات التجارية، الذين يأتون فقط من أجل تهوية محلاتهم والإطمئنان عليها ،وجزء منهم يتسلى بلعب ورق الشدة او احجار النرد..لفترة لا تزيد عن ساعة او ساعتين ومن ثم يقفلون محلاتهم التجارية…ولا يعرفون متى ستنتهى معاناتهم،والى متى سيكونوا قادرين على الصمود والبقاء،فهم بالكاد يتدبرون امورهم الحياتية في الأوضاع الطبيعية،فكيف سيصبح الوضع مع استمر الإغلاق وعدم وجود آفاق قريبة لعودة الحركة السياحية ???…..

ما العمل وما هي المخارج؟

نحن ندرك بأن قضية انعاش الحركة التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة وتعزيز الصمود فيها للتجار والمواطنين وبالذات تجار التحف الشرقية ” السنتوارية “، خشب ،خزف،مصدفات ومطرزات وأشغال يدوية والمطاعم والمقاهي المرتبطة بها، اكبر من قضية توزيع طرد غذائي او صحي أو دفع مبلغ مالي 3000 دولار لمرة واحدة، وهي اكبر أيضاً من قدرات وإمكانيات الغرفة التجارية ومؤسسات السلطة الرسمية ووزارتها المرتبط عملها بالقدس، ولذلك هي تحتاج الى خطة انعاش بالمعنى الشمولي تشارك فيها الغرفة التجارية والمرجعيات والوزارات ذات الشأن والعلاقة بالقدس ومنظمة التحرير.

ومسألة الحفاظ على هوية المدينة وعروبتها واسلاميتها، وبالذات البلدة القديمة منها، والتي هي محط أنظار واطماع دولة الإحتلال والجمعيات التلمودية والتوراتية، تلك الجماعات في ظل حالة الإغلاق لتلك المحلات في فترة إنتشار جائحة ” كورونا”…أصبحت تؤدي شعائرها وطقوسها وصلواتها التلمودية والتوراتية في منطقة سوق الدباغة… حيث مخاطر التهويد والضياع تتهدده.

نحن لا نريد لتجارنا في البلدة القديمة أن يتحولوا الى متسولين، وبالمقابل لا نريد ان نستمر في حالة البكاء والتشكي والتذمر، فلا بد من وضع خطط عملية وآليات تنفيذية، تمكن من بقائهم وتعزيز صمودهم. ولذلك لا بد من مطالبة السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية من دعوة المؤسسات العربية والإسلامية من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والصناديق واللجان العربية والإسلامية المشكلة باسم القدس، لكي تتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على الوجود العربي الفلسطيني المقدسي في قلب البلدة القديمة، والتي تستهدفها صفقة القرن الأمريكية بالضم والتهويد، فالقدس التي يتغنى بها الجميع، ويقولون بأنه لا يمكن التخلي عنها، والتي تعقد المؤتمرات والندوات باسمها، وكذلك تجمع التبرعات والمساعدات باسمها ولصالحها، وتخرج المظاهرات والمسيرات نصرة لأهلها، والمخصص يوم لنصرتها استناداً للدعوة التي اطلقها الإمام الراحل الكبير آية الله الخميني بجعل الجمعة الأخيرة من كل شهر رمضان، جمعة لنصرة اهل القدس، هذه القدس يجب أن تبقى فوق التجاذبات والخلافات السياسية والمذهبية،فالقدس يفترض أن توحد لا ان تفرق،ومن يريد ان يعمل لصالح القدس واهلها بعيداً عن لغة المصالح ،يجب أن يرحب به،ولذلك أرى من الهام والضروري بأن توضع خطة إنعاش للبلدة القديمة على المستوى الداخلي بتكثيف الزيارات والسياحة الداخلية اليها،ضمن برامج وخطط يجري تنسيقها مع شعبنا وأهلنا في الداخل الفلسطيني،بحيث من يأتي من أجل الصلاة او زيارة الأماكن الدينية أو التسوق، يكون ضمن برنامجه زيارة الأسواق المهددة بالإغلاق في البلدة القديمة والشراء من تجارها ،ولو على صعيد ضريبة تعزيز صمود سواء كان بحاجة او لم يكن.

أما على الصعيد العربي والإسلامي، فالخطط والبرامج لدعم المقدسيين وتعزيز صمودهم،وبالذات تجار البلدة القديمة منهم،سواء لجهة تسويق وبيع منتوجاتهم في تلك البلدان،من خلال معارض أو أسواق داعمة تقام لذلك،او عبر الشراء الألكتروني ومن خلال مواقع خاصة تنشىء لهذا الغرض،أو تبني دعم مشاريع محددة لهؤلاء التجار،بالعمل على إحياء حرف مهددة بالإنقراض مثل النحاس،الفخار،الأدوات التراثية والمطرزات وغيرها، فإنه لا بد بشكل عاجل وملح أن تكون هناك خطة إنقاذ وطوارىء، لجميع تجار البلدة القديمة،والذين لا يتجاوز عددهم 1400 تاجر، ولكن تكون الأولوية لتجار الحرف المرتبطة بالتحف الشرقية ” السنتوارية” وما يرتبط بها من مطاعم ومقاهي وخدمات سياحية، بحيث يخصص للإربعمائة تاجر مبلغ مالي الف (1000 ) دولار شهري لمدة من 3 – 6 شهور، تتبناه دولة عربية او إسلامية، وعلى سبيل المثال شهر السعودية وشهر قطر وشهر الكويت وشهر الإمارات وشهر ايران وشهر ماليزيا وشهر تركيا واخر اندونسيا…الخ. ومن بعد ذلك يصار بقرار عربي – إسلامي وضمن ما يسمى بدول منظمة التعاون الإسلامي، بتخصيص مبلغ شهري ل 1400 تاجر في البلدة القديمة 500 دولار أمريكي كتعزيز للصمود والوجود في البلدة القديمة.

ما نحتاجه في القدس وبالذات البلدة القديمة منها،لكي نعزز من وجودنا وصمودنا والبقاء في قدسنا وعلى أرضنا،وعدم تسارع عمليات التهويد وتسرب المحلات التجارية،او إغلاقها وهجرها، الى مسكوفيتش عربي او فلسطيني او إسلامي واحد، فموسكوفيتش الصهيوني يضخ أكثر من مليار دولار سنوياً لتعزيز الإستيطان في القدس والسيطرة على أراضيها وممتلكاتها، وأمة تقول أنها تزيد عن مليار ونصف المليار، ألا يوجد فيها موسكوفيتش واحد، ينقذ مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقبلة المسلمين الأولى من مخاطر التهويد والضياع؟