ينتظر محمّد حريري بفارغ الصبر أن يحين دوره لكي يهنأ بمياه ساخنة في أحد الحمامات الشعبية في مدينة حلب في شمال سوريا، بعدما بات الانقطاع شبه الدائم للكهرباء ونقص المحروقات يحول دون تسخين ما يكفي من مياه لعائلته.
بعدما شكلت الحمامات الشعبية منذ مئات السنين عادة شعبية في سوريا، وكانت تعد ملتقى اجتماعيا ومقصداً للسياح والسكان الراغبين في الترفيه عن أنفسهم والاستمتاع بالمياه الساخنة والبخار على وقع دقات الموسيقى التقليدية، باتت اليوم ملجأ لكثر يفتقدون المياه الدافئة في منازلهم.
ويقول حريري (31 عاماً) لوكالة فرانس برس “نعتمد على الكهرباء بشكل أساسي لتسخين المياه، لكن الكهرباء مقطوعة غالبية الوقت”.
وباتت المياه الساخنة بالكاد تكفي عائلته المؤلفة من خمسة أفراد. وبعدما اعتاد ارتياد الحمامات الشعبية برفقة والده وأعمامه للتسلية وقضاء الوقت، بات يرتاده اليوم برفقة ابنه للاستمتاع بحمام ساخن من دون أن يخشى انقطاع المياه.
ويقول الرجل الذي انتظر نصف ساعة ليحين دوره في الحمام المكتظ بالزبائن “هنا نأخذُ كامل وقتنا في الاستحمام كما في تناول الطعام والغناء والرقص”.
وحمام القواص هو واحد من أكثر من خمسين حماماً شعبياً في المدينة القديمة في مدينة حلب. وقد تضرّر معظمها جراء المعارك العنيفة التي شهدتها المدينة قبل استكمال القوات الحكومية السيطرة عليها نهاية عام 2016. وقد استأنف العمل في نحو عشرة حمامات فقط، وفق احصاء مراسلي فرانس برس في المدينة.
تحت قبة حجرية داخل الحمام، يُحدّث عمار رضوان (33 عاماً) لائحة المواعيد التي طلبها أشخاص يرغبون بزيارة الحمام خلال الأيام المقبلة.
ويقول الرجل الذي ورث الحمام الأثري، ويعود إلى القرن الرابع عشر، عن جده، لفرانس برس “أعدنا افتتاح الحمام عام 2017 بعد انتهاء المعارك في حلب، لكننا لم نتوقع يوماً أن نشهد إقبالاً بهذا الشكل”.
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة منذ سنوات ساعات تقنين طويلة وصلت خلال الأشهر الماضية في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يومياً، بسبب عدم توفر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد.
واستنزفت سنوات الحرب قطاعي الطاقة والكهرباء مع خروج أبرز حقول النفط والغاز عن سيطرة دمشق من جهة، وتضرّر محطات توليد وأنابيب في المعارك من جهة أخرى. كما تحول العقوبات الاقتصادية على دمشق دون وصول بواخر النفط بشكل منتظم إلى سوريا.
تعتمد الحمامات إجمالاً على تسخين المياه في جرن ضخم عبر إشعال الحطب والمازوت، وهو ما يوفر الدفء والبخار داخلها على مدار الساعة.
يُعد جلال الحلو (53 عاماً) أحد الزبائن الدائمين لحمام القواص. ويقول الوالد لثلاثة أطفال “أقصد الحمام مرة واحدة شهرياً على الأقل لأنظف نفسي جيداً وأستريح”، أما في باقي الأيام فيتدبّر أموره بالمياه الفاترة أو الباردة في منزله والتي لا حل أمامه سوى تسخينها على ما يتوفر له من حطب جراء النقص في المازوت.
على غرار معظم الحمامات الشعبية، تتوسّط باحة حمام القواص نافورة من الرخام، وتحيط أقواس مزخرفة بغرفة الاستقبال حيث يبدّل الزبائن ملابسهم قبل الانتقال إلى الغرفة الوسطى حيث يستمتعون بالتدليك وسط البخار، قبل أن يتوجهوا إلى الغرفة الداخلية للاستحمام أخيراً في مياهها الساخنة.
يعلو الضجيج داخل الحمام مع ازدياد عدد الزوار الذين يرتدون القباقيب الخشبية ويلفون أجسادهم بمناشف قطنية مخططة. بعد الانتهاء من الحمام الدافئ، يستمتع الزبائن بكأس من الشاي وأحيانا بوجبة عشاء على أنغام الموشحات والقدود الحلبية.
انتظر نادر مشلح (58 عاماً) طويلاً قبل أن يحين موعده.
ويقول لفرانس برس “استحميت آخر مرة منذ أسبوعين لأن الأولوية للأولاد. وإذا تبقى بعض من المياه الساخنة، يكون حمامي سريعاً ولا يرضيني”.
لم يعد مشلح، الموظف الحكومي والوالد لستة أطفال، قادراً على توفير مستلزمات تسخين المياه في منزله، فـ “الكهرباء مقطوعة معظم الوقت، وسعر الغاز والحطب مرتفع عدا عن الشح في المحروقات”.
ويضيف الرجل الذي جلس قُبالة نافورة المياه وينفث دخان نرجيلته “في الماضي، كان الهدف من زيارة الحمام التسلية، أما اليوم فبات ضرورة لمرة أو مرتين في الشهر على الأقل”.