كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، الجمعة عن قبر جماعي، لفلسطينيين، قتلوا على يد العصابات الصهيونية بدم بارد عام 1948 على شاطئ مدينة قيسارية الشهير، في شمالي البلاد.
ويؤكد التاريخ الفلسطيني أن المذبحة الجماعية حدثت بعد استسلام قرية الطنطورة، عام 1948.
وذكرت “هآرتس” أن فيلما وثائقيا للمخرج “ألون شوارتز”، بعنوان “الطنطورة” سيُعرض الأسبوع القادم عبر الإنترنت، ويتضمن شهادات جنود إسرائيليين شاركوا في المجزرة.
وبحسب الصحيفة فقد تم دفن نحو 200 فلسطيني، بعد إعدامهم في قبر جماعي يقع حاليا تحت ساحة انتظار سيارات “شاطئ دور”.
ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نقل شهادات عن جنود صهاينة تواجدوا خلال المجزرة، فضلا عن أنها المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن موقع القبر الجماعي.
وأشارت صحيفة هآرتس، إلى أن الضجة حول حقيقة ما جرى في قرية الطنطورة، بدأت قبل 22 عامًا، في أعقاب أطروحة ماجستير كتبها طالب دراسات عليا إسرائيلي يُدعى ثيودور كاتس، وتضمنت شهادات حول الفظائع التي ارتكبها لواء الإسكندروني (الهاغاناه) ضد أسرى الحرب الفلسطينيين الذين دافعوا عن القرية ببسالة.
وأوضحت أن الطالب كاتس، صاحب الأطروحة تراجع عن روايته بعد أن رفع جنود سابقون في “الهاغاناه” دعوى تشهير ضده.
واستدركت الصحيفة: “الآن، في سن التسعين وما فوق، اعترف عدد من الجنود السابقين من لواء الجيش الإسرائيلي، بأن مذبحة قد حدثت بالفعل في عام 1948 في قرية الطنطورة”.
وتأتي شهادات الجنود في الفيلم الوثائقي “الطنطورة” الذي أخرجه شوارتز، وسيعرض قريبا، بحسب الصحيفة.
وقالت الصحيفة: “يصف الجنود السابقون مشاهد مختلفة بطرق مختلفة، ولا يمكن تحديد عدد القرويين الفلسطينيين الذين قتلوا رميا بالرصاص، وتتراوح الأعداد الناتجة عن الشهادات من حفنة قُتلوا، إلى العشرات”.
وأضافت: “بحسب إحدى الشهادات التي أدلى بها واحد من مستوطنة “زخرون يعقوب”، شمال فلسطين المحتلة، والذي ساعد في دفن الضحايا، فإن عدد القتلى تجاوز 200”.
وقال “موشيه ديامنت”، أحد الجنود السابقين: “قُتل القرويون برصاص (متوحش) باستخدام مدفع رشاش، في نهاية المعركة”.
وحول دعوى التشهير التي رُفعت ضد الطالب كاتس، قال: “لقد كتموا الأمر، (قالوا) يجب عدم الحديث عمّا جرى، فقد يتسبب في فضيحة كاملة”.
أما حاييم ليفين، أحد الجنود السابقين، فقال إن “أحد أفراد الوحدة ذهب إلى مجموعة من 15 أو 20 أسير حرب وقتلهم جميعًا”.
وبدوره، فقد أشار ميكا فيكون، وهو جندي سابق آخر، إلى أن “ضابطا أصبح في السنوات اللاحقة رجلاً كبيراً في وزارة الجيش، قتل بمسدسه فلسطينياً تلو الآخر”.
ومن جهته، قال جندي سابق آخر، لم تسمه الصحيفة: “ليس من الجيد قول هذا. لقد وضعوهم في برميل وأطلقوا عليهم النار في البرميل. أتذكر الدم في البرميل”.
وأضاف: ببساطة لم يتصرفوا مثل البشر في القرية”.
**الفيلم الوثائقي “الطنطورة”
وحول الفيلم الوثائقي “الطنطورة”، الذي يتضمن هذه الشهادات السابقة، أشارت “هآرتس” إلى أنه سيعرض مرتين الأسبوع القادم، عبر الإنترنت كجزء من مهرجان “سوندانس فيلم” في ولاية يوتا الأمريكية”.
