حق الجمهور الفلسطيني في الحصول على المعلومة

14 يناير 2021آخر تحديث :
حق الجمهور الفلسطيني في الحصول على المعلومة
حق الجمهور الفلسطيني في الحصول على المعلومة

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

تعج الساحة الفلسطينية بأحداث ووقائع يجهل الجمهور الفلسطيني أي تفسير أو تعليل لها، ويترك نهبا للشائعات ووسائل التواصل الاجتماعي في ظل انعدام المعلومة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وكأنه غائب أو مغيب. فمثلا رئيس سلطة النقد يترك منصبه قبل وقته بسنتين، ويعين رجل قانوني وليس ماليا بدلا منه دونما أدنى تفسير للجمهور. رئيس هيئة مكافحة الفساد، وهو الحديث فيها يقال أو يستقيل، سيان، ويعين بدلا منه آخر بدون تعليل أو تفسير، وبدون معرفة مؤهلات. قاض يعين وآخر يذهب أو يجمد أو يحال للتقاعد أو ينقل لوظيفة مدنية دونما تبرير أو تعليل أو تفسير. هيئة أو سلطة تلحق بوزارة أو تلغى أو تبقى بقرار مجلس وزراء دونما تبرير أو تعليل أو تفسير للجمهور الفلسطيي.

عنف يستشري دون رادع أو إجراء أو تقييد أو فرض حظر. وزارات ترفض تنفيذ قرارات قضائية أو تعطي تصاريح لجهات هنا أو هناك في واقعة النبي موسى، وترفض تعليل هذه الأمور على خطورتها وتتجاهل حق الجمهور الفلسطيني في معرفة المعلومة.

وعليه قس. احداث جسام وقعت، فقط يصدر قرار من الجهة المختصة، وينتهي الموضوع دون نقاش. وكأن الرأي الواحد أفضل وأحسن من تفاعل الآراء وأنضج منها وأهملنا حرية الفكر والرأي.

يبدو أن السلطة الشمولية الشعبوية ذات الصلاحيات المطلقة ، لا تسعى لتبرير ما تقوم به من أعمال أو قرارات أو تصرفات للجمهور، ولا تفكر فيه اصلا. وكأنها لم تسمع بقوانين حق الجمهور في الحصول على المعلومة، بل هي ذاتها، سعت لسن قانون هكذا، ولكن حظه العاثر في سلسلسة عشرات القرارات بقوانين كان مخيبا للآمال، وما زال قابعا في أحد أدراجها ينتظر النور. وهو ليس قانونا شاذا أو طارئا أو سيئا، بل هو قانون منتشر في الفناء العربي ابتداء من الأردن وانتهاء باليمن، وحتى في إسرائيل. بل هو قانون مساير للتوجهات الديموقراطية، وسيادة القانون، ومنبثق من مواثيق حقوق الإنسان التي انضمت إليها دولتنا الفلسطينية العتيدة.

قانون الحق في الحصول على لمعلومة للمواطن في غاية الأهمية، وبخاصة في عصر الكمبيوتر والتسارع في نشر الأنباء، فهو يشكل أوكسجين الديموقراطية وروحها. وهو شرط الحكومة الصالحة وبيان للحوكمة الرشيدة.

على الأقل هو يلقي الضوء على الوثائق الحكومية والتصرفات الرسمية والإجراءات الوزارية التي تحتاج لتفسير أو لتبرير أو لتعليل أو لهذه الأمور معا. وهو يمنع التلاعب بالمصلحة العامة ويقود إلى التوعية وهو أمر حضاري. وحق الحصول على المعلومة يساهم في مكافحة الفساد وتعزيز الديموقراطية ومنع الرشوة والفساد وضمان المصداقية والنزاهة.

سواء اتخذت المعلومة صورة الرقم أو الحرف أو الكلمة أو الخبر أو الخطبة أو الإجراء أو الفيلم أو المعلومة المحوسبة أو التسجيل أو القرص الإلكتروني أو الرسم فهي تعتبر معلومة وللجمهور الحق في معرفتها، شريطة أن لا تشكل حياة خاصة للأفراد أو تتعلق بالأمن العام والقومي فهي متاحة للجمهور متى اتصلت بأداء المرفق العام والوزارات والمؤسسات الرسمية والهيئات العامة. ومعرفتها في مصلحة فاعلها ومصلحة متلقيها على الوجهين.

