قبيل مغادرته وزارته، توجه وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال المنتهية ولايتها عومر بار ليف لرئيسها الوشيك بنيامين نتنياهو مطالباً بالتراجع عن الإجراءات والتشريعات الجارية، التي اعتبرها تهديداً كبيراً، وتنذر بكارثة على إسرائيل أمنياً وسياسياً.
وجاء في رسالة بار ليف: «أرغب بالتوجّه لك بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة المستقبلي. أعرفك عن قرب منذ 50 عاماً. أنت شخص مع وعي تاريخي وابن لمؤرخ. أنت تدرك في سرّك أن تشريع القانون المطروح لتقليص صلاحية المفتش العام للشرطة لصالح توسيع صلاحيات وزير الأمن الوطني في حكومتك القادمة إيتمار بن غفير، وكذلك قوانين مشابهة أخرى سيحاسبك التاريخ ويسجّل عليك كمن مسّ بشكل فادح بالديمقراطية الإسرائيلية». وبذلك يشير بار ليف لسلسلة تشريعات شخصية بدأ بها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أمس من أجل تمكين رئيس حزب “شاس” الحاخام آرييه درعي من إشغال حقيبة المالية، رغم إدانته السابقة بالسرقة والتهرب من تسديد الضريبة، علاوة على قانون آخر يسمّن صلاحيات وزير الأمن القومي، وآخر يمكّن رئيس حزب “الصهيونية الدينية” باتسلئيل سموتريتش من إشغال حقيبة وزير إضافي داخل وزارة الأمن يكون مسؤولاً عن المستوطنات وعن مخططات الضمّ، علاوة على مشاريع قوانين أخرى تطالب فيها الأحزاب اليمينية الدينية، كفصل المسابح المعدة للرجال عن النساء، ووقف تزويد البيوت بالكهرباء أيام السبت بسبب قدسيته، وهذه سلة قوانين تعتبرها أوساط إسرائيلية واسعة “ظلامية” وتدمير للحريات والحقوق. وأمام الانتقادات المتصاعدة في إسرائيل على هذه التشريعات، التي من المقرر أن يستكمل تشريعها خلال اليوم أو غد، كان نتنياهو قد اتهم المعارضة له بالتهويل والتحريض وعدم التسليم بنتائج الانتخابات واعداً خلال خطاب له في الكنيست بألا تكون إسرائيل دولة شريعة.
مشاريع قوانين تطالب فيها الأحزاب اليمينية الدينية الإسرائيلية بفصل المسابح المعدة للرجال عن النساء، ووقف تزويد البيوت بالكهرباء أيام السبت بسبب قدسيته.
كارثة متدحرجة
في رسالته لنتنياهو قال بار ليف أيضا: «أنت تعلم في داخلك أنني محق. وتعلم أنك تهمل الدولة وتترك مصيرها بأيد عنصرية وغيبية وعدوانية تبحث عن الحرب. لن يكون بن غفير ولا سموتريتش مسؤولين عن الكارثة المتدحرجة نحو إسرائيل- أمنياً ودبلوماسياً وديمقراطياً، بل أنت بنيامين نتنياهو». وخلص بار ليف للقول لنتنياهو: «آمل أن تتراجع إلى حيث كنت».
ويتساءل عدد من المراقبين لماذا لا يخرج الإسرائيليون للشوارع في ظل حكومة يمينية دينية متشددة تهدد أمنهم، وما تبقى لهم من حقوق ديمقراطية، بالإشارة إلى الانشغال بالمونديال، اليأس من التغيير، الخوف، ضعف القيادات المعارضة في الوسط- اليسار، أو عدم إدراك إلى أين تسير إسرائيل الآن. يشار إلى أن المفتشين السابقين للشرطة الإسرائيلية روني الشيخ وموشيه كرادي قد حذّرا، في أحاديث صحفية، اليوم الأربعاء، من خطورة سن قانون يجعل وزير الأمن الداخلي الآمر الناهي والمسؤول عن رسم سياسات الشرطة، ويتمتع بصلاحيات مباشرة في قضايا تتعلق بملفات تحقيق. ويدعوان المفتش الحالي للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي للاستقالة لأن التشريعات المذكورة تحوله لمجرد دمية.
منع الانفصال عن الليكود
ضمن هذه العملية التشريعية الخاطفة، تم تمرير قانون يرفع عدد الأعضاء الذين يحق لهم الانفصال عن كتلتهم البرلمانية وتشكيل كتلة برلمانية منفصلة، من أربعة أعضاء كنيست إلى سبعة، وذلك في محاولة لمنع انشقاق داخلي في حزب نتنياهو “الليكود” الذي تبدي أوساط فيه تذمراً وتململاً بسبب تبقي “الفتات” لنوابه بعدما أغدق نتنياهو الوزارات والصلاحيات على شركائه في الأحزاب الأخرى. وصادقَ الكنيست على مشروع القانون بتأييد 61 عضو كنيست، ومعارضة 52؛ وسعى نتنياهو شخصيا إلى هذا التعديل من أجل منع انشقاق أعضاء كنيست يستاؤون من خيارات نتنياهو في التعيينات الوزارية في الحكومة المقبلة. كذلك يسعى ائتلاف نتنياهو إلى تمرير “بند التغلب”، الذي يهدف إلى الالتفاف على المحكمة الإسرائيلية العليا وتقليص صلاحياتها، بحيث يتم منعها من شطب قوانين يسنها الكنيست، حتى لو كانت غير دستورية وتتعارض مع قوانين الأساس.
