الضّم يستهدف تعميق الاحتلال ومن المهم مقاومته

3 يوليو 2020آخر تحديث :
الضّم يستهدف تعميق الاحتلال ومن المهم مقاومته
الضّم يستهدف تعميق الاحتلال ومن المهم مقاومته

بقلم: نيفين أبو رحمون

ليس مشروع الضمّ واحدًا من سلسلة مخططّات للاحتلال فحسب، بل إنه أخطرها. فهو يكرّس الاحتلال على الأرض الفلسطينية عبر فرض السيادة الإسرائيلية، ونحن نتحدث عن أكثر من 61% من أراضي الضفة الغربية، وهي المناطق التي تشمل الأراضي الزراعية والمواقع الإستراتيجيّة.

ويعني “فرض السيادة الإسرائيلية”، وهو بالمناسبة الاسم الذي يطلقه الاحتلال على مخططاته، نسف حق تقرير المصير لشعبنا في إقامة دولة فلسطينية.

ولأن مخطّط الضمّ هو حلقة أخرى من حلقات التّشريع الإسرائيليّة، فلا يمكننا فهم مخطط الضمّ دون النّظر مجدّدًا إلى “قانون القوميّة” وتداعيات تشريعه في ظل السياسات الإسرائيليّة المتعاقبة، وأهمية “قانون القوميّة” في هذه السّياق، هي احتكار الشعب اليهوديّ لحق تقرير المصير على ما يُطلق عليه “أرض إسرائيل”.

ماذا نواجه إسرائيليا؟

نمر في فترة حاسمة للنضال ضد مخطّط ضم المناطق “ج” في الضفة الغربية. هذه القضية هي واحدة من القضايا الرئيسية التي رافقت الحملات الانتخابية عاميّ 2019 و2020 لأحزاب اليمين الإسرائيلي التي تعلن عن مخطّط الضمّ كجزء أساسيّ من برامجها السياسية. هذا الأمر لم يكن مفاجئًا، ولكنه مثير للقلق للغاية.

وحول خطورة هذا المخطّط وسياسات تطبيقه الفعليّة والتشريعات المرتبطة به، “تشكّل المنطقة ’ج’ 61٪ من أراضي الضفة الغربية، وتحتوي على معظم مصادر المياه فيها وأراضيها الخصبة والزراعية، وغيرها من الموارد الطبيعية التي يتمتع الشعب الفلسطيني بحقه في السيادة عليها كجزء من حقه في تقرير المصير بموجب القانون الدولي. لقد لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى سلسلة من الأساليب من أجل مصادرة الأراضي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهدم المنازل والمنشآت الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، بهدف منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم ومواردهم. كما يتم التعبير عن هذه السياسة في التشريعات الإسرائيلية، مثل قانون التسوية المعتمد من الكنيست في 6 شباط/ فبراير 2017، والذي يسمح للدولة بتنظيم البناء غير القانوني المقام على الأراضي الفلسطينية الخاصة، ومنع الفلسطينيين من تحصيل حقوقهم في استخدام أراضيهم وممتلكاتهم الخاصة وذلك من دون منحهم أي وسائل لمعارضة إجراءات نزع الملكية هذه”.

النكبة الجديدة

تنفيذ مخطط الضمّ معناه نكبة جديدة وسرقة جديدة لبلادنا، وتثبيت الحلّ الدائم، ولا يمكن إسقاطه إلا بمقاومته، ولذلك هناك أهمية قصوى لإقامة حراك شعبي فلسطيني يناضل من أجل منع تنفيذ هذا المخطط الخطير. حراك فلسطيني عالمي يتصدّى للسياسة الإسرائيلية والأميركية.

ولا يمكن إسقاط مخطّط الضم، ومآلاته الخطيرة، دون موقف فلسطينيّ حازم وموحّد وبدعم الحراك الشعبي، مرورًا بتجاوز الانقسام، إلى جانب عمل مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني لحماية الناس والتصدي لسياسات الهيمنة وفرض السيادة الإسرائيليّة. والحراك المنشود تكون أهم أهدافه التوعية بوجود مخطط الضم وكشف خطورته الإستراتيجية وانتهاكاته الحقوقية ورصد تنفيذه على الأرض، والسعي للحفاظ على السيادة والملكية التاريخية الفلسطينية.