تخيلوا أن واحدة مما ذكرت من الهيئات أو المؤسسات أو الوزارات، لن تلقي بالا للجمهور ولا للباحثين ولا للدارسين بإلإدلاء بأية معلومات عن سير العمل فيها بحجة أو بأخرى أو ستفرض ضريبة أو رسما.ماذا سيحصل وأية مصلحة عامة قبرت وضيعت، أولم نسمع ان محكمة الجمارك التي عملت عقدين من الزمان كان وجودها باطلا من أساسه بفضل محام مفكر نشط. يجب أن تكون هذه المعلومات متاحة للجمهور ليعلمها ويفهمها بل على الدائرة المعنية أو الوزارة أن تفسر وتبرر وأن تقدم هذه المعلومات مجانا لطالبها، أو برسم زهيد وخلال وقت قصير. وإلا فكيف سيحاسب وزير أو رئيس سلطة أو هيئة، وعلى أي اساس سيفرض أمرا أو إجراء سواء أكانت شركة كهرباء أو بلدية أو سلطة مياه أو وزارة؟ حتى الوثائق الحكومية تقبل النشر هذه الأيام بعد حقبة زمنية قد تطول وقد تقصر، لا يهم المهم أنها في النهاية تنشر ويعرف الجمهور المعلومة.

لنفترض أن دولة ما أو إحدى هيئاتها ستطرح عطاء بقدر مالي كبير أو ستمنح امتيازا ما، كيف للجمهور أن يتحقق أن الأمر لم يتخلله فساد أو رشاوى إلا إذا كان الجمهور من حقه الإطلاع على المعلومات المتصلة بالموضوع. وعليه قس في كافة المشاريع والأعمال والتعيينات والإجراءات والمسابقات وأداء المرفق العام. وهنا تقدم المصلحة العامة على الخاصة والكل يجري في النهار البين المضيء وليس تحت جنح الظلام.

من هنا تدخلت الأمم المتحدة والمشرع الدولي لحقوق الإنسان في العصر الحديث، ليقرر هذه الفكرة، ويجعل منها حقا من حقوق الإنسان في كافة الأصقاع. وصاغها في أكثر من إعلان وميثاق ولجنة. وصدر هذا الحق إلى دول العالم كافة ومنها فلسطين.

من أشهر المواثيق وأهمها التي انضمت دولة فلسطين إليها وتعهدت العمل بموجبها، هو ميثاق الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. وشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948خلفية ومرجعية أساسية عملا بموجب المادة العاشرة من القانون الأساس الفلسطيني لعام 2003، وبالتالي قواعد ملزمة وواجبة الإحترام للدولة الفلسطينية. فضلا عن مواثيق أخرى تتضمن حرية الرأي والتعبير.

لعل المادة 19 في الإعلان العالمي، والمادة 19 من إتفاقية الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ، يجتمعان على تقرير حرية الرأي والحق في التعبير بكلمات صريحة لا لبس فيها ولا غموض، ويجب على دولتنا وأجهزتها العمل بموجبهما قولا واحدا. وأيد ذلك المادة 19 من القانون الأساس الفلسطيني وأوجبت احترام حرية الرأي وحرية التعبير. والمصادفة الغريبة أن المواد الثلاث في الإعلان والميثاق والأساس حملت الرقم 19.

ويزداد الامر ضرورة وخطورة بغياب المجلس التشريعي عبر وظيفته الرقابية على السلطة التنفيذية. وقطعا هو ليس بديلا عن حق الجمهور في الحصول على المعلومة.

تنص المادة 19 من ميثاق الحقوق المدنية والسياسية الذي انضممنا إليه على ما يلي ” 1- يكون لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون أن يناله أي تعرض بسببها. 2- يكون لكل إنسان حق في حرية التعبير يوليه حرية في طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها دون أي اعتبار للحدود بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن أو باية وسيلة يختارها. 3- ينطوي استعمال الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة، ويجوز لذلك إخضاعها لبعض القيود شرط نص القانون عليها ولزومها تأمين ما يلي: احترام حقوق الغير وسمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة “.

إن اردنا تعزيز الديموقراطية وولوج للمشاركة الشعبية في المرافق العامة، وتعزيز الشفافية، ومساءلة الموظفين العموميين، ومشاركة افضل للمواطنين والمواطنات في الحياة العامة، ومساعدة الصحفيين والباحثين في أبحاثهم وتحقيقاتهم، وتقليص الشائعات والمعلومات المضللة، علينا بإيصال المعلومة الصحيحة للجمهور المتعطش لها. لذا يجب سن قانون بهذا المعنى حتى نقيم مجتمعا حضاريا ونقيم فيه سيادة القانون فالأمل ينبع على نحو سرمدي في الصدر البشري!