مع مرور الوقت، تتواصل محاولات تقييم حجم الكارثة التي خلّفها “زلزال العصر” في تركيا، حيث بات من المؤكد حتى الآن انهيار عشرات آلاف الوحدات السكنية، وتضرر مئات آلاف الوحدات السكنية الأخرى، وهو ما يعني أن ملايين المواطنين باتوا بحاجة إلى سكن بديل، فضلا عن عشرات آلاف الجرحى الذين هم بحاجة إلى علاج عاجل. إلّا أن الكارثة الكبرى تتمثل في أن “رقما مرعبا” من المفقودين ما زالوا عالقين تحت الأنقاض، ومع مرور الوقت، يتقلص الأمل في العثور على ناجين بينهم.
بحسب البيانات الرسمية، فإن قرابة 6 آلاف بناية وعمارة سكنية دمرت بشكل كامل، وهو رقم يتعلق فقط بالمباني التي جرى إحصاؤها، والبنايات التي انهارت بشكل كامل وتعرضت لتدمير كلي. وهو ما يعني أن الرقم الإجمالي للبنايات أكبر بكثير من المعلن في ظل عدم إحصاء حجم الخسائر في كثير من المناطق بعد. وإذا علمنا أن كل بناية سكنية يوجد بها عشرات الشقق والوحدات السكنية، فإن الحديث هنا عن عشرات آلاف الشقق والعائلات التي تدمرت منازلها بشكل كامل، وباتت بحاجة إلى سكن بديل.
لكن الرقم الحقيقي لا يتعلق بأصحاب المنازل التي تدمرت بشكل كامل فقط، وإنما تقريباً كافة المنازل الواقعة في المناطق التي ضربها الزلزال بشكل مباشر، وهي مساحة واسعة من 10 محافظات تركية، يبلغ عدد سكانها الأصلي قرابة 13 مليون نسمة، ولا يستطيع جزء كبير منهم العودة إلى منازلهم، التي إمّا تدمرت بشكل كامل، أو تعرضت لأضرار بالغة، أو اهتزت أساساتها، وهناك خشية من سقوطها في أي وقت.
وبحسب التوجيهات الرسمية، فإنه يُمنع على أي عائلة أن تعود إلى منزلها في منطقة الزلزال قبل أن تتمكن الطواقم الرسمية المتخصصة من فحص المبنى والتأكد من أنه غير آيل للسقوط، وهو ما يعني أن ملايين الأتراك باتوا بحاجة إلى سكن عاجل، وهو ما بدأت المؤسسات الرسمية والمبادرات الشعبية بالعمل على تلبيته من خلال تخصيص سكنات الطلاب والمدارس ومقرات عسكرية وفنادق وغيرها كأماكن إيواء للمشردين، إلى جانب المبادرات الشعبية، حيث بات يتوجه جانبٌ من المشردين إلى المحافظات الأخرى غير المتضررة للبحث عن سكن مؤقت.
وإلى جانب ملايين المشردين، بدأ يتكشف العدد المهول للمصابين والذين سُجل رسمياً حتى الآن عند قرابة 35 ألف جريح. وهو رقم كبير من المتوقع أن يتزايد خلال الأيام المقبلة. لكن حتى الآن، لم تظهر مشكلة أو أزمة لدى المستشفيات التركية في التعامل مع هذا الرقم، حيث يجري نقل المصابين وتوزيعهم على باقي المحافظات.
بعيداً عن المشردين والمصابين الذين عُرف مصيرهم، يبقى التخوف الأكبر متعلقا بمن لا زالوا عالقين تحت الأنقاض، حيث لا يوجد حتى الآن أي تقدير رسمي أو غير رسمي لأعدادهم. وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات المختلفة التي تُجمع على أن “الرقم مرعب” ليس لعدد الضحايا الحالي المعلن رسمياً، والذي فاق 6 آلاف قتيل، وإنما لعدد من تبقى تحت الأنقاض، وسط توقعات بأنه رقم أكبر بكثير من عدد الضحايا الحالي.
وفي ظل تجنب الجهات الرسمية تقديم أي تقديرات لأعداد مَن لا يزالون تحت الأنقاض، تشير التقديرات الأولية غير الرسمية إلى رقم “مرعب” يمكن أن يرفع عدد الضحايا إلى أضعاف الرقم الحالي في ظل تقلص الآمال بالوصول إلى ناجين، وفي ظل أن عمليات انتشال الضحايا الستة آلاف جرت في مواقع محدود مقارنة بعدد المواقع التي دمرها الزلزال، وأن فرق الإنقاذ التي تعمل حتى الآن هي محدودة مقارنة بحجم الكارثة، حيث تقول تقديرات إن فرق الإنقاذ المتخصصة ربما تعمل في ما نسبته 10 في المئة فقط من العمارات السكنية المدمرة، وأن 90 في المئة منها، ما زال ينتظر وصول فرق جديدة سواء من الداخل أو الخارج. وهي جميعها مؤشرات تدق ناقوس الخطر حول مصير وأعداد العالقين تحت الأنقاض.