وفي حال انعدام أفق سياسي، ستجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام حائط مسدود. الضم سيغلق الباب أمام حل الدولتين – فكرة من دونها لا حق للسلطة في الوجود. عمليًا، سترفض السلطة الفلسطينيّة أن تتحول إلى أداة لسيطرة إسرائيل على السكان الفلسطينيين.

الصراع على السّيادة

والمُلكيّة التاريخيّة

الصراع هو على السيادة على الأرض، وهو صراع سياسيّ. علينا أن نجابه المخططات الإسرائيليّة الاستعماريّة الاستيطانيّة الهادفة لضمّ مناطق “ج” لإسرائيل ونهب مواردها، بإستراتيجية فلسطينيّة شاملة ومتكاملة بين الجميع، كلٌّ في موقعه: القطاع الأهليّ بتخصصاته، والرسميّ، والسياسيّ والبرلمانيّ، لتبنّي إستراتيجيّة تنتهي إلى فرض السيادة على هذه الأرض المحتلة، من خلال عمل تنمويّ تحرريّ يعزّز صمود الناس في هذه المناطق بشكل فعليّ وسيطرتهم على الأرض كفلاحين ورعاة، ينطلق من تأكيد الحقّ في تقرير المصير عليها كموارد هي مُلك للشعب الفلسطينيّ. من يتابع عمل المؤسسات الفلسطينية والحقوقية في مناطق “ج” وقد كانت لي عدة لقاءات مع قسم منهم من خلال اتحاد لجان العمل الزراعي، يفهم أنّ هنالك تردّيا صارخا في الأوضاع الصحيّة والتعليميّة في تلك المناطق، وتضييقا شاملا وتقييدات على السكان في المياه والتخطيط والبنى التحتيّة والبناء والعمل الزراعيّ، وزيادة اعتداءات المستوطنين على السكّان، وسياسات التهجير، وعلى التحريض الإسرائيليّ المنهجيّ ضد المؤسسات الفلسطينيّة التي تعمل في مناطق “ج” وتساند السكّان والمزارعين فيها، كذلك تمّ التشديد على إشكاليات داخليّة فلسطينيّة، خصوصًا في مجال تنظيم المعلومات والتوثيق والتنسيق عبر القطاعيّ وعدم الاستثمار في القطاع الزراعيّ وعدم عملية الخطط الحكوميّة لهذه المناطق، وضعف الإرادة السياسيّة لفرض السيطرة على هذه الموارد.

إنّ مساعي حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ عام 1967 لضمّ أجزاء واسعة من الضفّة الغربيّة، من خلال فرض حقائق الاستيطان والتهويد على الأرض لم تتوقّف، إلا أنّها تصاعدت ظلّ حكومة نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة المدعومة بشكلٍ كاملٍ من قبل إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

الخطة الإستراتيجية لحكومات الاحتلال المتعاقبة بدأت فور احتلال الضفة الغربية وغزّة، في محاولة لتصفية ما تبقى من فلسطين التاريخية. وحينها، أعلن الاحتلال عن ضم القدس الشرقية وفرضت إجراءاتٍ وأمرًا واقعًا للسيطرة. واستمرت في عام 1999، عبر مصادرة آلاف الدونمات في منطقة البحر الميت وضمها للمستوطنات، وفي عام 2002 شرعت ببناء جدار الفصل العنصري الذي ضمّ 19% من أراضي الضفة الغربية. وما حصل، أيضًا، في الجولان السوري المحتل.

وبالتالي، حلم إسرائيل التاريخي هو تحويل الأراضي من محتلة إلى “أرض متنازع عليها”، خصوصا في ذهن المجتمع الدولي كمحاولة للتأثير عالميا، وتحويل السيطرة الأمنية إلى مدنية واعتبارها جزءًا من الأراضي المحتلة.

بالإضافة إلى تحويل مناطق الضفة إلى 167 كنتونًا، أي عزل 43 قرية فلسطينية تماما والتحرك فقط بتصاريح إسرائيليّة، وتحويل المناطق إلى سجون دون تغيير مكانة السكان الفلسطينييّن في المنطقة. أراضي ضم بدون سكان ومعزولة وحبس التجمعات كاملة. ما يجري هو جريمة حرب، ونكبة جديدة.

أغلقت إسرائيل مناطق الأغوار من الحواجز السبعة بقرار سياسي وبدأت بالتشديد والتضييق على التجارة والزراعة الفلسطينية في فرض أمر واقع بهدف ضرب استقلالها الاقتصادي على أن يصبح إنتاجها تبعيا ومرتبطا بالاحتلال، وهي تفعل ذلك بوعي كامل من أجل ضرب الاقتصاد الفلسطيني المحلي وهذا من أخطر تداعيات هذا المخطّط الاستعماري.

