بقلم: سليمان أبو ارشيد
لسنا بحاجة إلى من يذكّرنا بأن الصهيونية ومستوطنيها الأوائل كانوا لصوصا لأنهم نفّذوا أكبر عملية سطو في التاريخ، فقد سرقوا الوطن بعد أن هجّروا وقتلوا وشرّدوا أهله واستوطنوا بيوتهم العامرة في يافا وحيفا وطبريا وبيسان وصفد واللد والرملة وغيرها من مدن فلسطين، وما زال أولادهم وأحفادهم يسكنون فيها حتى اليوم.
وفي هذا الباب، فإنّ كتاب المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، الذي صدر حديثا، ويتناول أعمال السطو على البيوت والمحلات الفلسطينية المتروكة ونهب محتوياتها من قبل المستوطنين والجنود الصهاينة، ما هو إلّا حلقة أخرى في سلسلة “من فمك أدينك” التي بدأها المؤرخون الجدد، للكشف عن فطائع الصهيونية ومجازرها وسياسة التطهير العرقي التي مارستها ضد الفلسطينيين، وذلك استنادًا إلى الوثائق والأرشيفات الصهيونية ذاتها.
وإن تسنّى لهؤلاء المؤرخين الاطّلاع على جزء هذه الوثائق والإفادة منها بعد مرور فترة التقادم التي يحددها القانون الإسرائيلي بـ50 سنة، فإنّ هناك عشرات، وربما مئات، الوثائق بينها ملفات مجزرتي دير ياسين وكفر قاسم، ما زالت طي الكتمان، هذا ناهيك عن معاودة إخفاء الكثير من الوثائق التي سبق وكشفت عنها واستند إليها المؤرّخون في السابق
المؤرخ الإسرائيلي بنيامين ز. ف كدار تناول موضوع مواصلة إخفاء الوثائق والأرشيفات المتعلقة بأحداث “نكبة 48” ومعاودة إخفاء ما كشف سابقا، في مقال نشرته “هآرتس” الأسبوع الفائت، في سياق التخوف الإسرائيلي من الكشف عن شهادات ترتبط بتسميم آبار مياه الشرب التابعة للقرى والمدن الفلسطينية خلال أحداث نكبة 48.
ويتوقّف عند المحاولة الفاشلة لتسميم بئر الماء في عيلبون بهدف “تحييد” القوة العسكرية التي كانت ترابط في القرية، ويكشف بأن العملية تمت بأوامر من القيادة العسكرية العليا واسندت إلى أربعة عناصر من وحدة غولاني وأسفرت عن إصابة أحدهم.
كما يتناول المؤرخ الإسرائيلي قضية نشر وباء التيفوئيد في عكا قبل احتلالها في 17 أيار1948، الّذي انتشر بعد قيام “الهاغاناة” بتلويث مصادر مياه المدينة، وكذلك محاولة تلويث مصادر المياه في قطاع غزة بجراثيم التيفوئيد والديزنتاريا أو الملاريا، وهي العملية التي أسندها “البلماح”، كما يقول، إلى دافيد مزراحي وعزرا حورين، اللذين ألقي القبض عليهما وقدّما للمحكمة وأعدما بمن قبل الجيش المصري.
وتندرج العمليات المذكورة في إطار الحرب البيولوجية التي مارستها الصهيونية مبكّرا، ويشكل المعهد البيولوجي في نس تسيونا امتدادا لها، إذا ما أدركنا أن ما كان يعرف بـ”سلاح العلوم” انقسم إلى ثلاثة أسلحة، “أ” الذي اختص بالكيمياء و”ب” اختص بالبيولوجيا و”ج” بـ”الجيولوجيا والذرة”، ولنا أن ندرك امتداد كل منهما في الواقع الإسرائيلي اليوم ونستنتج أن التفكير في الأسلحة غير التقليدية بدأ لدى الصهيونية في مرحلة مبكرة.
ويورد المؤرخ استنادًا إلى كتاب أحد مؤسسي هذا السلاح في حينه، أوريئيل بكراخ، وهو لاحقا بروفيسور في البيولوجيا الجزيئية في كلية الطب التابعة للجامعة العبرية، الصادر عام 2009، أنّ السلاح أنشئ في شباط 1948، بمبادرة أهرون كتشسكي ( لاحقا كتسير) وقاده منذ أواسط أيار شقيقه أفرايم كتسير (لاحقا الرئيس الرابع لدولة إسرائيل) في حين أسس سلاح العلوم “ب” المختص بالبيولوجيا، أليكس كينان، لاحقًا مؤسس ومدير المعهد البيولوجي في نس تسيونا ونائب رئيس الجامعة العبرية في القدس.
وأشار الزميل أنطوان شلحت في مقال له مؤخرا إلى أنّ المعهد البيولوجي في نس تسيونا يعتبر أحد المؤسّسات الأشدّ سريةً في إسرائيل، وهو يتبع مباشرة لرئاسة الحكومة وليس لوزارة الصحة، كما أن المسؤولية عن أمن المعلومات فيه وحراسته تقع على عاتق المؤسسة الأمنية، لافتا إلى أنّ الخشية من كشف الأبحاث السرّية التي تجري في المعهد كانت أحد أسباب الحظر الشامل الذي فرض على قضية البروفيسور أبراهام ماركوس كلينبرغ، الذي شغل منصب نائب المدير العام في المعهد والمتخصص في علم الأوبئة، والذي اعتقل عام 1983 وادِين بتهمة التجسّس لمصلحة الاتحاد السوفياتي.
عن “عرب ٤٨”