مطلوب إجابات لتساؤلات ملحَّة حول المقاومة الفلسطينية عشية تنفيذ خطة الضم

بقلم: يونس العموري

في ظل الواقع الفلسطيني الراهن أصبح إرهاب الدولة العبرية المنظم والداعم للإرهاب الاستيطاني على مختلف مستوياته واشكاله المؤطر والمبرمج خدمة للأهداف الاسرائيلية الإستراتيجية القاضية بالقضاء على ما يسمى بحل الدولتين وتقويض أسس وهم التسوية السياسية المستندة على القبول بالشراكة مع الآخر على فلسطين التاريخية، حيث تمضي حكومة نتنياهو قدما في فرض السيادة على مناطق واسعة من الاراضي المحتلة في العام 1967 وعلى وجه الخصوص وكمرحلة اولى ضم الاغوار التي تشكل ما نسبته 29% من مساحة الضفة ، وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار 720 ألف دونم، الممتدة من بيسان شمالا الى جنوب البحر الميت ، ويعيش فيها قرابة 70 ألف مواطن بواقع 27 تجمعا.

وقد أنشأ الاحتلال 90 موقعًا عسكريًا في الأغوار منذ احتلالها ، وتجثم على أراضيها 36 مستوطنة، وغالبيتها زراعية، وقد أقيمت على 12 ألف دونم، إضافة إلى 60 ألف دونم ملحق بها، ويسكنها ما يقارب 9500 مستوطن ، والسيطرة عليها تعني فقدان الحدود الخارجية، والسيطرة كذلك على ثلث مساحة الضفة. كما تضم الأغوار حوض المياه الشرقي ويشكل حوالي 170مليون متر مكعب من مياه الضفة، وهي السهل الثاني في فلسطين بعد السهل الساحلي.

السيطرة على الاغوار تعني ايضا فقدان ما قيمته 4 ملايين متر مكعب من مياه نهر الأردن، كما ان هذه المناطق تعد أكبر مصدر دخل للضفة اقتصاديا وهي مصدر من مصادر المحاجر والكسارات، وتمثل 50% من إجمالي المساحات الزراعية في الضفة، و60% من إجمالي الناتج الزراعي العام.

ان هذا المخطط بما بات يعرف بخطة الضم للضفة الغربية ، التي تتماشى مع جوهر ما يسمى بصفقة القرن، وتنفيذا لتلك المخططات ومنذ الزمن البعيد والذي مهد الطريق السهلة لفرض سياسات الامر الواقع ، وهو ما نشهده واضحا في القدس ومناطقها ومحيطها ، تحديدا في ظل المخططات التهويدية لكل ما يتصل بالقدس وسياسات الهدم والتهجير والاعتقالات وتنفيذ المشاريع الاستيطانية الضخمة في قلب المدينة (مشروه وادي السيلكون في واد الجوز)، وفي ظل غياب الكل الوطني والاقليمي وحتى الشعبي الجماهيري جراء عمليات التخريب الممنهجة لهذا الكل وعلى مختلف المستويات والصعد ، وعشية الاعلان الاسرائيلي الرسمي عن البدء بتنفيذ عمليات الضم لسيادة دولة الاحتلال نجدنا فلسطينيا امام حالة من العقم والعجز مما يعيد الى الواجهة مشروعية المقاومة وضرورة اعادتها للاعتبار.

الكثير من الاسئلة والاستسفارات تطرح حول غياب وتغيب الغضب الفلسطيني الشعبي من خلال الفعل المقاوم المبرمج ذي المنهجية العملية، وبهذا الصدد لا بد من فتح هذا الملف على مصراعيه.