عايدة توما: على ألمانيا التوقف عن معاملة إسرائيل وكأنها حليف ديمقراطي، فقد أثبتت أنها ليست كذلك. كما عليها التوقف عن التعامل مع الأصوات الشجاعة ضد الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية باعتبارها معادية للسامية.
حكومة مافيا
وفي تعليقه على “قانون درعي”، قال وزير القضاء في الحكومة المنتهية ولايتها، جدعون ساعر، إن «هذا الإجراء التشريعي هو عبارة عن عملية سطو في وضح النهار»، وأضاف: «هذا هو أول قانون يعرض على الكنيست الـ25 وسيكون فاتحة للمزيد من القوانين الشخصية في إسرائيل التي ستحكم من قبل حكومة مافيا». وانتخبت الهيئة العامة للكنيست، أمس، بأغلبية أصوات الائتلاف الذي يشكله نتنياهو، عضو الكنيست عن الليكود ياريف ليفين، المقرب من نتنياهو، رئيساً مؤقتاً للكنيست بدلاً من عضو الكنيست ميكي ليفي، من حزب “ييش عتيد”.
يهود وإسرائيليون يعيشون في ألمانيا ضد حكومة اليمين الفاشيّ الجديدة في إسرائيل
يشار إلى أن العشرات من اليهود والإسرائيليين الذين يعيشون في ألمانيا قد تظاهروا ضد الاحتلال وحكومة اليمين الفاشي الجديدة في إسرائيل، مطالبين حكومة ألمانيا بوقف سياسة غضّ الطرف وصرف النظر عن التطورات الأخيرة في الساحة السياسيّة الإسرائيليّة، والتعامل مع إسرائيل على أنها حليف ديموقراطيّ شرعيّ. وجرت المظاهرة أمام وزارة الخارجيّة الألمانية، إذ اشترك فيها الصندوق الجديد لإسرائيل، إلى جانب عشرات نشطاء يساريين يعيشون في ألمانيا، حيث رددوا هتافات تحذير من خطورة الحكومة الوشيكة في إسرائيل، ورفعوا لافتات كتب عليها: «يهود ضد الفاشيّة في كل مكان». وقد تمت قراءة رسالة دعم خاصة من النائبة عن حزب الجبهة والعربيّة للتغيير في البرلمان عايدة توما-سليمان، جاء فيها: «هذه الحكومة الوشيكة تشكل خطرًا على الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. المستوطنان الأكثر تطرفًا -بن غفير وسموتريتش- سيكونان مسؤولين عن الإدارة المدنيّة في الضفة الغربية وعن قوات الشرطة الإسرائيلية. هؤلاء المستوطنون سوف يديرون الاحتلال بشكل رسميّ، وسوف يعملون فعليًّا باتجاه ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينيّة المحتلة، وقد ينجم عن خطوة كهذه ضرر من غير الممكن إصلاحه أمام أي فرصة لحل سلميّ».
عايدة توما: تخطط الحكومة الجديدة للقضاء على ما تبقى من الحيّز الديمقراطي الإسرائيلي عن طريق تدمير “حارس البوابة” الأخير الذي ما زال قائمًا – المحكمة العليا – وستصبح إسرائيل دكتاتوريّة لخدمة الأغلبية اليمينية.
دعوة ألمانيا لموقف حقيقي
وتابعت عايدة توما سليمان محذرة: «تخطط الحكومة الجديدة للقضاء على ما تبقى من الحيّز الديمقراطي الإسرائيلي عن طريق تدمير “حارس البوابة” الأخير الذي ما زال قائمًا – المحكمة العليا – وستصبح إسرائيل دكتاتوريّة لخدمة الأغلبية اليمينية، ليس فقط في الأراضي المحتلة، بل داخل إسرائيل أيضًا. سوف تلاحق الحكومة الجديدة كل من يحاربها؛ المنظمات غير الحكومية، منظمات المجتمع المدنيّ، فنانين وأكاديميين. وقد بدأت بذلك بالفعل”.
وختمت توما- سليمان رسالتها مخاطبة القائمين على المظاهرة والمشاركين فيها: «النضال الحقيقيّ ضد هذه الحكومة سيكون في الميدان، وعلى الحركة التي نحتاج إلى بنائها أن تقوم على شراكة حقيقيّة بين اليهود والعرب، ولكنها بحاجة ماسّة إلى حلفاء من خارج إسرائيل أيضًا. نحن بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم.. أطلب منكم مواصلة تشكيل الضغط على الحكومة الألمانية للتعاطي مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة على ما هي عليه- حكومة يهوديّة متطرفة». وأكدت توما سليمان أنه لو كانت ألمانيا جادة حقًا بشأن التزامها بحقوق الإنسان والديمقراطيّة فيجب على التطورات الأخيرة في الساحة السياسيّة الإسرائيلية أن تكون بمثابة نقطة تحول. وتابعت: «على ألمانيا التوقف عن معاملة إسرائيل وكأنها حليف ديمقراطي، فقد أثبتت أنها ليست كذلك. كما يجب على ألمانيا التوقف عن التعامل مع الأصوات الشجاعة ضد الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية باعتبارها معادية للسامية. النضال من أجل العدالة هو محاربة العنصرية، وهو العكس تمامًا لمعاداة الساميّة».