بقلم: الدكتور سعيد صبري*
اعتمدت دول العالم منذ شهر آذار المنصرم على سياسة واضحة ترتكز بالأساس على مراجعة كافة الأنظمة والقوانين العاملة لديها لتنظيم الحياة الاقتصادية خلال أو بعد أزمه كورورنا، وأطلق عليها النظام الجديد “العالم بعد كورونا”. فقد اعتمدت الدول على تقليل نفقاتها العامة واعادة هيكلة مؤسساتها واستصدار قوانين وسياسيات جديدة تتعامل مع الحالة التي فرضتها كورونا على المجتمعات أجمع.
فالقطاع الخاص والاقتصاد العالمي يعانيان من حالة انكماش حسب مؤشرات أعلن عنها قبل أيام من قبل مؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي الذي اعلن ان اقتصاديات الدول العظمي انخفضت بين 0.7% الى 1.% كالولايات المتحدة الامريكية بينما الاتحاد الأوروبي انخفض مؤشرات النمو الاقتصادي الى 1.4% وانخفض ايضا النمو في دول الخليج العربي ليصل الى 0.9% بينما ارتفع النمو الاقتصادي في الصين ليصل الى 1.7% .
فبادرت دول العالم قاطبة باعادة هندسة بيوتها واعادة ترتيب أوراقها وتسديد الثغرات التى أحدثته جائحة كورونا والانطلاق نحو عالم جديد مدعمين اقتصادياتهم بمنهج نوعي جديد يعتمد على نظرة استراتيجية نوعية ممبزة وعلى مدار الخمس السنوات الفادمة مواجهين التزايد باعداد المصابين بتعزيز الاقتصاد.
لقد أعلن الجهاز المركزي للاحصاء قبل عدة أيام أرقام وتوزيعات الشعب الفلسطيني، من الواضح ان الشعب الفسطيني الذي يتوزع بين العالم ويشارك باقتصاديات ونهوض العالم ، لم تجد القوانين والانظمة المحلية أداة للإغراء حوالي 6 مليون فلسطيني موجودين بدول العربية للعودة والاستثمار بالوطن ، كما انه من الملفت النظر بارقام جهاز الاحصاء ان المجتمع الفلسطيني مجتمع فتي قدر نسية الافراد من الفئة العمرية (0-14سنة) بما نسبته 38% من عدد السكان، وهنا الفرصة بالاستثمار في الاجيال القادمة. وهذا وقدر جهاز الاحصاء المركزي ان عدد سكان المنطقة المستهدفة بالضم هي عبارة عن 112 الف نسمة موزعين على وسط وشمال وجنوب الضفة الغربية . كما تم الاعلان ان النساء الفلسطينيات يعتبرن أعلى نسبة عاطلين عن العمل بالعالم بالنسبة لعدد السكان .
أما حالتنا الفلسطينية الداخلية فلم نشهد إلا حزما من القرارات او التوجهات “كحلول” ، التى لم تدرس بعناية كافة من قبل جهات ذات التخصص، وبالتالي الأثر التي أحدثته كان محدودا ولا يلبي احتياج المواطنين أينما وجودوا. من إعتقد ان هذه الجائحة التى عصفت بالعالم جائحة انتهت فقد أخطأ التقدير ، والحكم ، والنتيجة . فالجائحة باقية لفترة طويلة ، ونحن بحاجة ماسة الى اعادة هندسة السياسات المالية والعمالية والاقتصادية بما يتناسب مع المرحلة الجديدة التى نعيشها ، فالمواطن الفلسطيني لا يبحث عن برامج لأشهر او لمرة واحدة فقط لا غير لكي يعيش افراد عائلته التى قد تزيد عن سبعة افراد او أكثر بقيم مالية متواضعة تمنح من أي جهة من الجهات الرسمية او غير رسمية، المواطن الفلسطيني يبحث عن استقرار بوطنه على ارضه وهذا يتم فقط باطار استرلتيجي ممنهج، ومن الواضح انه يوجد ارباك اقتصادي وزعزة واضحة بالثقة بين المواطن واصحاب القرار. فيجب السعي نحو “رفع المنحنى الاقتصادي مقابل تسطيح المنحنى الصحي” وبجب ان تكون هذه هي رسالتنا. وادراكا ان المسؤولية لا تقف عند اصحاب القرار بالحكومة فقط ، فانني أقدم الاقتراحات التالية كمساهمة لاغناء العمل :-
اولا: اعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بتقليل عدد المؤسسات العامة والوزرات، ودمج تلك المؤسسات العامة بأخرى لكي يقلل من المصاريف الدورية ويتسني ضخ دموية جديدة في اطار تعزيز البقاء وبناء الوطن .
ثانيا: اعادة بناء استراتيجية الوطنية الاقتصادية وجعلها واضحة المعالم تتعاطي وتحاكي الحالة اليوم وما بعد كورونا وبشراكة مع القطاع الخاص .
ان النمو الاقتصادي يعتمد على ثلاثة اضلاع اساسية: الضلع الاقتصادي، والضلع الزراعي (محوري)، والضلع الخدماتي.
ثالثا: الاطار الاقتصادي: “الضلع الاقتصادي” العمل على تذليل الصعوبات بالتصدير والاستيراد للمنتجات التى تدعم ديمومة الاقتصاد وذلك باعفاء المصدرين الفلسطينين من تكلفة ورسوم التصدير واستيراد المواد الخام الغير متوفرة محليا بدلا من دفعها للجهات الفلسطينية والاسرائيلية واعفاء المشاريع الصغيرة من الضرائب لمدة عام كامل، والعمل على انشاء حاضنات صناعية واقتصادية لاستقطاب ذوي التخصص ودعمهم “تدريبيا واداريا” واحتضان “الريادة الصناعية” . كما انه المطلوب التحول نحو “الاقتصاد الرقمي” وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية الفلسطينيه ، العمل على مراجعة شاملة للانظمة والقوانين المنظمة في المجتمع الاقتصادي ، دعم المبادرات الاقتصادية بتوفير بيئة اقتصادية نوعية ، التحول للاقتصاد الرقمي يجب ان يكون هدفا مميزا لتحقيقه . فدول كثيرة كاستوانيا مثلا تميزت باستقطاب الشركات والمبادرين لتسجيل شركاتهم وتوفير بيئة لهم رقمية .
رابعا : الاطار الزراعي : ” الضلع الزراعي” بينما نجد ان انتاجية دونم الارض بمناطق فلسطينية أقل انتاجا من مثيلتها بالجزء الشرقي من نهر الاردن والجزء المسيطر عليه الاحتلال ، بجب ان نسعى جاهدين على رفع نسبة انتاجية الارض الفلسطينيه ، ” ان نأكل مما نزرع” هذا هو الاساس لخلق منظومة زراعية تعتمد ببعدها الاستراتيجي على تحقيق الأمن الغذائي الفلسطيني . يجب ان نتعلم من التجارب الناجحة لكثير من الدول المحيطه فمثلا: استطاعت تركيا ان تحقق نظام الامن الغذائي للافراد بتشجيع الزراعة وذلك بتوفير اراضي زراعية ومصادر مياه واسواق محلية عالمية لمنتجاتها ، النموذج التركي لا يختلف عما تسعى اليه بعض دول العربية الان. كما اود التذكير بما جاء بمقالتي السابقة ان القطاع الزراعي الفلسطيني بحاجة الى قنوات تصديرية والمسؤولية الملقاة هنا يجب ان تكون مسؤولية مشتركة بين القطاع العام ممثلة في وزارة الزراعة والخارجية ومؤسسات القطاع الخاص في فتح افاق لأسواق زراعية من خلال السفارات الفلسطينية العاملة في بلدان نوعيه ك: تركيا ، او/و اندونسيا ، وماليزيا وكثير من دول اسلامية وعربية بحاجة ماسة لمنتجات فلسطينية زراعية مميزة “كالتمر” او ما يسمى “بالذهب الفلسطيني”. كما انني اؤكد على اهمية العمل على انشاء مركز فلسطيني لتوزيع الحاصلات الزراعية في الاسواق الاوروبية او الخليجية ليصبح عنوان تجاري للمنتحات الزراعية ، ووسم المنتجات الزراعية الفلسطينية . واقامة مصنع سماد طبيعي، ومراكز مبردة حافظة للتمور.
خامسا: قطاع الخدمات : الضلع الثالث:
يعتبر قطاع الخدمات في فلسطين الاكبر، وفد تعرض هذا القطاع خلال فترة الجائحة الكثير من الاهتزازات لاعتماده بالاساس على الخدمات المباشرة للجمهور في كافة مناحي الحياة ، وربما هذا القطاع الاكثر عرضة لاثر الجائحة قد يتفاوت بالطرق المختلفة في شكل ومضمون الحلول المقدمة له، فمثلا: قطاع السياحة وهو أهم قطاع في الخدمات يجب العمل سريعا على خلق برامج وطنية معتمدين على المواقع التاريخية والاثرية الموجودة بفلسطين وتفعيل السياحة الداخلية بين محافظات الوطن وايضا السياحة العلاجية ، وعمل برامج تكنولوجية لزيارة فلسطين عبر “الشبكة العنكبوتية” ، والتعرف على معالمها السياحية والدينية والتاريخية، ومن المؤكد ان الابداع الفلسطيني بحاجة الى بيئه حاضنة لها فقطاع الخدمات بحاجة الى بنية تحتية قوية وهذا يجب ان تقوم بتوفيره الحكومة لتعزيز القطاع. يتحول العالم الان نحو قطاع مصرفي رقمي ، وقطاع السياحة ايضا، وما زلنا نحن نبحث عن سبل ووسائل تغطية الثغرات للقطاعات متاخرين في مواكبة العالم نحو التغيير.
خامسا: القدس : بينما يعيش المواطن المقدسي تحديات الهوية والاحتلال ، تخرج العديد من المبادرات المميزة، فبين التحدي والابداع ، تجد العديد من المبادرات النسوية الفلسطينية بالمدينة المقدسة التى بحاجة الى الدعم والتطوير ، مبادرات ريادية في مجالات كتصميم الورود، والصناعات الغذائية النوعية، و المؤكلات الشعبية، ومبادرات تكنولوجية ، وعلاجات البشرة وغيرها ومع تلك المبادرات الفردية ينمو الاحتياج لاحتضان تلك المبادرات ودعمها بخلق “عنوان اقتصادي”مثلا “صندوق تمويلي” بهذه المدينة المقدسة ، والعمل مع المؤسسات العاملة محليا من حاضنات اعمال ومؤسسات مجتمعية أخرى على تطوير نماذج دعم من خلال المؤسسات المانحة ، فلا يعقل ان يتوفر برامج لدعم للمبادرات بمناطق الضفة الغربية وقطاع غزة يستثنى منها مدينه القدس .
القطاع المصرفي والقروض للمشاريع الصغيرة :
مع استمرار سياسة الاغلاق للحفاظ على صحة المواطن ، يبقى الباب مفتوحا على دخل المواطن الفلسطيني ـ وكيفية قيامه بتلبية التزاماته المتراكمة كنتيجة حتمية لتوقف عجلة الاقتصاد- بينما يعاني اصحاب المصالح التجارية في كل الضفة الغربية من نقص السيولة وزيادة المصاريف ، وننتظر حلول خلاقة من سلطة النقد بايجاد برامج حقيقية للتسهيل للمواطن ، ان النموذج الناجح في الاقتصاديات الاقليمية والعالمية الذي اثبت نجاحه هو فتح المجال لاقراض بسقف محدد للمشاريع الصغيره بدون فوائد، ومع اقتراب الحكومة وسلطة النقد بالاتفاق مع بنك التمنية الاسلامي بالحصول على “قرض حسن” يقدر ب 25 مليون دولار فانني ادعو الجهات الرسميه الفلسطينية بالعمل سريعا على عكس القرض لصالح القطاعات المتضرره لكي يتستمر عجله الاقتصاد بالعمل وبدون ان نفقد القطاع المشغل الاقتصادي “قطاع المشاريع الصغيره” كما ادعو العمل مع المؤسسات المانحه والبنوك على فتح نافذة اقتصادية لاستقطاب برامج داعمة لهذه الفئه المتضرره.
فلنبني وطننا يبتميز بالعطاء ، وطننا يمنح الابداع ، وطننا يحتضن المواطن، فلتكن فلسطين عنوانا للتميز العالمي ببنية تحتية متطورة وقوانين وانظمة نوعية ناضجة.
*مستشار اقتصادي دولي – وشريك اقليمي وممثل لصندوق المبادرات- فاستر كابتل – بدبي