لقد شكلت مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي على مدار سني الصراع الكثير من المعاني والقيم والدروس في سفر المقاومة والممانعة وإدارة الفعل المقاوم على أسس واقعية قابلة للتطبيق تكون محصلتها بالنهاية انجاز الصمود وتحقيق الانجازات المطلوبة وفقا لمتطلبات المرحلة على آلة القتل والتدمير الحربية الإسرائيلية التي ما انفكت في ممارستها بغية إرهاب شعبنا وتحقيق معادلة التفوق على مختلف المستويات والصعد. وإذا ما تتبعنا سير الفعل المقاوم فلا بد من الاعتراف أولا أن هذه المقاومة قد شكلت منعطفا حقيقيا في معادلة الصراع التي حكمت وما زالت تحكم المنطقة على اعتبار أنها قد أثبتت أن العدوان الاسرائيلي وجيش الاحتلال من الممكن التصدي لهما وإلحاق الهزيمة بهما إذا ما توافرت عوامل الفعل الموضوعية والذاتية وهنا لا بد من إجراء دراسة موضوعية ممن يحترفون فعل (المقاومة الفلسطينية المعاصرة) بهدف الإجابة على السؤال الذي بات مقلقا وتتطلب الإجابة عليه الكثير من المصداقية والشفافية، وهو السؤال الذي اجزم انه في ذهن الكل الفلسطيني الوطني والذي يطمح لرؤية نموذج المقاومة الفلسطينية على النحو المفترض أن تكون عليه ولا اقصد هنا أن يكون استنساخا لتجربة اخرى في الأراضي الفلسطينية، وهو الأمر الذي من المستحيل تحقيقه كون الظروف الموضوعية واللوجستية مختلفة تماما، إلا انه وبذات الوقت لا بد من طرح السؤال وهو على النحو التالي: لماذا أخفقت المقاومة الفلسطينية المعاصرة في انجاز الفعل المقاوم الحقيقي والمنضبط وفقا لطبيعة العامل الفلسطيني وتداعياته ومعادلة مساراته السياسية؟ بمعنى لماذا الإخفاق الفلسطيني في انجاز مقاومة فلسطينية متوافقة ومتطلبات المرحلة واستراتجياتها تكون لها إبداعاتها ومفاجآتها وحكمتها في إدارة الظرف السياسي وتطوير الفعل المقاوم على الأرض بما ينسجم وخدمة المصلحة الوطنية العليا أولا وأخيرا؟ وان تكون المقاومة جزءا من النسيج السياسي العام والعامل والفاعل في الوطن. وان كانت هناك الكثير من وجهات النظر المتصارعة بهذا الشأن وهذا برأيي يتطلب أولا وقبل كل شيء فهما وإدراكا واقعيا وسياسيا من قبل ما يمكننا أن نطلق عليه برأس المقاومة بمعنى أن المقاومة الفلسطينية تفتقد بشكل أو بأخر لرأس لها، أي القيادة الفعلية المؤسساتية للمقاومة التي تستطيع أن تبعد المقاومة عن أسلوب العمل المليشيوي والارتجالي لمجرد ممارسة الفعل وردة الفعل، وإقحام الفعل المقاوم بسجالات دهاليز الاختلافات الداخلية والانقسامات.

وهنا لا بد من التأكيد أن المقاومة كمقاومة لابد لها من أن تنأى بنفسها عن توظيف ذاتها بالداخل الفلسطيني خدمة لوجهة نظر هذا أو ذاك الطرف وان كانت تتوافق مع هذا الطرح السياسي بشكل أو بأخر، وهذه نقطة أتصور أن لها أهميتها ولها تداعياتها على فعل المقاومة ككل بمعنى انه لابد من انجاز مشروع المقاومة النابعة من الجماهير ولكل الجماهير والتي تحتضنها الجماهير ككل وان لا تكون حكرا على طرف سياسي من غيره وهو الأمر الذي باتت تفتقده المقاومة مؤخرا على الأراضي الفلسطينية حيث تضعضع الالتفاف الجماهيري حول المقاومة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن للمقاومة رؤيتها السياسية وممانعتها وقبولها أو رفضها للأطروحات السياسية، ولكن مشاريعها تلك من المفروض أنها نابعة من مخطط استراتيجي توظف من خلاله الفعل المقاوم لتحقيق انجازاتها السياسية، والتي تصب بالنهاية في خدمة الهدف والصالح العام، الأمر الذي يعني أن المقاومة التي لا بد من أن تعمل في الأراضي الفلسطينية يجب أن تكون ممركزة ولها إستراتيجية موحدة وتكتيك براغماتي يحكم العملية برمتها.

هذا ما تفتقده المقاومة الفلسطينية. كما لا بد لها من أن توظف فعلها الميداني لينسجم مع متطلبات المرحلة سياسيا وان تخدم الفعل السياسي على مختلف توجهاته وهذا أيضا ما تفتقده ساحة المقاومة الفلسطينية بشكل أو بآخر حيث تنوع اذرع المقاومة غير المرتبطة بقرار مركزي واحد وبالتالي بوحدة أداء واحدة وانسجام عملي وفعلي واحد مما يعني ضياع وبعثرة الجهد العملي والفعلي للمقاومة وضياع الاستثمار السياسي للفعل الميداني مما يجعله في الكثير من الأحيان فعلا عبثيا لا جدوى حقيقية له. وبالمعنى النظري نستطيع القول ومن خلال واقع تجربة المقاومة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية خلال فترة العشر سنوات الأخيرة أنها تفتقد إلى:

• إستراتيجية فعلية وعملية متفقا عليها وتحكم مسار الفعل المقاوم على الأرض وهو الأمر الملموس مما يعني إدخال المقاومة في حالة ضياع وتضييع وفقدان للبوصلة المؤشرة بالاتجاهات الصحيحة لكل مرحلة من مراحل تواصل الفعل المقاوم ذاته.