الإدارة الأميركيّة

حاضنة لمخطّط “الضّم”

أكّدت تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل، مؤخرًا، أنّ مخطط ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربيّة إلى إسرائيل لم يعد مشروعَ الأحزاب الاستيطانيّة ولا الحكومة الإسرائيليّة فحسب، بل أصبح، أيضًا، جزءًا من الرؤية الأميركية لمستقبل “الحلّ” في المنطقة ومن “صفقة القرن”. إنّ تصريحات السفير فريدمان هذه جريمة أخرى تضاف إلى ما يعانيه شعبنا الفلسطيني، حيث لا قوانين ولا مواثيق دوليّة تردع عنجهيّة السّياسة الأميركيّة الإسرائيليّة عن سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينيّة وتثبيت وتوسيع الاستيطان وانتزاع السيادة والملكية التاريخية الفلسطينيّة. لكنّ الأمور ستكون أسوأ إن لم نتحرك فلسطينيًا كما يجب.

واضح لنا أن منح الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإسرائيل لتداول وتنفيذ مخططات سياسية أمنية جوهرية لمستقبلها يعود إلى التزاوج السياسي بين الطرفين وإلى ما سميت، مؤخرًا، “صفقة القرن”.

هذا الاستسهال في الطرح الأميركي والثقة الإسرائيلية في تداول مخططات سياسية أمنية جوهرية لمستقبل إسرائيل يعود إلى الوضع الإقليمي العربي الرسمي المطبّع، والذي لم يعد يشكّل عائقا أمام عنجهية ترامب وهوس إسرائيل في السيطرة والتلاعب بحقّ تقرير الشعب الفلسطيني على أرضه.

ما هو المطلوب؟

على هذا الأساس، يجب أن يتحوّل النضال ضد مخطّط الضمّ مدخلًا رئيسيًا أيضا لمناهضة “قانون القومية” الإسرائيلي، الذي قد يتجاهله البعض دون معرفة السياق السياسي العام الذي يربط بينهما، ولكل الخطوات السياسية النضالية الفلسطينية، الشعبية والمدنية والدبلوماسية المناهضة للاحتلال، والخطوات الدوليّة المناصرة للحقوق الفلسطينية وأن تكون هناك مساعٍ جادّة لاستباق تشريعات أخرى تسرق هذا الجزء من الوطن الفلسطينيّ.

إنّها لحظة عمل، وأدعو الجميع للمساهمة بجدية لتشكيل حراك يجمع الكلّ الفلسطيني كبداية لتعميم الحراك على العالم والوطن العربي ضد مخطط الضم الزاحف منعًا لنكبة جديدة لشعبنا.

إسرائيل تخشى أي تحرّك فلسطيني ولكنها تدرك أيضا المتاهة والحالة السياسية الفضفاضة فلسطينيا، بالإضافة إلى المساحة الحرّة التي أتاحتها الأنظمة العربيّة من خلال التطبيع المباشر والداعم للموقف الإسرائيلي، لذلك هذا يعيدنا للمربع الأول: النضال المنظّم الشعبي الكفاحي والكلمة الحرّة من خلال الإعلام، وأهم ما في ذلك أن نتصرّف كشعب في وجه إسرائيل الإجرامي الاستيطاني وهذا المخطّط الزاحف وهذا فقط يكون من خلال العمل المشترك على كل الأصعدة. بدءًا بتشكيل لجنة طوارئ فلسطينية عابرة لحدود الوطن لوضع إستراتيجية نضالية يتشابك عملها مع مؤسسات مجتمع مدني وسكان مناطق “ج”، والإعلان عن مظاهرة فلسطينية عابرة للحدود تكون في نفس الموعد في كافة أنحاء الوطن والشتات، للتأكيد على الموقف الفلسطيني، أي الكلّ الفلسطيني، أمام إسرائيل في هذا المخطط الاستيطاني. وهنالك ضرورة في التشبيك مع السلطة الفلسطينية ومن يمثلها في هذا السياق من أجل التأكيد على صحة موقفهم في وقف التنسيق الأمني، بل أكثر من ذلك كيف يمكن العمل فعليا على تحرّر السّلطة من أوسلو وما حوله في هذه المرحلة.

عن “عرب ٤٨”