وتابعت: “على الرغم من أن شهادات الجنود في الفيلم تم الإدلاء بها في جمل مكسورة، في أجزاء من الاعترافات، فإن الصورة العامة واضحة: جنود في لواء الإسكندروني ذبحوا رجالًا غير مسلحين بعد انتهاء المعركة”.
**تحديد مكان القبر الجماعي
وبحسب هآرتس، تشير الشهادات والوثائق التي جمعها شوارتز لفيلمه إلى أنه بعد المذبحة تم دفن الضحايا في مقبرة جماعية، وهي الآن تحت “ساحة انتظار سيارات شاطئ دور”.
وقالت: “تم حفر القبر خصيصا لهذا الغرض، واستمر الدفن لأكثر من أسبوع”.
وأضافت: “في نهاية مايو/أيار1948، بعد أسبوع من احتلال القرية، وبعد أسبوعين من إعلان دولة الاحتلال، تم توبيخ أحد القادة الذين تم تعيينهم في الموقع لأنه لم يتعامل بشكل صحيح مع دفن جثث العرب”.
وتابعت، مستندة الى نص رسالة قصيرة: “في 9 يونيو/حزيران، أفاد قائد القاعدة المجاورة: “بالأمس قمت بفحص المقبرة الجماعية في مقبرة الطنطورة. وجدت كل شيء في محله”.
ولفتت الصحيفة الى أنه “بالإضافة إلى الشهادات والوثائق، يعرض الفيلم استخلاص الخبراء الذين قارنوا الصور الجوية للقرية ما قبل، وبعد غزوها”.
وقالت: “مقارنة الصور، واستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد باستخدام أدوات جديدة، يجعل من الممكن ليس فقط تحديد الموقع الدقيق للقبر ولكن أيضًا تقدير أبعاده: 35 مترًا طولًا، وعرضًا 4 أمتار.
وقال كاتس في الفيلم: “لقد اهتموا بإخفاء القبر الجماعي، بطريقة تجعل الأجيال القادمة تسير هناك دون أن تعرف ما الذي تخطو عليه”.
وأضافت الصحيفة: “لن يتم التحقيق في الأحداث المروعة التي وقعت في الطنطورة بالكامل، ولن تُعرف الحقيقة الكاملة”.
وأضافت: “ومع ذلك، هناك شيء واحد يمكن تأكيده بقدر كبير من اليقين: تحت ساحة انتظار أحد أكثر مواقع المنتجعات الإسرائيلية المحبوبة والمألوفة على البحر المتوسط، توجد رفات ضحايا إحدى المذابح الصارخة في نكبة تشريد الفلسطينيين وذبحهم”
وقال مركز الإحصاء الفلسطيني (حكومي) في تقرير نشره في شهر مايو/أيار الماضي: “شكلت أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، لما مثلته وما زالت هذه النكبة من عملية تطهير عرقي حيث تم تدمير وطرد شعب بكامله وإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه”.
وأضاف: “تم تشريد ما يربو عن 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية”.
وتابع مركز الإحصاء الفلسطيني: “سيطر الاحتلال خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، حيث تم تدمير 531 منها بالكامل وما تبقى تم اخضاعه الى كيان الاحتلال وقوانينه، وقد رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني”.
قصة الطنطورة
في عام 1948، اقتحمت القوات الصهيونيّة قرية الطنطورة”، جنوبي مدينة حيفا، وارتكبت فيها مذبحةً بشعة، وهي أول مذبحة ترتكب بواسطة “جيش إسرائيل” بعد تأسيسه، واستشهد فيها أكثر من 250 فلسطينيًا، قبل أن يتم تدمير القرية.
والطنطورة، قرية فلسطينية تقع جنوب مدينة حيفا، على بعد 24 كم تقريبا، تحيط بها قري كفر لام والفريديس وعين غزال وجسر الزرقاء وكبارة، تبلغ مساحتها 14,520 دونما، وبلغ عدد سكانها في عام 1945 حوالي 1,490 نسمة.