• قيادة وطنية موحدة لها رأس واحد ومجلس موحد لاتخاذ القرار الميداني المنضبط والواجب التنفيذ بالمعنى الحرفي له لا أكثر ولا اقل.

• تعبئة فكرية وسياسية لعناصر المقاومة لماهية الواقع الفلسطيني ومتطلباته.

• منهج سياسي واضح المعالم يحاول الإجابة إلى الكثير من التساؤلات المطروحة في التعاطي مع الشأن الإقليمي والدولي بالشكل البراغماتي للمقاومة.

• التنسيق الفعلي والعملي مع القوى المجتمعية الفاعلة والناشطة والممانعة بهدف توفير شبكة أمان للمقاومة ذاتها.

• خدمة الجماهير أولا وأخرا وان لا تكون المقاومة من عوامل العبء عليهم.

وبالتفصيل نلاحظ أن المقاومة الفلسطينية وتحديدا البارزة منها كأذرع مسلحة للفصائل الوطنية العاملة على الساحة إنما تعيش حالة الإرباك والفوضى وهو الذي لا يعني بالمطلق ممارسة المقاومة العلمية والعملية والفعلية، حيث نشوء العديد من ميليشيا العمل المسلح والتي بالأغلب تتبع لأشخاص أو مناطق غير مترابطة في الفعل والأداء وفي الغالب مختلفة مع بعضها البعض وقد تكون متناحرة في مرحلة معينة، وقد توظف أو أنها قد وظفت بالفعل في خدمة بنوك الأهداف لهذه الجهة أو تلك أو لهذا الزعيم أو ذاك، وهذه الحقيقة التي لابد من التوقف عندها مع العلم أن لها الكثير من المجهودات البطولية بشأن ممارسة أشكال العمل المقاوم.

فحركة حماس على سبيل المثال وحسب المعلن من طرفها تمارس الفعل المقاوم دون أن نلمس إستراتيجية واضحة المعالم لمشروعها المقاوم وبذات الوقت فإنها تقحم سلاحها ومقاومتها في السجال السياسي الفلسطيني الداخلي وهو الأمر الذي يشكل اكبر خطر على البندقية المقاتلة والمقاومة برمتها، وهذا ما لمسناه وما نعايشه بشكل أو بأخر بصرف النظر عن مبدأ من له الحق ومن عليه الحق، بل أكثر من ذلك بات من الواضح أن كتائب عز الدين القسام ذاتها تعتمد على سياسات ردات الفعل في ممارستها للمقاومة مما يعني افتقادها لعنصر المبادرة الأمر الذي يعيدنا إلى فقدان الإستراتيجية الواحدة الموحدة، التي تتطلب مراجعة أساليب العمل والفعل والمرحلة وما مدى جدواها في الصالح العام.

وحركة فتح من المعلوم والمعروف أن مشاريعها متضاربة ومتشرذمة بذات الوقت وان مشروع المقاومة المتبلور بطياتها مؤخرا لا يعبر بالضرورة عن الكل الفتحاوي وهذا انعكس بشكل أو بآخر على شكل اذرعها العسكرية التي باتت هي الأخرى متشرذمة وتتبع لزعمات محلية غير متوافقة مع بعضها البعض. وباقي فصائل العمل الوطني تحاول ولوج ساحة الفعل المقاوم بهدف إثبات الذات ليس أكثر.

على هذا الأساس استطيع أن أقول أن لا وجود للمقاومة الفلسطينية الفعلية والعملية على الشكل المأمول والمعقول والمطلوب…. وكل ما استطيع أن أقوله أن الشعب الفلسطيني بجماهيره الحية تملك إرادة المقاومة والممانعة الشعبية للاحتلال كونها ردة الفعل الطبيعية لفعل الاحتلال ذاته.

ويبقى السؤال الأكثر حساسية والمطروح بقوة اليوم هو: كيف من الممكن بناء نموذج مقاومة فلسطينية وطنية سليمة وصحيحة تقوم على أسس إستراتيجية واضحة المعالم ومنهاج سياسي قابل للتطبيق دون أن تشكل أجندة فعل المقاومة جزءا من الأجندات الإقليمية أو الدولية في ظل الوقائع الفلسطينية الشديدة الحساسية وخارطتها الفصائلية المتشرذمة؟!

سؤال اعتقد ان الإجابة عليه برسم صناع القرار الوطني الفلسطيني.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …