الوحدة وهبّة شعبية والتعامل بحكمة مع التطبيع العربي

7 سبتمبر 2020آخر تحديث :
الوحدة وهبّة شعبية والتعامل بحكمة مع التطبيع العربي
الوحدة وهبّة شعبية والتعامل بحكمة مع التطبيع العربي

بقلم: فيصل أبو خضرا

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

بداية لا بد من الإشارة إلى اجتماع الأمناء العامين لكافة الفصائل الفلسطينية برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس مساء الخميس الذي يجدد الأمل بقرب استعادة الوحدة الفلسطينية على قاعدة الثوابت الوطنية ومبادرة السلام العربية آملين ان يشكل هذا اللقاء مقدمة حقيقية للنهوض الفلسطيني وبقرار فلسطيني بعيدا عن أية تدخلات إقليمية للسير نحو تحقيق أهداف شعبنا في الحرية وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين بموجب القرارات الدولية كما نصت عليه مقررات القمم العربية والإسلامية وقرارات الشرعية الدولية.

مؤخرا صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بأنه على أتم الاستعداد للتوافق مع القيادة الفلسطينية على أساس رؤية جاهل العصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يتخيل أنه العبقري الوحيد القادر على حل القضية الفلسطينية بصيغ ومقترحات أقل ما يقال فيها إنها تكريس لاحتلال وسرقة الأراضي الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية متجاهلا ان مجلس الأمن والأمم المتحدة هما صاحبا قرارات الحرب والسلم العالمي، ومتجاهلا قراراتهما بما فيها تلك التي وافقت عليها أميركا وإسرائيل. كما تفاخر نتنياهو بأنه يستطيع صنع السلام مع العرب دون حل القضية الفلسطينية، وفي الوقت الذي يواصل فيه احتلال فلسطين والتنكيل بشعبها.

لا اريد هناالحديث بتعابير خارجة عن حدود اللياقة السياسية فيما يتعلق ببعض إخواننا العرب بالركض وراء سلام هش مع دولة الاحتلال رغم كل ما ارتكبته وما زالت ترتكبه بحق شعبنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية.

ان المصلحة الفلسطينية تقتضي احتواء مثل هذه السياسات الخارجة عن الاجماع العربي ، ولكن دون الانجرار الى التخوين والتجريح في وطنية هذا الطرف أو ذاك لأن القضية الفلسطينية هي أيضا قضية عربية وإسلامية وأممية وليست فقط قضية شعبنا الفلسطيني. لذلك لا بد من أن تحتوي القيادة ما حصل من الامارات بوسائل عدة بما في ذلك المزيد من الحضور الفلسطيني في الإمارات وخصوصا سياسيا وإعادة السفير الفلسطيني، وعدم ترك ساحة هذا البلد العربي الشقيق فقط لوجود إسرائيل ، سارقة الارض والمتنكرة لحقوق شعبنا.

ومن الضروري عدم الانجرار وراء الذين لا يهمهم إلا ضرب العلاقات الفلسطينية – العربية خصوصا مع الدول الخليجية التي تعاني من ايران والتي بسببها تراجعت القضية الفلسطينية في أجندة هذه الدول بعض الشيء، لانشغالها بما تراه من خطر التدخل الايراني في صميم وضعها الأمني. وواضح أن الاحتلال الإسرائيلي هو صاحب المصلحة الأولى في ضرب عرى العلاقات الفلسطينية الخليجية خاصة.

ولن ينسى شعبنا ان لدولة الامارات العربية مواقفها الوطنية والقومية في دعم شعبنا وقضيته خصوصا من زمن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، والد الشيخ محمد بن زايد. ولكن الحديث عن التطبيع مقابل وقف الضم هو بمثابة خيال ، أولا لأن إسرائيل ليست بوارد السلام، العادل والشامل، وخصوصا ان تاريخ اتفاقاتها مع الجانب الفلسطيني يؤكد أنها لا تحترم أي إتفاق أو تعهد. وثانيا لأن نتنياهو وبعد ساعات على إعلان الإمارات عن اتفاق التطبيع مقابل وقف الضم أعلن على الملأ أن الضم لم يسقط من أجندته وأنه أجله مؤقتا بناء على طلب حليفه ترامب، فيما أكد مسؤولون إسرائيليون بعد ذلك أن الضم لا يزال على جدول أعمال حكومة نتنياهو ويمينه المتطرف.

ومن الواضح أن الأخ الرئيس محمود عباس حريص جدا على تحقيق السلام الذي يحفظ الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني، وهو رجل سلام بامتياز. لذلك على القيادة أن تحتوي هذا التصرف الاماراتي بعقلانية، بحيث تقف سدا منيعا أمام أي مساس بالحقوق الوطنية الفلسطينية، والامثلة كثيرة وأولها عندما جربت قطر ووافقت على فتح مكتب تجاري لعل ذلك يؤدي الى تحريك حل القضية الفلسطينية ، ولكن قطر اقتنعت أن إسرائيل تكذب لأنها تريد السلام على حساب شطب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وطالما وقفت دولة الامارات مع فلسطين ومن المهم اليوم احتواء ما جرى عبر حوار أخوي هادئ ينطلق من المصالح الفلسطينية والعربية.

ان القيادة الفلسطينية تنظر الى جميع الدول العربية نظرة الأخ لأخية ، وبالمقابل تتوقع ان تقابلها جميع الدول العربية بالمثل.

المهم مهما حصل من تطبيع فلا يمكن القفز على قرار الشعب الفلسطيني وقيادته ، لان مفتاح السلام يقوم فقط على القوانين والقرارات الدولية وبموافقة السلطة الوطنية الشرعية ، أي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والامارات العربية المتحدة تدرك هذا.

ساعي البريد بومبيو الذي أرسلة معلمه نتنياهو، لبعض العواصم العربية لاقناعها بالتطبيع خذلته حكومة السودان ومن ثم خذلته مملكة البحرين، وما من شك أن الاخوة في الامارات سيكتشفون أنهم يتعاملون مع كذاب لا يحترم عهدا ولا اتفاقا.

كما ان الجاهل كوشنر، تاريخيا ودينيا وسياسياً، يقول إن باحة الاقصى مفتوحة لجميع الاديان بالصلاة فيه ، وهذا يعني أن المسجد الاقصى ليس فقط للمسلمين ، بل ايضا لليهود.

ويكفي قيادة الامارات ما سمعته من نتنياهو بان الضم مازال مطروحا على الطاولة ، كما انه لم يذكر شيئا عن القدس، لأن اسرائيل ليست بوارد أي سلام خصوصا ان القدس ليست فقط للشعب الفلسطيني بل ايضا للشعب الاماراتي وكل الشعوب العربية والاسلامية.

إن عنوان السلام لا يأتي من أي دولة في العالم العربي أو غير العربي ، فقد مد العرب أجمع أيديهم للسلام في قمة بيروت للعام ٢٠٠٢ وكان الرد الاسرائيلي مزيدا من الاحتلالات وسرقة الأراضي الفلسطينية ومزيدا من بناء المستعمرات والتنكيل بالشعب الفلسطيني. فالعنوان الحقيقي لإرساء السلام هو منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني الذي تحتل إسرائيل اراضيه وتسيطر عليه بقوة الاحتلال. ودون ذلك سيبقى الصراع قائما لأن الوعود الكاذبة حفظناها منذ ٧٣ عاماً ، ومن المستحيل القفز عن الجانب الفلسطيني في أي مبادرة لان منظمة التحرير هي الرقم الأهم في أي مفاوضات مع دولة المحتل ، ومهما حاولت امريكا الالتفاف على قرار المنظمة فلن تمر هذه المسرحيات التي يقوم بومبيو بوسطجي نتنياهو في منطقتنا العربية.

القيادة الفلسطينية قبلت و تنازلت عن ٧٨ بالمائة من أرض فلسطين التاريخية لأجل السلام في منطقتنا ، وايضا السلام العالمي ، وكي تقطع الطريق عن اي تنظيم ارهابي كداعش و غيره من الاسماء من التنظيمات التي لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية.

والشعب الفلسطيني قدم الالاف من الشهداء والجرحى والأسرى منذ العام ١٩٤٨ الى يومنا هذا، فالفلسطيني تم الاعتداء عليه من عصابات أتتنا من اوروبا، ولم يعتد هو على أحد ، كما انه ، يحترم ويقدر ما يقوم به العرب لدعم القضية الفلسطينية.

وقد تفهم الشعب الفلسطيني ما قامت به مصر حاضنة الامة العربية والاسلامية بتوقيع معاهدة سلام وتطبيع سياسي كامل مقابل استعادة جميع اراضيها المحتلة عام ١٩٦٧م ، بعد حرب العبور في العام ١٩٧٣م وهزيمة إسرائيل فيها ، وكذلك فعل الاردن الشقيق واستعاد أراضيه ، ولكن أي دولة عربية تحاول القفز على المقررات العربية السابقة و تنفرد بالصلح مع إسرائيل جهارا ودون مقابل فهذا طبعا يصب فقط في المصلحة الاسرائيلية.

إن أطماع إسرائيل أو أطماع هذه العصابات الصهيونية لا تقتصر على فلسطين ولكنها تتطلع للسيطرة التامة على جميع مقدرات الدول العربية. وأميركا تريد ان تقوم إسرائيل بملء الفراغ الاستعماري في وطننا العربي .

ثم كيف نفسر ما صرح به نتنياهو بان سيدنا ابراهيم هو يهودي أي أنه يعطي بعض الحجج الدينية الكاذبة للسيطرة على المزيد من الاراضي العربية، ان كان سياسيا او ماديا.

واذا كانت اسرائيل تريد السلام فعلا فليس لها إلا الانصياع الى القرارات الدولية الخاصة بالصراع.

ولهذا كله نقول اليوم إن على جميع الفصائل الفلسطينية وخصوصاً فتح وحماس والجهاد ان تتحدوا لاطلاق هبة شعبية عارمة لا تتوقف إلا بانهاء الاحتلال ، وبذلك نقطع الطريق على أمريكا أو غيرها ممن يعتقدون ان التطبيع مع المحتل يمكن أن يصنع السلام ، وطبعا هذا سراب وحرية الشعب الفلسطيني واستقلاله لن يتحققا إلا بسواعد الشعب الفلسطيني، ودعم امتنا العربية والإسلامية واحرار العالم … ولعل وعسى أن يكون اجتماع الأمناء العامين للفصائل خطوة بهذا الاتجاه.. والله المستعان