الرواية الإسرائيلية والتمحور حول الذات

18 يونيو 2020آخر تحديث :
الرواية الإسرائيلية والتمحور حول الذات
الرواية الإسرائيلية والتمحور حول الذات

بقلم: أنطوان شلحت

بهذا المقال، تُختتم وقفة سريعة، بدأت بمقال الأسبوع قبل الفائت، على خلفية جريمة قتل الشاب الفلسطيني إياد الحلّاق الذي يعاني من التوحّد، برصاص جنود دولة الاحتلال، سعت إلى تبيان أسباب أن كراهية العربي لا تنفكّ تشكّل الإجماع القوميّ الأبقى في صفوف الإسرائيليين.

أحد هذه الأسباب، والذي تتوقف عنده مقالة اليوم، أن من يُفترض بهم، بداهة، أن يضطلعوا بدور رياديّ في ما ينطوي على دحض لتنميط الإنسان العربي سلبيًا، ممن يؤطرون أنفسهم داخل مُسمّى “أنصار السلام”، ينأون بأنفسهم عن ذلك بصورة لا يمكن عدّها غير واعية.

ولا يتسع الحيّز سوى لتناول جزء يسير مما أنتجه هؤلاء في مضامير الثقافة، ولا سيما في مجال أدب الأطفال والفتيان، والذي يساهم، من الناحية التربوية، مثلما سبقت الإشارة، في نشوء نمط معيّن من إدراك وتفكير يتولدان تلقائيًا من مسائل، هي أشبه بالبديهيات المُسلّم بها، راسخة في العقل إزاء الإنسان العربي، ويتربّى عليه كل يهودي إسرائيلي منذ الصغر، فيكبر معه ويتكرّس، كذلك، بتأثير من الواقع السياسي – الاجتماعي الإسرائيلي.

ننمذج على ذلك من خلال تناول كتب أطفال كتبها أدباء من الفئة المذكورة، تناولت الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، من وجهة نظر اعتبرت مغايرة، لناحية الاحتجاج على الوضع القائم، ونركّز على كيفية تعاطيها مع شخصية العربي أكثر مما يتغيّاه هذا الاحتجاج.

قبل عدة أعوام، تناول بحث صدر في المجلة التربوية الإسرائيلية “طفولة” ثلاثة كتب من هذا القبيل، صدرت على مدار عقدين بين 1987 و2007، خلص إلى أنه على الرغم من كل التطورات خلال هذه الفترة الطويلة، فإن الكتب الثلاثة بقيت خالية من المشاهد الطبيعية والشخصيات الفلسطينية بذواتها الإنسانية ذات العمق النفساني. ويفيد البحث أيضًا بأنه مع أن هذه الكتب تشدّد، في رسائلها الضمنية، على ضرورة وجود حوار مع الفلسطيني، بوصفه آخر، ولا تشكّك في وجود ما اصطلح على تسميته “شريك عملية السلام”، وإن لم يكن في المستوى المرغوب فيه، فإن القراءة المتمعنة لها تكشف عن مقاربة إسرائيلية متمحورة حول الذات، يتسم بها الإسرائيليون، على اختلاف ألوان طيفهم السياسي. ووفقًا لهذه المقاربة نفسها، كما يتبدّى في النتائج التي يصل إليها الأدباء الثلاثة، يستلزم واقع الصراع أن تتطلع دولة الاحتلال إلى تسويته بموجب مفهومها هي، وهو المفهوم نفسه الذي أوجد الإجراءات الأحادية الجانب على ما فيها من تجاهل متعمّد لوجود الطرف الفلسطيني وحقوقه، على ما تؤكد مُعدّة البحث.

أحد كتب الأطفال هذه “إيتمار يلتقي أرنبًا” لديفيد غروسمان، وصدر عام 1988، ويحكي قصة الولد الإسرائيلي إيتمار الذي يحب الحيوانات، ويخشى من الأرانب فقط، بسبب ما رسخ في مخياله بشأنها. وفي إحدى رحلاته مع والديه إلى الغابة، التقى أرنبًا يخاف من الإنسان، وسرعان ما ربطت بينهما علاقة صداقة.

حتى في حال التسليم بأن الكاتب يروم أن يغتال أفكارًا مسبقة في مخيال الصغار، ليست لها أسانيد في الواقع، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من إسقاطاتٍ تتعلق بالصراع، فإنه لم يتجنّب الوقوع في أخطاء عظيمة ملازمة لمثل هذا الأدب، بغض النظر عن كتابه، فالقصة مرويةٌ، من ألفها إلى يائها، بلسان الولد الإسرائيلي، صاحب الذات الواضحة والمتبلورة، وتشفّ عن عناصر روايته كافة. والأنكى أنه يحمل اسمًا صريحًا ومُحدّدًا، بينما الآخر، الأرنب، لا يحمل اسمًا بتاتًا، فضلًا عن افتقاره إلى السمات الإنسانية لمجرّد كونه حيوانًا، وإن كان أليفًا.

وإذا ما قاربنا المسألة من زاوية أن غاية الكاتب هي تبديد مخاوف غير واقعية في مخيال طفلٍ بما يطلق العنان له من دون قيود، فإن مجرّد ذلك يردّ على مسألة التمحور حول الذات التي بقدر ما إنها أنوية بقدر ما إنها لا تأخذ في الاعتبار حاجات الآخر، بل حتى لا تراه.

عن “عرب ٤٨”