تميز موقعها باعتباره ممراً إلى حيفا وبعض المراكز الأخرى كون جزء من أراضيها يصلها بالطريق الساحلي السريع، ووجود محطة قطار للخط الساحلي.
جاءت تلك المذبحة بعد شهر تقريبا من مذبحة دير ياسين استكمالا للهدف الصهيوني الرئيسي والمتمثل بعملية التطهير العرقي للبلاد بقوة السلاح والترهيب للسكان تمهيدا لتهجير أكبر عدد من المواطنين الفلسطنيين، وقد تركت مذبحة طنطورة أثرا بالغا على الفلسطينيين في القرى المجاورة ومهدت لتهجيرهم بالفعل.
وتختلف مذبحة الطنطورة عن سائر المذابح السابقة في فلسطين ليس لحجم الضحايا فقط ولكن كونها جريمة ارتكبت على يد جيش “إسرائيل” بعد أسبوع واحد من إعلان قيام دولة “إسرائيل”. وقد اختار جيش الاحتلال هذه القرية بالذات بسبب موقعها على ساحل البحر المتوسط وسهولة مهاجمتها متذرعين بأن القرية تمثل تهديدا لهم واتهموا أهلها بتحويلها لمرفأ يصل منه السلاح للفلسطينيين.
المذبحة
استهدف الجيش “الإسرائيلي” القرية في ليل 22 مايو 1948 أولا، بقصفها من البحر قبل عملية المداهمه على يد جنود الكتيبة 33 من لواء الكسندروني من جهة الشرق في نفس الليلة، وتواصل الهجوم حتى اليوم التالي حتى تمكنوا من احتلالها في اليوم التالي، وبدأت المجزرة بحق أهالي القرية غداة احتلالها مباشرة.
ارتكبت بحق مواطنين القرية مذبحة بشعة في ذلك اليوم، وخاصة ضد رجال القرية. قد أُطلقوا النيران على الرجال في الشوارع وفي بيوتهم، وبطريقة تجميعهم بمجموعات من ستة إلى عشرة في مقبرة القرية. وأُكره بعض الرجال على حفر خنادق أصبحت مقابرهم بعد أن أُطلقوا النار عليهم ودفنوا في مقابر جماعية، ولم تتوقف حملة الذبح وسفك الدماء التي كان يقومون بها الجنود الصهاينة إلا بعد وصول بعض سكان قرية زخرون يعقوب. أما تلك المقابر الجماعية فقد أصبحت الآن موقف سيارات بشاطئ موشاف دور.
أُحصيت أكثر من 250 جثه في ليلة الاحتلال والأيام التي تلتها، وتم طرد النساء والأطفال بعد تفتيشهم ومصادرة كل ما يملكون. وتم اسر الرجال والفتيان من سن السابعة عشر وحتى الستين عاما وأخذهم وسجنهم في معتقلات كانت القوات الصهيونية تسيطر عليها، وتمت تصفية وقتل العديد من هؤلاء الأسرى قبل أن يتم تسجيلهم من قبل الصليب الأحمر الدولي.
صمود القرية ونهايتها
قاومت القرية مقاومة باسلة ولكن لضعف تسليحهم لم تستطيع الصمود أمام القوات الصهيونية.
وفي نفس اليوم قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بأسر الرجال وتشريد ما تبقى من أهلها من نساء وأطفال وتركهم يهيمون في العراء، وعلي أنقاضها أقيمت مستعمرة نحشوليم عام 1948، وفي عام 1949 أُقيمت مستعمرة أخرى هي موشاف دور على باقي أطلال القرية. وأكد عدد من المؤرخين العرب واليهود أن تلك المذبحة تعتبر من أبشع المذابح التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين التي تزيد على ثمانين مذبحة.
أما بعد خروج الأسرى والمحتجزين من الأسر فقد كانت لهم رحلة طويلة من العذاب والألم للبحث عن أسرهم التي تشتتت ما بين سورية و الأردن والعراق ولكن أغلبية الأسر من نساء وأطفال هم حاليا لاجئون في سورية وموزعون ما بين مخيم اليرموك ومنطقة القابون في دمشق ومخيم الرمل في اللاذقية.