بقلم: الدكتورة أماني القِرِم
سلسلة من المبادرات والتحركات الدبلوماسية على مستوى القمم العربية / الفلسطينية بدأت منذ ما يقارب الشهرين تنبئ بقدوم جديد يحرك الرمال الساكنة في القضية الفلسطينية، صاحبتها تحركات داخلية أيضاً بدأت برسالة الموافقة التي بعثها اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ،الى الرئيس محمود عباس بخصوص إجراء الانتخابات على التوالي لا بشكل متزامن متجاوزين عقبة خلافية كبيرة بين الطرفين، تبعها إصدار مرسوم رئاسي بإجرائها ضمن تواريخ قادمة محددة.
جاءت التحركات الثلاثية المصرية/ الاردنية/ الفلسطينية ،التي تحظى بدعم أوروبي مما يعطيها زخماً إضافيًّا، لتنسيق موقف موحد يتعلق بالقضية الفلسطينية أمام الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة جو بايدن. والملفت أن استثمار التطبيع العربي/ الاسرائيلي من أجل وضع ترتيبات جديدة في الاقليم خاصة بعد المصالحة الخليجية/ الخليجية هو أمر وارد جداًّ، حيث من المرجح أن تكون المرحلة المقبلة بداية مبشرة لإعادة عملية السلام الشاملة .
لا شك أن للساكن الجديد في البيت الأبيض دور في تفعيل وتشجيع مثل هذه المبادرات، فإدارة بايدن ذات خبرة طويلة في الشرق الأوسط وتفاصيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولا تحتاج الى دراسات واستنتاجات مستقبلية لصياغة حلول انفرادية مثل التي سبقتها، فعنوان الحل لديهم جاهز(حل الدولتين). وعلى الرغم أن النظرة التقليدية للواقع الامريكي الحالي تقول أن القضية لن تكون على سلم أولويات الادارة الجديدة بسبب الملفات المثقلة داخليا على عاتقها، لكن هذا التحدي العربي الفلسطيني المتمثل بزخم التحركات المكوكية لمصر والاردن والسلطة الفلسطينية وألمانيا وفرنسا من شأنه تغيير هذه النظرة ووضع المسألة الفلسطينية ضمن أولويات إدارة بايدن التي من المتوقع أن تعزز نهجا متعدد الأطراف في سياستها الخارجية عموما.
ولعلّ القراءة الفلسطينية باتت مقبولة حالياً وتجد صدًى ملائماً، فمنذ الموجات العاصفة التي دهمت الفلسطينيين بفعل الراحل عن الرئاسة دونالد ترامب ، يدعو الرئيس عباس في خطاباته المتكررة بالأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي للسلام كامل الصلاحيات بمشاركة الأطراف الدولية وبهدف الانخراط في عملية سلام حقيقية وتسهيل مهمة التفاوض بين الجانبين. وفي المقابل يبرز تحديان كبيران أمام إنجاح المساعي الحالية وهما:
الوضع السياسي الإسرائيلي: حيث تعيش اسرائيل حالة عدم استقرار سياسي جراء حل الكنيست وعقد انتخابات رابعة في الأشهر القادمة خلال عامين تتنافس فيها أغلبية يمينية لديها مرتكزات عقائدية تجعل حل الدولتين غير قابل للتطبيق. والحكومة الحالية برئاسة نتنياهو الذي يصارع الوقت للبقاء يستبق الأمر بحركة استيطانية وتهويدية نشطة لا تتوقف كان آخرها الموافقة على بناء 800 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، والشروع في مخطط لمصادرة الاف الدونمات من أراضي “الرام” لربط سلسلة من المستعمرات المقامة حول المنطقة . والهدف من ذلك واضح فمن جهة الاستيطان بمثابة وقود للانتخابات في ظل بيئة متطرفة ومن جهة أخرى تغيير الامر الواقع على الارض وجعل عملية التفاوض المستقبلية مستفزة للفلسطينيين وغير مجدية.
الوضع الفلسطيني الداخلي: تمثل حالة الانقسام التي تضعف الموقف الفلسطيني دوليا تحدياً أمام إتمام استحقاق عملية الانتخابات. وعلى الرغم من موافقة الأطراف الفلسطينية على إجرائها إلا أنه كما يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل، والتساؤلات كثيرة ومتشعبة وواجبة. إضافة الى أن عقبات ما بعد الانتخابات ربما تكون أكثر تعقيداً ومشقة مع التجربة السابقة في هذا المضمار عام 2006. ويبقى الأمل معقودا في اتباع الأطراف الفلسطينية نهج الواقعية السياسية من أجل تجاوز هذا التحدي.
amaney1@yahoo.com